وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لمنع نقص المياه، يتعين على الأردن العمل دون تأخير

Specials- Roman theater Amman
المدرج الروماني في وسط البلد في العاصمة عمان بعد هطول مطري كثيف تسبب في فيضان أجزاء من المدينة. ٢٨ فبراير ٢٠١٩. Photo AFP

خلال السنوات القليلة الماضية، أدى تغير المناخ في الأردن إلى جانب ارتفاعٍ درجات الحرارة إلى انخفاض الموارد المائية، في حين أصبحت الأمطار الغزيرة المفاجئة أكثر تكراراً، مما يزيد من مخاطر الفيضانات. وفي مواجهة نموٍ سكاني بارز، يتعين على الأردن مواجهة تحدياتٍ جديدة فيما يتعلق بإدارة الموارد لحماية سكانه من الظروف الخطيرة.

يعتبر الأردن أحد أكثر عشرة بلدان شُحاً في المياه في العالم بسبب ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع معدل النمو السكاني. وخلال مؤتمر مبادرة الأمن الكوكبي في لاهاي، الذي عقد من 19 فبراير إلى 20 فبراير 2019، لخص رائد الداوود، الرئيس التنفيذي لشركة إيكو للاستشارات، الوضع في البلاد لفَنَك: “في عام 1979، كان لدينا في الأردن أقل من مليوني نسمة، وبعد أربعين عاماً، وصل عدد السكان إلى 10,5 مليون نسمة. لدينا لاجئون من دول الجوار التي تعاني من صراعاتٍ وحروب، مثل فلسطين والعراق ولبنان ومؤخراً سوريا.”

قبل اندلاع الصراع في سوريا، كانت بيئة الأردن تعاني بالفعل من وضعٍ متزعزع: فالموارد المائية شحيحة، إلى جانب الممارسات الزراعية غير المستدامة، والإدارة غير الملائمة للنفايات. وفي عام 2018، حصل الأردن على ثاني أعلى نسبة من اللاجئين في العالم مقارنة بعدد سكانه، بوجود 89 لاجىء لكل 1000 نسمة، يعيش معظمهم في المناطق الحضرية. زاد هذا من الضغط على البنية التحتية الحضرية في البلاد، التي تعاني بالفعل لمواجهة نموها السكاني المعتاد. عددٌ أكبر من الأشخاص يعني كمياتٍ أقل من المياه التي يعاد توزيعها لكل شخص، فضلاً عن زيادة المنافسة على الوصول إلى الموارد الطبيعية مثل الأشجار والحياة البرية، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات تلوث الهواء نتيجة لزيادة حركة المركبات وارتفاع إنتاج النفايات بشكل كبير.

التبعات السلبية للنزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط على الأردن تجد صدىً لها في تغير المناخ، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل المياه في البلاد: يسبب ذلك هطولاً مطرياً أقل وبالتالي تغذيةً أقل لنهر الأردن ونهر اليرموك (يجري تقاسم هذين النهرين مع إسرائيل وسوريا). يجبر هذا الوضع الناس على الاعتماد على احتياطيات المياه الجوفية، التي باتت تستنزف بشكلٍ متزايد. ووفقاً للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) فإن “الأردن يستهلك كمياتٍ من المياه أكثر مما هو متاح من مصادر متجددة. وتجدر الإشارة إلى أن إمدادات المياه المتجددة لا تلبي حالياً سوى نصف إجمالي استهلاك المياه. ينجم نقص المياه عن استخراج المياه الجوفية بطريقة غير مستدامة، بما في ذلك آلاف الآبار الخاصة غير القانونية. نتيجةً لذلك، شهدت العديد من المجتمعات في الأردن منذ فترة طويلة توتراتٍ حول ندرة المياه، حتى قبل وصول 657,433 لاجىء سوري مسجل في السنوات الخمس الأخيرة. ومع هذا التدفق السريع للسكان، اتسعت الفجوة بين المياه المتوفرة والطلب، لا سيما في الشمال، بشكلٍ كبير.”

وقالت يانا أبو طالب، المدير التنفيذي لمنظمة EcoPeace في الشرق الأوسط والتي كانت حاضرةً أيضاً في مؤتمر لاهاي، لنا في فَنَك: “قبل عدة سنوات، كانت الحكومة تكافح لتوفير 86 متراً مكعباً من المياه للشخص الواحد سنوياً، والآن بتنا سعداء بحصولنا على 45! يعدّ قطاع المياه هو الشاغل الرئيسي للأردن، ولكن لا يمكن فصله عن قضايا التخلص من النفايات والمياه العادمة، إذ تحتاج تلك القضايا إلى المعالجة أيضاً. فعلى سبيل المثال، تذهب ما نسبته حوالي 65% من مياهنا إلى القطاع الزراعي، لذلك نحن بحاجة إلى التكنولوجيا لمعالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في الزراعة.” كما أثارت أبو طالب قضية الطاقة اللازمة لضخ المياه ومعالجتها وعمل شبكة المياه: “يستهلك ذلك حوالي 25% من قطاع الطاقة، لذا ندعو السلطات لسد الفجوة بين قطاعي الطاقة والمياه من أجل معالجة القضية بالكامل.”

لذا فإن العمل لمواجهة هذه المشاكل ضروري اليوم بالنسبة للأردن وسكانه. تسعى منظمة EcoPeace الشرق الأوسط، التي تعمل من أجل توزيعٍ عادلٍ للمياه من نهر الأردن بين إسرائيل والأردن وفلسطين، إلى جانب التكيف مع الحقائق المناخية الجديدة، إلى إعادة تأهيل المصدر المائي مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الطبيعية. وقالت أبو طالب لفَنَك”: “أعتقد أن الأردن بحاجة إلى إدارة مائية جديدة بالكامل ويحتاج إلى هذا الإصلاح، خاصة وأننا نفقد حوالي 46% من مستوى المياه المتدني في الأصل بسبب تسرب المياه في الشبكات.”

بالنسبة لشركة إيكو للإستشارات، ينبغي أن تكون هذه الإصلاحات مصحوبة بزيادة مشاركة القطاع الخاص. وبحسب ما قاله الداوود “نحن بحاجة إلى إدارة جديدة ولكن أيضاً تكنولوجيات جديدة لتوفير المياه وتوليد المزيد من المياه من الموارد المتاحة لدينا.” وتابع القول، “ينبغي أن تكون هناك خطة لإشراك القطاع الخاص في استيراد هذه التكنولوجيا، وكذلك فيما يتعلق بتنمية القدرات المحلية لتكييفها ضمن سياقنا الوطني. تركز الصناديق الدولية، بشكلٍ أساسي، على تطوير القدرات داخل الحكومة، لكن حدث تحول في الآونة الأخيرة، فقد بات الدعم يذهب بشكلٍ أكبر إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني. نحن بحاجة إلى كلا الدعمين من أجل زيادة عدد المبادرات من الشركات، والأمر متروكٌ للجهات المانحة لفتح الباب أمام القطاع الخاص لتسريع العملية.”

ينبغي على المنظمات والشركات الخاصة والحكومة الأردنية والمانحين الدوليين العمل يداً بيد لمواجهة أزمة الموارد هذه، والتي يُضخمها تغير المناخ والنمو السكاني، باعتبارها أولوية ذات أهمية. وبما أن الحكم الأردني ثابتٌ وقوي جداً في منطقة متقلبة ومتضررة من الصراعات، فلربما يكون ذلك ممكناً، إذا ما تم اتخاذ الخيارات الصحيحة وإجراء إصلاحات عميقة دون تأخير.