وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ملح وماء- إنتصار الأسرى الفلسطينيين في اضرابهم عن الطعام

تم تعليق الإضراب عن الطعام بعد 41 يوماً في 27 مايو 2017. وفيما اعتبر انتصاراً نادراً إلا أنه غاية في الأهمية بالنسبة للفلسطينيين، وافقت إسرائيل على تلبية ما يقرب من 80% من مطالب الأسرى، إلا أنه تم رفض مطلبين، ألا وهما وقف الاعتقال الإداري وتركيب هواتف عامة.

Palestine- hunger strike
فلسطينيون يتظاهرون تضامناً مع الأسرى الفلسطينين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، غزة، فلسطين، 30 إبريل 2017. Photo Shutterstock

سعى تحدي مي وملح، الذي أطلق في 17 أبريل 2017، إلى لفت الانتباه إلى محنة الأسرى الفلسطينيين في إضرابهم عن الطعام في السجون الإسرائيلية. وباستخدام وسم #مي وملح، قصة كرامة، نشر مؤيدوا الإضراب فيديوهاتٍ على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يشربون الماء والملح وتحدوا آخرين للقيام بذات الشيء.

ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومنذ بداية الإحتلال الاسرئيلي قبل 50 عاماً، أعتقلت اسرائيل أكثر من 805 آلاف مواطن فلسطيني، وهو ما يقارب من نصف عدد السكان البالغين. كما بلغ عدد الشهداء الذين لقوا حتفهم في السجون الاسرائيلية أكثر من 205 شهيد، وذلك بسبب الاهمال الطبي او بسبب التعذيب خلال التحقيق. وعليه فإن اضراب الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية ليس بالحدث الجديد من نوعه، ولكنه أصبح حالة بين الفينة والاخرى، تعبر عن صرخة لنسيانهم في ظلمات السجون الاسرائيلية. فبالنسبة للأسرى يعتبر الاضراب أحد أنواع المعارك مع الاحتلال، وهو ما يطلق عليه اعلامياً “معركة الأمعاء الخاوية.”

ومنذ العام 1967 خاض الاسرى والمعتقلون الفلسطيون 23 إضراباً جماعياً عن الطعام، ولقد شهد سجن عسقلان في يوليو 1970 أول وأكبر اضرابٍ جماعي عن الطعام، واستشهد خلاله الأسير عبد القادر أبو الفحم، الذي يُعتبر أول شهداء الإضرابات عن الطعام. وعلى الرغم من تواترها النسبي، يُنظر إلى الإضراب عن الطعام باعتباره الخيار الأخير الذي يلجأ إليه الأسرى مضطرين، بهدف انتزاع حقوق سلبت منهم.

وعليه، لم يكن اختيار هذا اليوم لبداية الاضراب عن الطعام عشوائياً، فلهذا اليوم رمزيته لدى الشعب الفلسطيني، فهو “يوم الاسير الفلسطيني،” حيث تعم في هذا اليوم من كل عام فعاليات ومظاهرات صاخبة في الوطن والشتات. وبهذا اليوم أعلن القائد مروان البرغوثي الاضراب العام المفتوح عن الطعام والشراب، عدا الماء الممزوج بقليل من الملح، إلى حين تلبية مطالبهم.

ويعد هذا الإضراب الاضخم من نوعه في سجون الاحتلال الإسرائيلية، حيث يشارك به ما يقارب من 1700 أسير من مجموع حوالي 6500 اسير فلسطيني يقبعون في 22 معتقل إسرائيلي. فغالبية الاسرى، وبنسبة 82% من الضفة الغربية، و12% القدس الشرقية، والباقي من قطاع غزة. ومن بين المعتقلين هناك حوالي 300 طفل، و62 امرأة، وأكثر من 500 معتقل إداري دون تهمة أو محاكمة، و13 نائباً في البرلمان الفلسطيني، ووزيران سابقان، و28 صحفياً، والمئات من الأكاديميين والمثقفين والرياضيين. وعلاوة على ذلك، هناك قرابة 1800 أسير مريض، 26 منهم يعانون من مرض السرطان، وأكثر من 80 أسير يعانون من إعاقات جسدية كالسمع والبصر وضعف الحركة.

مطالب الأسرى

تلخصت مطالب الأسرى، التي تم رفعها إلى السُلطات الإسرائيلية عبر رسالة، في عدة مواضيع، وهي:

  • انتظام الزيارات كل أسبوعين وعدم تعطيلها من أي جهة، وأن لا يمنع أي قريب من الدرجة الأولى والثانية من زيارة الأسير، وزيادة مدة الزيارة من 45 دقيقة إلى ساعة ونصف، و السماح للأسير بالتقاط الصور مع الأهل كل ثلاثة أشهر.

  • إنهاء سياسة الإهمال الطبي، وإجراء الفحوصات الطبية بشكلٍ دوري، وإجراء العمليات الجراحية بشكل سريع واستثنائي، وإدخال الأطباء ذوي الاختصاص من الخارج، وعدم تحميل الأسير تكلفة العلاج، وإطلاق سراح الأسرى المرضى خاصة ذوي الإعاقات والأمراض المستعصية، بالإضافة الى عدم تحويل الحالات العلاجية الى مستشفى سجن الرملة، بسبب عدم صلاحيته بتأمين العلاج اللازم.

  • إنهاء سياسة العزل الانفرادي، وإنهاء سياسة الاعتقال الإداري بدون تهمة وبدون محاكمة.

  • تأمين معاملة إنسانية للأسرى خلال تنقلاتهم من السجون الى العيادات والمحاكم وعدم إبقائهم في المعابر، واضافة قنوات تلفزيونية فضائية تلائم احتياجات الأسرى، وإعادة المطابخ في السجون تحت إشراف الأسرى الفلسطينيين بشكل كامل، وإدخال الكتب، والصحف، والملابس والمواد الغذائية والأغراض الخاصة للأسير أثناء الزيارات. والسماح للأسرى بتقديم امتحانات التوجيهي وإعادة إمكانية التعليم الجامعي في الجامعة العبرية المفتوحة. وتركيب هاتف عمومي للأسرى الفلسطينيين بهدف التواصل إنسانياً مع ذويهم.

وعلى مدار السنوات السابقة، اتبعت إدارة السجون الإسرائيلية سياسة التأجيل والمماطلة وتجزئة المطالب في الردّ على مطالب الأسرى المضربين عن الطعام، وذلك بهدف اضعاف الروح المعنوية واحداث شقوق بين صفوف المضربين، بهدف رفض غالبية مطالب الاسرى. فقد اتهمت إدارة السجون الاسرائيلية بانتهاك الحقوق التي يضمنها القانون الدولي، سيما اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 التي تحدد مجموعة من القواعد التي تكفل حماية أسرى الحرب والمعتقلين، حيث تم التأكيد على معاملة أسرى الحرب بطريقة إنسانية وكفالة الحماية لهم من كل أعمال العنف والترهيب والشتائم. وقد نص القانون الدولي الإنساني الشروط الدنيا التي تنظم الاحتجاز وتشمل مثلاً المسائل المتعلقة بمكان الاحتجاز والغذاء والملبس والنظافة والرعاية الطبية. كما أكد القانون على عدم ملاحقة أسرى الحرب بسبب مشاركتهم المباشرة في العمليات العدائية، ولا يكون احتجازهم شكلاً من أشكال العقوبة وإنما يهدف فقط إلى منع استمرار مشاركتهم في النزاع. وبالتالي، يجب إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى أوطانهم دون إبطاء فور انتهاء العمليات العدائية. كما لا يجوز للدولة الحاجزة محاكمتهم لأعمال العنف المشروعة بمقتضى القانون الدولي الإنساني، وإنما بتهمة ارتكاب جرائم حرب محتملة فحسب.

فقد فشلت إسرائيل في تطبيق نصوص القانون الدولي، إذ تمت ممارسة القمع ضد الأسرى في مرات عديدة، وعانى الاسرى أشكالا متعددة من الإهانة والإذلال، وتعبر السجون الإسرائيلية وسائل عقابية نفسية وجسدية. وتؤكد الاحصائيات هذه المعطيات، فهناك أكثر من 500 أسير يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد لمرات عدة، بمن فيهم البرغوثي، وهناك من أمضي أكثر من ثلاثين عاماً. كما أن هناك العشرات ممن تم اعادة اعتقالهم على الرغم من صفقة تبادل الاسرى التي تمت بين اسرائيل والفلسطينيين عام 2011.

ما الذي حققه إضراب الأسرى؟

استطاع اضراب الاسرى بعد اقل من يومين من إعلانه أن يوصل رسالته للعالم. فقد تم مرافقة الاضراب بتغطية اعلامية واسعة النطاق، فقد اوجدت رسالة مروان البرغوثي في صحيفة النيويورك تايمز، الذي أوضح فيها اسباب اعلان الاسرى الاضراب عن الطعام، ضجةً اعلامية، إذ قال “أثبتت عقود من التجربة أن نظام إسرائيل غير الإنساني، القائم على الاحتلال الاستعماري والعسكري، يهدف إلى كسر روح الأسرى والشعب الذي ينتمون إليه، من خلال إلحاق الأذى بأجسادهم، وعزلهم عن عوائلهم ومجتمعاتهم، واستخدام إجراءات مهينة لجبرهم على الخضوع، وعلى الرغم من هذه المعاملة فإننا لن نستسلم”.

وبعد مرور أكثر من أسبوعين، ومع عدم اكتراث القيادة الإسرائيلية لمطالب الأسرى، أعرب رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية والقدس، عن بالغ قلقهم إزاء استمرار إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية. الجامعة العربية، وبجلسةٍ طارئة، طالبت المجتمع الدولي وحكومات وبرلمانات الدول وكافة المؤسسات والهيئات الدولية بـ”تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية، وتدخلها الفوري والعاجل لإلزام الحكومة الإسرائيلية بتطبيق القانون الدولي الإنساني.” بينما سلط الاعلام الغربي الضوء على مواقف بعض ردود الفعل الصادمة لبعض السياسيين الإسرائيليين الراديكاليين، حيث قال عضو الكنيست أورون حزان بأنه “لا توجد مشكلة حتى لو مات جميع المساجين نتيجة لإضراب الجوع، فالسجون مكتظة، في حين أن هناك مساحة كافية في جوف الأرض من شأنها أن تستقبل جثثهم،” وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان: “يجب ترك المساجين المضربين يموتون جوعاً.”

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة تم تشييد خيمة لمناصرة الاسرى لتحشيد الطاقات لتنظيم فعاليات يومية تعبر عن وقوفها مع قضية الاسرى. وتجدر الإشارة هنا بأن الغالبية العظمى من الأسرى المضربين ينتمون إلى “حركة فتح” وبقيادة مروان البرغوثي، الذي يتمتع بحضورٍ قوي وشعبية جارفة، ويرون فيه خليفة محتمل لزعيم فتح الحالي والرئيس الفلسطيني محمود عباس. بل أنه في حال وفاة أحد الاسرى بسبب الاضراب عن الطعام، ستكون هناك ردة فعلٍ شعبية لا تريدها إسرائيل بالتأكيد. فقد بدأت إسرائيل بالفعل باتخاذ خطواتٍ لمواجهة الاضراب، ومنها حملة من التنقّلات بين الأسرى المضربين بين السجون، ومصادرة ممتلكات الأسرى المضربين وملابسهم والإبقاء على الملابس التي يرتدونها فقط، بالإضافة الى تحويل عدد من قيادات الحركة الأسيرة إلى زنازين عزل انفرادي.

وفي خضم هذه التدابير، أثيرت مخاوف من أن تلجأ مصلحة السجون الاسرائيلية إلى التغذية القسرية، وهو إجراءٌ أقرته المحكمة العليا الاسرائيلية عام 2016. وذكر المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بالحق في الصحة أنّ التغذية القسرية للمعتقلين المضربين عن الطعام “لا تمتثل تحت أي ظرف من الظروف لمعايير حقوق الإنسان،” كما حذرت مصادر طبية من مخاطر التغذية القسرية، ومن إمكانية حدوث الاختناق عند ادخال أنبوب التغذية الى مجرى التنفس بدل المريء والمعدة.

تم تعليق الإضراب عن الطعام بعد 41 يوماً في 27 مايو. وفيما اعتبر انتصاراً نادراً إلا أنه غاية في الأهمية بالنسبة للفلسطينيين، وافقت إسرائيل على تلبية ما يقرب من 80% من مطالب الأسرى، إلا أنه تم رفض مطلبين، ألا وهما وقف الاعتقال الإداري وتركيب هواتف عامة.