Chronicle of the Middle East and North Africa

كيف تُشكل الأدوات السلمية الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين

لدى حركة بي دي أس ثلاثة مطالب: إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتفكيك الجدار الأمني الذي ينتهك أراضي الضفة الغربية؛ وضمان المساواة في الحقوق للفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل؛ وتمكين حق العودة للفلسطينيين في الشتات.

BDS
صورة لزجاجات النبيذ في مصنعٍ للنبيذ في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل. أعلن الاتحاد الأوروبي أن البضائع الواردة من المستوطنات – المجتمعات اليهودية التي بنيت في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967 – يجب أن تذكر ذلك صراحةً على ملصقاتها على وجه التحديد، مما أغضب إسرائيل. Photo: JALAA MAREY / AFP
في نوفمبر 2019، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن بعض السلع المستوردة من مستوطنات غير قانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة يجب أن توصف بوضوحٍ على هذا النحو.

ورأت أن إغفال ذلك، “من المرجح أن يضلل المستهلكين، إذ لا يمكنهم أن يعرفوا، في حال عدم وجود أي معلوماتٍ يحتمل أن تثقفهم في هذا الشأن، أن منشأ السلع هو مكان أو مجموعة من الأماكن التي تشكل مستوطنة قائمة في تلك المناطق في انتهاكٍ لقواعد القانون الإنساني الدولي”.

كان رد فعل المجتمع المدني إيجابياً على هذا الحكم، حيث وصفته لوتي ليخت، مديرة قسم الاتحاد الأوروبي في هيومن رايتس ووتش، بـ”الخطوة المهمة تجاه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تلتزم بواجبها بعدم المشاركة في الرواية بأن المستوطنات غير الشرعية جزء من إسرائيل.”

وفي الوقت نفسه، قال شين ستيفنسون من منظمة أوكسفام إن المستوطنات “تنتهك حقوق وحريات الفلسطينيين،” مضيفاً أن “للمستهلكين الحق في معرفة أصل المنتجات التي يشترونها، وتأثير هذه المشتريات على حياة الناس.”

ومع ذلك، وصف النقاد في إسرائيل الحكم بأنه معيارٌ مزدوج، إذ قال إسرائيل غانز، رئيس المجلس المحلي للمستوطنين، إنه يُميّز ضد اليهود الذين يعيشون ويعملون في “وطنهم منذ آلاف السنين”، مضيفاً أنه سيعمل مع وزراء الخارجية الأوروبيين لمنع تنفيذه.

وتنبع القضية من حكمٍ سابق صادر عن المحكمة الأوروبية والذي أقر أن المواد الغذائية من المستوطنات غير مشروعة يجب أن تذكر ملصقاتها ذلك صراحةً. وتتحمل كل دولة على حدتها مسؤولية ضمان صحة الملصقات وعدم تضليلها للمستهلكين.

من جتها، طبقت فرنسا الحكم على النبيذ المنتج في مستوطنة يهودية في الضفة الغربية. فقد عارض مصنع النبيذ، بساجوت، الذي ينتج حوالي 350 ألف قارورة كل عام ويُصدّر معظمها، تنفيذ فرنسا لهذا القرار، إلى جانب جماعة مناصرة فرنسية- يهودية، إذ انتهت القضية في محكمة العدل الأوروبية، التي أيدت قوانين الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، أشارت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية مينا أندريفا إلى أن إسرائيل والكتلة الأوروبية تربطهما علاقة تجارية خاصة وأن السلع المنتجة داخل الحدود المعترف بها دولياً تتمتع بتعريفة تفضيلية. وقالت “الاتحاد الأوروبي لا يدعم أي شكل من أشكال المقاطعة أو العقوبات ضد إسرائيل.”

في حين أن قرار محكمة العدل الأوروبية بشأن وضع ملصقاتٍ على المنتجات منفصلٌ عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (بي دي إس) التي يقودها الفلسطينيون، إلا إن كلاهما يبرهن أهمية تحريك أدوات المقاومة الاقتصادية والسياسية أو غير العنيفة.

فقد تبنى حركة المقاطعة نشطاء وأشخاص من جميع أنحاء العالم بهدف ممارسة ضغوطٍ اقتصادية وسياسية دولية على إسرائيل، تضامناً مع الفلسطينيين.

وعلى غرار حركة المقاطعة التي نشأت خلال نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لدى حركة بي دي أس ثلاثة مطالب: إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتفكيك الجدار الأمني الذي ينتهك أراضي الضفة الغربية؛ وضمان المساواة في الحقوق للفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل؛ وتمكين حق العودة للفلسطينيين في الشتات.

في حين جادل المعارضون للحركة بأنها تهدف إلى تفكيك الدولة اليهودية، أي أن الدولة لن تكون يهودية إذا مُنح الفلسطينيون حق العودة لأنها ستفقد أغلبيتها اليهودية.

Israel olive oil
مستوطن إسرائيلي يقوم بتجهيز عبوات زيت الزيتون في إحدى معاصر الزيتون في مستوطنة شيلو الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة في 12 نوفمبر 2015. Photo: MENAHEM KAHANA / AFP

من جهته، قال عمر البرغوثي، الناطق الرسمي باسم الحركة، إنه لا يزال بإمكان الدولة الديمقراطية توفير اللجوء للاجئين اليهود مع مراعاة التجربة اليهودية، لكن يجب ألا يكون هناك قانونٌ عنصري يعود بالنفع على اليهود فحسب.

الحجة الأخرى ضد الحركة، على غرار انتقاد غانز لحكم محكمة العدل الأوروبية، هي أن تطبيق المقاطعة على إسرائيل وحدها، في حين أن هناك نزاعات إقليمية في أجزاء أخرى من العالم، هو معيارٌ مزدوج ومعاداة للسامية.

ففي الولايات المتحدة، حيث الجالية اليهودية الأكبر والأكثر تنسيقاً، منعت 26 ولاية، بموجب القانون، الوكالات غير الحكومية من التعاقد أو الاستثمار في الشركات التي تدعم حركة بي دي إس. ومع ذلك، فقد تم الطعن في قوانين الولايات، وفي بعض الحالات، تم إلغاؤها بسبب تناقضها مع الحق في حرية التعبير.

على المستوى الفيدرالي، وافق مجلس الشيوخ والكونجرس على تدابير تدين المقاطعة، بما في ذلك مشروع قانون لمكافحة بي دي إس تم إقراره في وقتٍ سابق من هذا العام. وعلى الرغم من ذلك، يعتقد 20 إلى 40% من الأميركيين أن المقاطعة قد تكون فعالة في إظهار معارضة معاملة إسرائيل للفلسطينيين.

ومع ذلك، داخل حركة المقاطعة هناك خلافاتٌ أيضاً، حيث ينادي البعض فقط باستهداف المستوطنات الإسرائيلية، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، بينما يعتقد آخرون أنه من الضروري فرض عقوباتٍ على إسرائيل على نطاق أوسع.

ومن الجدير بالذكر أن حوالي 700 ألف اسرائيلي يعيشون في المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

وفي الوقت نفسه، يقول البعض إن حركة المقاطعة ووضع الملصقات ربما كان تأثيره، أو سيكون ضئيلاً. وفي هذا الشأن، قال كولتر لوويرس، الباحث في الدراسات الفلسطينية بجامعة إكسيتر، لفَنَك: “كان من الواضح منذ فترة طويلة أن حركة بي دي إس وحدها لن تكون قادرة على تحرير فلسطين.” وتابع، “حتى الآن، تشير الدراسات إلى أن التأثير الملموس الذي أحدثته حركة بي دي إس على الاقتصاد الإسرائيلي لا يكاد يذكر.”

وعلى الرغم من أهمية الضغط الخارجي على القوة المحتلة، وفقاً لوويرس، فإن التحرير يعتمد حقاً على “التحولات الخطيرة في الديناميكية السياسية الداخلية،” والتي يجب أن تحدثها حركة فلسطينية جماهيرية على الأرض.

وأضاف “هذا لا يعني أن عمل نشطاء حركة المقاطعة قد تم إهماله أو التقليل من أهميته،” وتابع، “في الوقت الحالي، الدور الأساسي لمجتمع التضامن هو دورٌ تثقيفي ورمزي.”

وفي الوقت نفسه، تنطبق قوانين الاتحاد الأوروبي فقط على المواد الغذائية المنتجة على أراضي المستوطنات، والواردات الأوروبية لا تمثل سوى 1% من صادرات إسرائيل في هذه الفئة.

كما ادعى غانز أن هذا الحكم سيضر بالسكان العرب الذين يعملون في أراضي المستوطنات وفي تصنيع السلع.

في الآونة الأخيرة، جادل المجلس العربي للتكامل الإقليمي، وهي مجموعة تابعة للسعودية تحاول تعزيز العلاقات مع إسرائيل، ضد مقاطعة إسرائيل، بحجة إن العلاقات السيئة أضرت بالدول العربية اقتصادياً وكذلك أضرت بالتنمية الفلسطينية.

من جهته، اعترف سام بحور، المحلل السياسي المستقل، بأن الأحكام الأصلية والأخيرة هي “خطوات بطئية،” واصفاً إياها بأنها جهود بيروقراطية تضمن استمرار الاتحاد الأوروبي في الامتثال لقوانينه وسياساته الخاصة، لكنه أكد أنها على الأقل خطواتٍ بطيئة في الاتجاه الصحيح.

“ومع ذلك، يتمتع الاتحاد الأوروبي بالكثير من القدرة على التأثير،” على حد تعبيره، وأضاف، “هذا صراعٌ سياسي بامتياز. يتطلب اتخاذ قرار سياسي… لذا، ما نطلبه اليوم هو أن يعترف الاتحاد الأوروبي، كاتحادٍ وكدولٍ مستقلة ذات سيادة، بدولة فلسطين.”

ووفقاً لوويرس، يجب على حركة التضامن الآن أن تحرج وتضغط على الشركات المتواطئة بالاحتلال الإسرائيلي لتقطع علاقاتها مع المستوطنات.

وقال “إن الخطوة الفورية التي يجب اتخاذها من قبل أي حملة من هذا القبيل هي الضغط على المفوضة السامية الحالية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، لتنشر للجمهور قاعدة بيانات الأمم المتحدة التي طال انتظارها للشركات المتواطئة في مشروع الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني.” وتابع، “سيشكل صدوره انتصاراً كبيراً، مما يرسل تحذيراً واضحاً للشركات الدولية بأن هناك عواقب ستطال أولئك الذي يجنون أرباحاً على حساب الشعب الفلسطيني.”

user placeholder
written by
Fanack
All Fanack articles