وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مستقبلٌ مشرق لتركيا في مجال الطاقة الشمسية

Turkey- Solar panels in Turkey
الطاقة الشمسية في تركيا. Photo https://aa.com.tr

عندما يفكر المرء بالطاقة الشمسية في تركيا، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو سخانات المياه الشمسية المنتشرة في كل مكان على أسطح غالبية المنازل. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، باشرت أنقرة بحملةٍ طموحة لتعزيز خبرات تركيا، ومشاركتها، في مجال توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.

الإمكانات هائلة، فمنطقة الساحل الشمالي التركي، التي تقع على طول “الحزام الشمسي للبحر الأبيض المتوسط،” تستقبل فحسب مستويات سنوية من الإشعاع تقل عن 1400 كيلوواط ساعي/ متر مكعب (بين عامي 2004 و2010). ومع ذلك، فإن الخبرة القليلة التي تمتلكها البلاد في مجال تطبيق حلول الطاقة المتجددة على شبكة الكهرباء، يجعل من تركيا بعيدةً قليلاً عن كونها مركزاً للطاقة الخضراء.

ومع ذلك، أعلنت الحكومة التركية، الحريصة كل الحرص على الاستفادة من إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة، في عام 2014، وكجزءٍ من “رؤية 2023“- العام الذي يتزامن مع الاحتفال بالذكرى المئوية للجمهورية التركية- عن خطط لتعزيز مصادر الطاقة البديلة في البلاد بشكلٍ كبير. وبدايةً، تهدف تركيا إلى توليد 34 جيجاواط من الطاقة الكهرومائية، و20 جيجاواط من طاقة الرياح، و5 جيجاواط من الطاقة الشمسية، و1 جيجاواط لكل من الطاقة الحرارية الأرضية والكتلة الحيوية. فقد تجاوز نجاح المبادرة التوقعات الأولية، وبحلول عام 2016، توقع كبار الشخصيات في مجال الطاقة الشمسية في تركيا بأن البلاد بالفعل ستتجاوز هدفها المخطط للطاقة الشمسية. وستشهد هذه الخطة تعويض مصادر الطاقة الشمسية لما يصل نسبته إلى 30% من احتياجات الطاقة في تركيا عام 2023.

ولا تزال تركيا تستورد 55% من الغاز الطبيعي من روسيا، كما تعرضت إمدادتها الهشة للطاقة لإنتكاسةٍ في السنوات الأخيرة مع توتر العلاقات مع موسكو مراراً وتكراراً بسبب الحرب في سوريا، وبخاصة بعد أن أسقطت تركيا مقاتلةً روسية. وفي عام 2017، أعربت وزارة الطاقة التركية عن أملها في تلبية ثلثي احتياجات تركيا من الكهرباء من المصادر المحلية. ومع اكتساب قطاع الطاقة المتجددة زخماً متزايداً، يمكن أن تكون الطاقة الخضراء بديلاً يمكن الاعتماد عليه للواردات الأكثر خطورة. وبما أن أنقرة تنتهج موقفاً جيوسياسي مستقل بشكل متزايد عن حلفائها القدامى أو القوى العالمية الأخرى مثل روسيا، سيكون أمن الطاقة من الاعتبارات السياسية الرئيسية بالنسبة لها.

توجيه الطاقة الشمسية في الاتجاه الصحيح

اتخذت الحكومة التركية موقفاً استباقياً لضمان تعزيز رؤيتها للطاقة التركية من خلال مناقصات الطاقة الشمسية. وتشمل التشريعات التي تغطي المناقصات شرطاً يُلزم أصحاب المناقصات باستخدام المعدات التي تنتجها تركيا أو صنع معداتهم الخاصة في تركيا. وعلاوة على ذلك، تنص التشريعات أيضاً على أن أربعة من كل خمسة مهندسين يوظفهم صاحب المناقصة يجب أن يكونوا مهندسين أتراك. يهدف هذا إلى ضمان استدامة قطاع الطاقة المتجددة في البلاد إلى ما بعد هذه الاستثمارات الأولية.

فقد افتتحت أول منشأة متكاملة لإنتاج الخلايا والألواح الشمسية خارج مدينة أنقرة في أواخر العام الماضي. ويعد هذا مثالاً رئيسياً على تطبيق تشريعات الحكومة في مجال الطاقة المتجددة، حيث سيوفر المصنع معدات الطاقة الشمسية لمشروع كاربينار، أكبر منشأة للطاقة الشمسية في تركيا. وبقدرته على توليد 1,000 ميجاواط من الطاقة الخضراء- أي ما يكفي لتشغيل حوالي 600 ألف منزل- سيكون مشروع كاربينار أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم. يُذكر أن الاتحاد التركي- الكوري الذي يقف خلف المشروع، مجموعة كاليون- هانوا، هو بالضبط شكل التعاون الدولي وتقاسم المعرفة الذي يرغب حزب العدالة والتنمية الحاكم بتنميته في قطاع الطاقة المتجددة.

ومن المقرر الإعلان عن المشروع الثاني من هذا القبيل في منتصف عام 2018، حيث ذُكر أن المزمع أيضاً تنفيذه في واحدة من مدينتين في منطقة الأناضول. وبقدرة إنتاجية تصل إلى 600 ميجاواط، ستكون المحطة أصغر من مشروع كاربينار، إلا أنه من المحتمل أن تجلب رأس مال ذو منفعة سياسية لمناطق في البلاد لم تستفد من نفس النمو الكبير الذي شهدته المراكز الصناعية والاقتصادية الأخرى في البلاد مثل اسطنبول. إن المتطلبات الجغرافية لمحطات الطاقة الشمسية، والمساحات الكبيرة من الأراضي المسطحة، ومستويات الإشعاع العالية، تجعل من هذه التكنولوجيا خطةً مثالية لتشجيع النمو الاقتصادي في قلب الأناضول، التي تعد من الدوافع الرئيسية لهيمنة حزب العدالة والتنمية طويل الأمد على صناديق الاقتراع. ومع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في عام 2019، فإن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تتطلع بالتأكيد لاستغلال هذه المشاريع لتحقيق مكاسب سياسية.

كما تشارك أيضاً السلطات أسفل التسلسل الهرمي السياسي بالمهمة أيضاً. ففي منتصف شهر فبراير، تم افتتاح محطة جديدة للطاقة الشمسية، أسسها المجلس المحلي في محافظة بولو. ومن المتوقع أن يوفر هذا المرفق، الذي يتوقع أن يصل إنتاجه بما يعادل الطاقة اللازمة لتشغيل 10 آلاف منزل، الكهرباء لمحطة تكرير المياه المجاورة. وبما أن المياه الصالحة للشرب المنقولة بالأنابيب لا تزال ترفاً في معظم أنحاء تركيا، تنطوي مثل هذه المشاريع على إمكاناتٍ سياسية قوية.

الطاقة الشمسية للدفع بعجلة النمو

من المهم أن نتذكر أن رؤية حزب العدالة والتنمية لعام 2023 كانت في المقام الأول برنامجاً للنمو الاقتصادي. ولن تكون تركيا أول بلدٍ يعلق آماله بالرخاء الاقتصادي في المستقبل على إمكانات الطاقة المتجددة، إذ أيدت كل من ألمانيا والصين هذه الصناعة. فقد كان التصنيع المحلي للألواح الشمسية وغيرها من المعدات أمراً رئيسياً لاستراتيجية الطاقة المتجددة لكلا الدولتين على حد سواء. وعليه، يعدّ هذا الاشتراط اتجاهاً مشتركاً في الأعمال التجارية المدعومة من الدولة التركية. ففي صناعة الأسلحة التركية، كثيراً ما يجري التفاوض في الصفقات الأجنبية لتشمل نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى الصناعة المحلية للبلاد. ومع ذلك، فقد كافحت ألمانيا في السنوات الأخيرة للتنافس مع الأسعار الصينية للألواح الشمسية، وهو تحدٍ يُحتمل أن يواجهه الإنتاج التركي أيضاً.

كما يتم وصف مشروع كاربينار كواحدٍ من البنية التحتية الضخمة لإرث أردوغان، بما في ذلك ثالث جسر في اسطنبول فوق البسفور (الذي يعدّ أكبر جسر معلق في العالم)، ومطار اسطنبول الجديد وقناة اسطنبول المخطط لها. فقد أشار بيرات البيرق، صهر أدروغان ووزير الطاقة التركي، إلى كاربينار باعتباره “مشروعاً مجنوناً” في عالم الطاقة، وهو نفس اللقب الذي مُنح لمخططات البُنية التحتية الوحشية لأردوغان التي باتت رمزاً لطموحاته الاقتصادية على مدى السنوات الـ15 الماضية.

ولكن التحول نحو الطاقة الخضراء في تركيا لا يحمل في طياته إمكانياتٍ محلية فحسب، إذ تقوم أنقرة ببناء علاقاتٍ عبر افريقيا منذ سنوات. وباعتبارها واحدة من أسرع الأسواق نمواً في العالم من حيث الطلب على الكهرباء، فإن افريقيا تعتبر بالفعل سوقاً غاية في الأهمية ومربحة لتصدير المعدات الشمسية التركية في المستقبل.

وعليه، يبدو أن الطاقة الشمسية تشكل ركيزةً أساسية لإمدادات الطاقة التركية في المستقبل المنظور. وإذا ما أثمرت آمال أنقرة، فإن قطاع الطاقة الشمسية والصناعات الداعمة له سيعزز استمرار النمو الاقتصادي التركي لسنواتٍ قادمة.