وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قادة عرب: استعداد للتفاوض (1948 – اليوم)

الرأي السائد في الغرب بأنه بعد إنشاء دولة إسرائيل في مايو 1948، لم يكن قادة الدول العربية على استعداد للتفاوض على حلاً لنزاعهم مع إسرائيل، لا يستند إلى حقائق. من البداية، حاول العديد من قادة الدول العربية التفاوض خلف الكواليس.

 جنود القوات المتحالفة من الجيش العربي يطلقون النار في 6 مارس 1948 من القطاع الشرقي للقدس على مقاتلين يهود من
(ملفات) جنود القوات المتحالفة من الجيش العربي يطلقون النار في 6 مارس 1948 من القطاع الشرقي للقدس على مقاتلين يهود من “هاغاناه”، وهي قوة الدفاع الذاتي للوكالة اليهودية، مقرها في حي جمين موشي في القطاع الغربي من المدينة خلال الصراع العربي اليهودي الأول. (صورة بواسطة ملفات أف بي / أ ف ب)

نظرة عامة

التقسيم

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على خطة تقسيم (قرار الجمعية العامة رقم 181–II) التي أوصت بتقسيم فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين مؤقتين، واحدة يهودية وأخرى عربية. وقد نصت هذه الخطة على دولة يهودية فوق 56,5% من الأراضي (باستثناء القدس) يقطنها 480,000 يهودي و 497,000 فلسطيني (بالإضافة إلى البدو)، ودولة عربية فوق 42,5% من الأراضي (باستثناء القدس) يقطنها 725,000 فلسطيني و 10,000 يهودي. كما نصت خطة التقسيم على فرض الوصاية الدولية عن القدس بوصفها كياناً منفصلاً.

وافقت الجمعية العامة على القرار بموافقة 33 دولة من الدول الأعضاء (59٪) (أستراليا، وبلجيكا، وبوليفيا، والبرازيل، وبيلاروسيا، وكندا، وكوستاريكا، وتشيكوسلوفاكيا، والدانمرك، وجمهورية الدومينيكان، والإكوادور، وغواتيمالا، وفرنسا، وأيسلندا، ولوكسمبورغ، وهولندا، ونيوزيلندا، ونيكاراغوا، والنرويج، وبنما، وباراغواي، وبيرو، وبولندا، والسويد، وجنوب أفريقيا، وجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، وأوروغواي، وفنزويلا، وهايتي، وليبيريا، والفلبين)، ومعارضة 13 دولة من الدول الأعضاء (23٪) (أفغانستان، وكوبا، ومصر، واليونان، والهند، وإيران، والعراق، ولبنان، وباكستان، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، واليمن)، في حين امتنعت عشر دول أعضاء (16%) عن التصويت (الأرجنتين، وتشيلي، وجمهورية الصين، وكولومبيا، والسلفادور، وإثيوبيا، وهندوراس، والمكسيك، والمملكة المتحدة، ويوغوسلافيا).

دافيد بن غوريون يقرأ إعلان استقلال دولة إسرائيل - التقسيم
دافيد بن غوريون يقرأ إعلان استقلال دولة إسرائيل في 14 أيار/مايو 1948 تحت صورة تيودور هرتزل، الأب الروحي للصهيونية السياسية الحديثة
تصوير وزارة الخارجية الإسرائيلية

في 14 أيار/مايو 1948، قبل يوم واحد من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، تم إعلان دولة إسرائيل من جانب واحد. وكانت هذه نقطة تحول لوضع كان متفجراً بطبيعة الحال. وقد جرت بعض المناوشات بين المقاتلين اليهود والعرب في السنوات السابقة لصدور قرار الأمم المتحدة، ولكن الجميع أدرك أن الحرب قادمة لا محالة. وتصاعدت وتيرة عمليات إطلاق النار والهجمات على العرب واليهود، المسلحين والمدنيين. كما ازدادت حدة هذه الاشتباكات. وسعت القوات العربية إلى عزل القرى والبلدات اليهودية بقطع الطرق المؤدية إليها ومهاجمة قوافل الإمدادات والعاملين فيها.

1. اندلعت، في اليوم التالي لإعلان دولة إسرائيل، الحرب الأولى بين فلسطين والدول العربية المجاورة من جهة، وإسرائيل من جهةٍ أخرى. ولم تكن حرب عام 1948 (أو النكبة كما يُسميها الفلسطينيون أو “حرب الاستقلال” وفقاً للإسرائيليين) سوى بداية لسلسلة من الصراعات واسعة النطاق التي تلت ذلك: بدءاً من غزو إسرائيل وبريطانيا العظمى وفرنسا بعد تأميم قناة السويس عام 1956، إلى حرب يونيو عام 1967، ومن حرب أكتوبر عام 1973 إلى الحروب الأخيرة على قطاع غزة عاميّ 2012 و2014.

وفي محاولةٍ لايجاد حلٍ سلمي للصراع، لم تُجدي أعداد لا تحصى من جولات المفاوضات بين الأطراف المتحاربة نفعها، مما زاد من إحباط الشعب الفلسطيني الذي بات يخنقه، بشكلٍ متزايد، الاحتلال الاسرائيلي الممتد.

الأسطورة

يسود في الغرب رأي يقول إن القادة العرب، بعد قيام دولة إسرائيل في أيار/مايو 1948، لم يبدوا استعداداً للتفاوض على حل لصراعهم مع إسرائيل، وهو رأي لا يستند إلى وقائع. منذ البداية، حاول العديد من القادة العرب التفاوض من وراء الكواليس، ومن بينهم الزعيم الجديد لمصر، جمال عبد الناصر، عام 1953. ومع أن العالم العربي كان ولا يزال ينظر إلى المشروع الصهيوني في فلسطين على أنه مشروع استعماري، تدعمه القوى الإمبريالية التي تهدف إلى السيطرة على هذا الجزء الإستراتيجي من العالم، كانت المصلحة الوطنية فقط وراء العديد من جهود القادة العرب للتعامل مع إسرائيل

خطة التقسيم

التقسيم

وعليه، فإن فرضية عدم وجود إرادة من الجانب العربي للتعامل مع إسرائيل هي مجرد أسطورة، والتي – كما وثقها المؤرخ الإسرائيلي المعروف سيمحا فلابان (1911-1987) – تم الترويج لها بنجاح من قبل جميع قادة إسرائيل الذين، في الواقع، هم أنفسهم لم يكونوا مستعدين للبدء بمفاوضات جادة مع الدول العربية المجاورة. وفوق ذلك، كانت مثل هذه المفاوضات ستركز على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها إضافة إلى الأمور المخصصة لها خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة (ومنها: شرق الجليل، والقدس الغربية، وصحراء النقب). وبعد التأسيس، فرضت إسرائيل “الأمر الواقع” على 78٪ من أراضي الانتداب البريطاني السابق على فلسطين، أي 22٪ زيادة عما أخذته خطة التقسيم في الحسبان.

كما كانت المفاوضات ستركز على عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين يناهز عددهم 750,000 لاجئ فلسطيني، والذين فروا من القتال الذي كان قد احتدم بالفعل قبل إعلان قيام دولة إسرائيل واستمر حتى أوائل عام 1949. فقد قامت قوات “يشوف” المسلحة (الجالية اليهودية في فلسطين قبل إعلان دولة إسرائيل) والجيش الإسرائيلي بطرد العديد من هؤلاء اللاجئين، في حملة استهدفت طرد الفلسطينيين الأصليين وتحقيق أغلبية يهودية صلبة في دولة إسرائيل. وبالفعل قبل نهاية الحرب، كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 1948 قد أكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم.
في نفس القرار، أعيد ذكر الوضع الخاص للأماكن المقدسة في القدس (التي كانت إسرائيل قد احتلت الجزء الغربي منها)، وبيت لحم – الأماكن التي كانت ستكون جزءً من “الكيان المنفصل” وفق خطة التقسيم، ويخضع لنظام دولي خاص وإدارة الأمم المتحدة.

Advertisement
Fanack Water Palestine