وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المجتمع في الجزائر

نساء من منطقة القبائل
نساء من منطقة القبائل

المقدمة

يتألف المجتمع الجزائري من البربر والعرب مع تأثيرات فرنسية ورثة أكثر من 130 سنة من الاستعمار الفرنسي. وتزخر المنطقة بتراث ثقافي غني. وتشهد على ذلك الرسومات الصخرية الرائعة في جنوب البلاد، والتي تعود إلى العصور القديمة. ومن هذه المنطقة انتشرت تأثيرات هامة شملت الموسيقى والأدب. واليوم، أصبح الفكر العلماني المهيمن منذ العقود الأولى للجمهورية عرضة للخطر من الإسلاميين الذين تمكنوا من اكتساب دعم كبير في المجتمع. وكما في أماكن أخرى في المنطقة، يواجه الحكام مشاكل ناشئة عن واقع أن النمو السكاني لا يتماشى مع التنمية الاقتصادية – والذي يتسبب بقلق اجتماعي.

العشائر والمجتمعات

تعزز حس الانتماء الوطني لدى السكان الجزائريين منذ حرب الاستقلال. عزز اختبار تلك الحرب، التي تم نقلها عبر نظام التعليم وبطريقة غير رسمية، بترسيخ مفهوم السيادة الوطنية. وساهم التكامل الاقتصادي في الجزائر، رغم عيوبه، في تعزيز العلاقات بين سكان مختلف المناطق في البلاد. لكن النزعة الإقليمية لا تزال عاملاً هاماً في الحياة الاجتماعية والسياسية في الجزائر. فعلى سبيل المثال، تولى أهمية كبيرة على الأصول المناطقية للرئيس وغيره من قادة الدولة. ولطالما كان هناك تنافس بين النخب من شرق الجزائر وغربها، باستثناء مجموعات أصغر مثل الطوارق أو الإباضيين من الصحراء الكبرى. كما هناك تنافس بين المناطق الناطقة باللغة العربية وتلك الناطقة باللغة البربرية، مع أن ذلك يشمل بشكل خاص منطقة القبائل وعلاقتها مع مركز السلطة في مدينة الجزائر المجاورة. في كلا الحالتين، تتشابك هذه التوترات مع عوامل أخرى، وغالباً ما برزت اختلافات كبيرة بين القادة السياسيين والاجتماعيين في المنطقة نفسها – على سبيل المثال نذكر التوجهات المتعارضة لما يعرف بالأحزاب البربرية (جبهة القوى الاشتراكية وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) والاختلافات بين الحزبين والحركات الاجتماعية المحلية التي ظهرت في منطقة القبائل في أوائل التسعينيات. للعديد كير من رجال السياسة شبكات عملاء.

الأسرة

مدينة الجزائر
مدينة الجزائر / Photo HH

خضع حجم الأسرة الجزائرية وتركيبتها إلى العديد من التغييرات خلال العقود الماضية. فمع انخفاض معدل الخصوبة من 3% في السبعينيات إلى حوالي 1,7%. وبعد مرور ثلاثة عقود، انخفض متوسط حجم الأسرة أيضاً. ساهم التحضر في تعزيز دور الأسرة النووية مقارنة بالأسر الممتدة التي كانت مهيمنة في العقود السابقة، لكن هناك فروقات هامة على صعيد الطبقة الاجتماعية بين الأسر الريفية والأسر الحضرية. ومع ارتفاع نسبة التعليم للإناث وتعزيز دور المرأة في سوق العمل، انخفض متوسط عدد الأطفال لكل أسرة خلال السنوات العشرين الماضية.

الحماية الاجتماعية

توفر الدولة نظام ضمان اجتماعي أساسي للعاطلين عن العمل وتضمن الحد الأدنى للأجور. ويتم تخصيص 7% تقريباً من موازنة الدولة للخدمات الاجتماعية، بما في ذلك إعانات البطالة ومنح تعليم الشباب العاطلين عن العمل. وتشمل رواتب التقاعد لكبار السن مساعدات المحاربين (المجاهدين) القدامى في حرب الاستقلال، تتم إدارة هذه الإعانات من قبل وزارة المجاهدين السابقين المستقلة. والمشكلة هي أن قيمة هذه المساعدات لا ترتفع بالسرعة نفسها التي ترتفع فيها تكلفة المعيشة. وهذا ينطبق بشكل خاص على السلع التي لا تتوفر إلا عن طريق الاستيراد. وخمس السكان تقريباً ليس لديهم تأمين ضد الأمراض وغيرها من المخاطر الصحية أو إصابات العمل. نتيجة لذلك، تعتبر الشبكات غير الرسمية، خاصة الأهل، ضرورية لأفراد الطبقات الدنيا.

المرأة

لطالما كان وضع المرأة مسألة اجتماعية وسياسية رئيسية في المجتمع الجزائري. وعلى الرغم من دور المرأة في حرب الاستقلال والتوجه الاشتراكي اللاحق للحكومة، لا تزال هناك تفاوتات في مجالات كثيرة، كما فروقات كبيرة في نمط حياة المرأة باختلاف المناطق والطبقات الاجتماعية. ولناشطي حقوق المرأة كلمتهم في السياسة الجزائرية وحشدوا حركات جماهيرية للدفاع عن قضيتهم، إلا أن مبادراتهم محدودة.

لكن شهد وضع المرأة تغيراً كبيراً على مر السنين، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى التطورات في المجتمع، خاصة التعليم الإلزامي للإناث ونجاح المرأة في التعليم العالي والتحسينات على صعيد الصحة الإنجابية. وأدى تحسين التعليم وتوفير فرص التوظيف للنساء إلى تقليص حجم الأسرة. واليوم، للأبناء والبنات دور يختلف عن الأجيال السابقة التي عاشت في بيئة ذكورية.

على الصعيد السياسي، تنقسم الحركة النسائية حول مسائل هامة. في الثمانينيات، وجدت نساء من اتجاهات مختلفة أنفسهن في تضاد مع ما يعرف بقانون الأسرة، الذي كان يهدد وضع المرأة في مسائل مثل الزواج والطلاق والميراث. ففي الزواج، كان على المرأة أن تكون برفقة “مُحرم”، كما كانت حقوق المرأة المتعلقة بالميراث أقل من تلك الممنوحة للرجل. وبعد مرور عشر سنوات، تسبب الاستقطاب حول الانتخابات ودور الإسلام بانقسام ناشطات حقوق المرأة العلمانيات بشكل رئيسي. ولم يكن ذلك مفاجئاً، نظراً للانقسام حول مسألة المواقف التي أصبحت واضحة تجاه التدخل العسكري في السياسة والمجتمع المدني عام 1992. فأصبحت بعض الناشطات السابقات، مثل خليدة تومي، موالية للحكومة؛ وأصبحت في النهاية وزيرة الاتصال والثقافة، الخطوة التي لاقت معارضة شديدة من سائر النساء.

الشباب

نظراً إلى ارتفاع عدد السكان الكبير في العقدين الماضيين، أصبح الشباب يشكلون الأغلبية في المجتمع الجزائري في الثمانينات. وفي الوقت ذاته، أدت الأزمة الاقتصادية والتطورات الهيكلية المتنوعة إلى نقص في فرص العمل والسكن ووسائل الترفيه. وبالتالي، لم يكن من المفاجئ أن يكون قادة انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر عام 1988 من الشباب. لاحقاً، التحق عدد صغير ولكن ملحوظ منهم بمجموعات إسلامية مسلحة. لكن بدا أن مصير غالبية هؤلاء الشباب كان إما البقاء والانتظار أو المخاطرة والهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا. تُظهر دراسات الشباب بانتظام أن عدداً كبيراً منهم يتوقون إلى السفر إلى الخارج بحثاً عن حياة أفضل وباقي الأمور غير المتوفرة في بلادهم، غير أن القليل منهم ينجحون بذلك. على عكس صورة “الحراقة” (الذين حرقوا كل شيء وراءهم، مجازاً) و “الحيطيست” (الذين يسندون الحائط في المدن الكبيرة)

التعداد السكاني حسب الفئة العكرية
التعداد السكاني حسب الفئة العكرية

التعليم

بعد فرض التعليم الإلزامي في السبعينيات، التحق 90% من الجزائريين بالمدارس. أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في معدل المتعلمين: من 21% في السبعينيات إلى 75% في الوقت الحالي. ومع ذلك، لا تزال المرأة متأخرة، لأن الكثير منهن لم يحصلن على فرصة الالتحاق بالمدرسة في الماضي. واليوم، تحرز الإناث نتائج أفضل من الذكور، لأنهن يشكّلن غالبية الطلاب في مرحلة التعليم العالي. عام 2008، كان عدد النساء في مؤسسات التعليم العالي حوالي 1,5 مقارنة بالرجال، بعد أن كان الربع تقريباً عام 1970.

لا يزال نظام التعليم يحمل آثار النظام الاستعماري السابق. فهو يشبه كثيراً نظام التعليم الفرنسي – 9 سنوات في التعليم الأساسي، يليها التعليم الثانوي العام أو التقني قبل التعليم الجامعي. والتعليم الأكاديمي مدعوم بالكامل، وتقوم الحكومة باستثمارات هائلة لإنشاء 25 جامعة في البلاد. تستقطب الجامعات والعشرات من مؤسسات التعليم العالي الأخرى أكثر من مليون طالب. العلوم الاجتماعية هي الأكثر شعبية (40% من الطلاب) تقريباً ضعف نسبة العلوم الطبيعية والهندسة. ويأتي التعليم والإنسانيات في المرتبة الثالثة (16%) ويتبعهما الطب (7%).

بقيت اللغة الفرنسية لغة هامة في نظام التعليم، على الرغم من محاولة الدولة سابقاً إلى تعريب النظام الدراسي. وبعد إدخالها بشكل رسمي، تبين سريعاً عدم واقعية هذا التغيير المخطط له للمنهج الدراسي بأكمله. ومن بين المشاكل المطروحة أيضاً الصعوبة التي يواجهها عدد كبير من المتخرجين الذين تلقوا تعليماً عربياً صرفاً في الحصول على عمل في الحكومة أو الصناعات التي تديرها الدولة، حيث الأفضلية لمن يتقن اللغة الفرنسية ولغات أجنبية أخرى.

مؤشر التعليم في الجزائر
مؤشر التعليم في الجزائر (الأمم المتحدة)

وأصبحت لاحقاً خيبة أمل هؤلاء المستعربين عاملاً ساهم في نهوض الحركة الإسلامية. وفي الدول المجاورة التي شهدت مؤخراً اندلاع ثورات سياسية، خاصة تونس، أصبحت العلاقة بين ارتفاع مستويات التعليم ونسبة البطالة عاملاً هاماً في ظهور “الإسلام السياسي”. وفي الجزائر، يبلغ معدل بطالة الشباب ضعف الرقم الإجمالي، بل حتى أعلى بين الخرّيجين الجامعيين.

دفعت المعاني الإيديولوجية لمسألة اللغة بالدولة إلى اتباع مسار حذر. وكحل وسط، يتم تعليم اللغة العربية حصرياً حتى السنة الثالثة، عندما يبدأ الأولاد بتعلم اللغة الفرنسية أيضاً. ويتم التشجيع على تدريس اللغات الأوروبية الأخرى (الإنكليزية والإسبانية والإيطالية) للتقليل من أهمية “الحرب الثقافية”. وفي الجامعات، اللغة الفرنسية هي المهيمنة، خاصة في العلوم الطبيعية. ومنذ الاعتراف بلغة البربر، ظهرت فرص أكبر لتعليم اللغة الأمازيغية.

على الرغم من سعي الدولة إلى توفير التعليم للجميع، إلا أن عدداً كبيراً من أهالي الطلاب يلجؤون إلى المدارس الخاصة. وهذه الأخيرة غير مسموح بها رسمياً، ولكنها في الواقع تضم عدداً كبيراً جداُ من أولاد الأسر الثرية التي تتمتع بنفوذ.وعلاقات جيدة مع أصحاب السلطة

النظام الصحي

 احصائيات الصحة في الجزائر
احصائيات الصحة في الجزائر

من أولويات الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار، حصول جميع الجزائريين على الرعاية الصحية. وهذا النظام، الذي كان مجانياً منذ عام 1975، متقدم نسبياً. فهو يشمل كليات الطب في الجامعات، بالإضافة إلى معاهد التمريض وغيرها من المساعدة الطبية. كما تضمن الدولة توفير العلاج الوقائي والعلاج في المناطق النائية. ويتعيّن على الأطباء وأطباء الأسنان الخدمة في مدن الواحات أو قرى الهضاب العليا في السنوات الخمس الأولى بعد تخرجهم، وذلك قبل السماح لهم بالعودة إلى المدن الكبرى التي يفضلونها في غالبية الأحيان.

أدى النمو السريع للسكان بعد عام 1962 إلى تأسيس المزيد من مراكز الرعاية الوقائية، بدلاً من المستشفيات الجديدة فقط. وعلى مر السنين، ساهمت هذه الرعاية الوقائية في تراجع كبير في معدل وفيات الرضع والأطفال.

خلال العقد الأخير، شمل الطب الوقائي أيضاً تدابير ضد انتشار مرض الإيدز. ومع أن الجزائر ومنطقة شمال إفريقيا لا تشكلان خطراً على انتشار المرض، إلا أنه يبدو أنه في ارتفاع. ومن بين العوامل المسببة لهذه الأمراض الدعارة في مدن الترانزيت الرئيسية على طول طرق الصحراء الكبرى. والأكثر خطورة هي المواضيع المحرمة المتعلقة بالجنس المنتشرة في أجزاء كبيرة من المجتمع، خاصة الجنس ما قبل الزواج والمثلية الجنسية. ولهذا أطلقت الحكومة حملات توعية وفتحت مراكز للفحص الطبي (بشكل سري ومجاني) في عدد كبير من المدن والبلدات.

أحدث المقالات

فيما يلي أحدث المقالات التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون بشأن موضوع “المجتمع” و “الجزائر”. تم نشر هذه المقالات في ملف البلد هذا أو في أي مكان آخر على موقعنا على الإنترنت: