وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أهرامات السودان “المنسية” وخطر دفنها بالكثبان الرملية

أهرامات السودان المنسية
رجلٌ سوداني يمتطي جملاً وينظر إلى الأهرامات في صحراء مروي شمال العاصمة السودانية الخرطوم يوم ٢٦ فبراير ٢٠١٠. المصدر: ASHRAF SHAZLY / AFP.

 

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على المخاطر التي تهدد أهرامات السودان بسبب العواصف الرملية والتغير المناخي. ويقوم صاحب المقالة أحمد معتصم عبد الله محمود، وهو باحثٌ يسعى لنيل شهادة الدكتوراه في حركة الرمال في السودان بجامعة نوتنغهام، بمناقشة الحلول المقترحة للحفاظ على آثار حضارة كوش القديمة.

وكانت الحضارة النوبية القديمة في السودان قد خلفت وراءها أكثر من ٢٠٠ هرم منذ عام 2500 قبل الميلاد. وبحسب محمود، فإن هذه الأهرام تتواجد في ثلاث مناطق صحراوية أثرية وهي: مدينة الكرو، وجبل البركل، ومدينة مروي، بالإضافة إلى معابد، ومقابر، وغرف دفن ملكية.

ورغم أنها أصغر حجماً من أهرامات الجيزة المصرية الشهيرة، فإن الأهرامات النوبية رائعة أيضاً وذات قيمة ثقافية. كما أنها توفر تجربة خالية من الزحام للسائحين الجسورين.

وتجدر الإشارة إلى أن الأهرامات شديدة الانحدار والمبنية من الأحجار الرملية والغرانيت، تحتوي على معابد وغرف دفن مزينة برسوم ونقوش محفورة بنصوص اللغتين المروية والهيروغليفية. ويأتي ذلك احتفاءً بالملوك الذين عاشوا في مروي – وهي مدينة نيلية ثرية كانت مركز نفوذ مملكة كوش القديمة المنافسة لمصر.

وتعد جوهرة مروي الثقافية، التي تقع على بعد حوالي 220 كيلومتر من العاصمة الخرطوم، واحدةً من أهم مواقع التراث العالمي لليونسكو. غير أن نقص الحماية، وظروف الطقس الحادة، والزائرين المهملين ألقوا بظلالهم على آثارها. وعلى سبيل المثال، فقد قام المستكشف الإيطالي جوزيبي فيرليني بتفجير عدة أهرامات في ثمانينات القرن السابع عشر. وقام فيرليني بذلك بحثاً عن كنز كوشي، ما أفقد العديد من المقابر قممها المدببة. كما تعرضت العديد من أهرامات السودان الأخرى للنهب والتدمير على يد اللصوص.

رمال متحركة

في الآونة الأخيرة، باتت العواصف الرملية والكثبان الرملية المتحركة تشكل التهديد الأكبر على مواقع التراث السوداني القديمة. ولا تعتبر هذه ظاهرة جديدة، بل أنها تعود بتاريخها إلى آلاف السنين. وتصف نقوش، وجدت في مقبرة تعود للقرن الخامس قبل الميلاد، كيفية إصدار أحد ملوك كوش لأمر بإزالة الرمال من الممرات: “استدعى جلالته العديد من سواعد الرجال والنساء الفطنين، بالإضافة إلى الأطفال الملكيين والقادة لإزاحة الرمال؛ وكان جلالته يزيل الرمال بنفسه في مقدمة الحشود لعدة أيام”.

بيد أن هذا التهديد تفاقم حالياً بسبب تغيّر المناخ، إذ باتت الأرض أكثر جفافاً والعواصف الرملية أكثر تكراراً. ويمكن أن تبتلع الرمال المتحركة منازل بأكملها في الريف السوداني، وتغطي حقول، وقنوات ري، وضفاف نهر.

وفي حين يعتقد بعض علماء الآثار أن حركة الرمال تساعد على الحفاظ على المشغولات اليدوية القديمة من اللصوص، فإنه هذه الحركة معروفة بما تلحقه من إضرار بالمواقع الأثرية المكتشفة، سيّما وأنها تعيد دفن هذه المواقع تحت الصحراء. كما أن هبوب الرياح المحملة بالرمال يؤدي إلى تآكل الأعمال الحجرية والتماثيل.

مقاومة التصحّر

يرى محمود أن أفضل طريقة لمقاومة حركة الرمال والتصحر تمكن في زيادة الغطاء النباتي. ويقود مشروع إفريقي لإعادة تشجير الغابات الطريق الجهود الرامية إلى تحقيق هذا الهدف.

ويعتبر مشروع السور الأخضر العظيم مبادرة تشترك فيها أكثر من 20 دولة وتبلغ قيمتها مليارات الدولارات. وتهدف هذه المبادرة إلى الحد من زحف الصحراء الكبرى عن طريق إعادة زراعة 100 مليون هكتار من الأراضي عبر القارة، ابتداءً من السنغال في غرب أفريقيا ووصولاً إلى جيبوتي في الشرق. ويسعى المشروع إلى زراعة أكبر حاجز من الأشجار والنباتات على ظهر الكوكب، وسيكون الجزء الأكبر من امتداد هذا “الحائط” في السودان.

ولم يُزرع من المساحة الكلية المستهدفة سوى 40%. وهناك فروق كبيرة في نسبة المساحة المزروعة من دولة لأخرى. وعندما يقترب المشروع التجريبي من الاكتمال، فإنه سيحد من وتيرة العواصف الترابية وسيبطئ حركة الرمال نحو الأراضي الخصبة ومواقع اليونسكو في شمالي السودان. كما أنه سيساهم في معالجة موجات الحر الشديد في المناطق شبه القاحلة مثل العاصمة الخرطوم، حيث تصل درجة الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية في فصل الصيف.

لكن مراقبة تأثير المشروع، الذي يمتد على مساحة 5 آلاف ميل عبر أفريقيا، تتطلب توافر بيانات “الصورة الكبيرة” للمشروع. وتتوافر هذه البيانات عبر أحدث تقنيات الاستشعار عن بعد والأقمار الصناعية.

أقمار تتبع الرمال

يمكن أن توفر صور الأقمار الصناعية معلومات قيمة عن حركة الرمال. وعلى سبيل المثال، فإن الأقمار الصناعية تستخدم لمراقبة العواصف الترابية التي تنقل الرمال من الصحراء الكبرى عبر المحيط الأطلنطي لتزويد غابات الأمازون المطيرة بالمواد الغذائية الضرورية لتخصيب أراضيها.

لكن ماذا عن استخدام نفس التقنية على نطاق أصغر؟ كيف يمكن التنبؤ إذا كانت الرمال ستغطي حقل، وقناة مائية -أو هرم؟

ويقول محمود: “في بحثي الخاص، استخدمت سابقاً عدة صور متداخلة، مأخوذة من الطائرات، لإنشاء نماذج ارتفاع رقمية للكثبان الرملية في شمالي السودان. وأدى هذا إلى بحثي الحالي لنيل شهادة الدكتوراه، والذي يركز على مراقبة حركة الكثبان الرملية باستخدام صور الرادارات والأقمار الصناعية، والصور الملتقطة من الطائرات باستخدام تقنية الليزر وغيرها من التقنيات. كما يحقق بحثي في تأثير عوامل مثل سرعة الرياح، واتجاهها، ووجود غطاء زراعي، وتضاريس المكان”.

ويختم محمود مقالته بالتالي: “أهدف وزملائي إلى تطوير استيعاب الكيفية التي ينمو بها حجم الكثبان الرملية والكيفية التي تزحف بها عبر الصحراء. وسيمكننا هذا من مراقبة مدى فاعلية تدخلات مثل زراعة حواجز نباتية، ومساعدتنا في مقاومة التصحر والتغير المناخي، وضمان قدرة الناس في السودان على زرع ما يكفيهم من غذاء. كما يمكننا حتى التنبؤ متى ستُدفن هذه الأهرامات وأين – وما يمكننا فعله لمنع حدوث هذا”.

 

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/au في 14 يونيو 2021