وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

غزة: مبادرة شباب تروج للمسرح المجتمعي عبر الفضاء الإلكتروني

مايك لاسلكي
مسرحية ” لوين رايحين؟”. المصدر: مايك لاسلكي

بقلم: رهام عودة

برزت مبادرة “مايك لا سلكي “في قطاع غزة، كمبادرة ثقافية و فنية و مجتمعية يقودها مجموعة من الشباب الطموح و الحالم، و الذي يهدف لإحداث تغيير سلمي في المجتمع الفلسطيني نحو تحقيق مزيد من حقوق الانسان و حقوق المرأة و الوحدة الوطنية عبر استخدام أدوات إبداعية ، تكمن بتقديم عروض مسرحية للجمهور الفلسطيني من أجل توعيتهم في مجال السلم الأهلي ، و التعبير عن هموم و أحلام الشباب الفلسطيني ، في ظل كل من الحصار الإسرائيلي و الحروب المتكررة على قطاع غزة و الانقسام الفلسطيني.

وعن نشأة المبادرة، يقول منسق هذه المبادرة، باسم الديراوي لموقع فَنَك، بأن فكرة المبادرة بدأت في شهر أكتوبر من العام 2019، بناءً على الرغبة الشديدة له و لزملائه بإحداث تغيير مجتمعي إيجابي، خاصة أن معظم الشباب الغزي مازال يعاني من آثار الانقسام الفلسطيني، و باتت أحلامهم تتحطم على صخرة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات.

وضمن إطار هذه المبادرة أعد أعضاء المبادرة عشرات المقاطع المسرحية التي تروج للسلم الأهلي وحقوق المرأة، والتي تم عرضها بالتعاون مع بعض المؤسسات المجتمعية في غزة من أجل توعية المجتمع الغزي في قضايا المرأة وحقوق الانسان.

و نفذت المبادرة عدد من الأعمال المسرحية الشبابية ، التي تناولت قضايا مجتمعية حساسة ، وذلك بكل جرأة و تحدي للأنماط المجتمعية السائدة و النظام السياسي الفلسطيني ، حيث من خلال المسرح ، يتم الحديث عن الحب و أحلام الزواج و نظرة المجتمع السلبية للنساء المطلقات و غير المتزوجات و أوضاع المسيحيين في غزة و قضية البطالة و هجرة الشباب الغزي من القطاع بحثا عن مستقبل أفضل ، و ذلك ضمن اطار الدراما المجتمعية و باستخدام لغة تعبير سلسلة ومباشرة يفهمها الشارع الفلسطيني ، مع أداء تمثيلي جيد يحاكي الواقع المجتمعي بقطاع غزة.

المسرح للتعبير عن هموم وأحلام الشباب الغزي

و يضيف باسم الديرواي لموقع فَنَك ، بأن مبادرة “مايك لاسلكي ” حصلت على دعم كبير من وزارة الثقافة الفلسطينية و تم تمويل بعض أنشطتها من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو” ، حيث دعمت تلك المنظمة عرض مسرحية شبابية بعنوان :” لوين رايحين؟” التي تلقي الضوء على هموم و أحلام الشباب الغزي، الذي يفكر معظمه بالهجرة من القطاع، بحثا عن حياة أفضل و عن فرص عمل في ظل ارتفاع نسبة البطالة في غزة، و في ظل انعدام أي أفق لمستقبل أفضل بسبب الصراع السياسي الداخلي بين حركتي فتح وحماس.

وتُعد مسرحية ” لوين رايحين؟” من أهم المسرحيات الشبابية التي قامت المبادرة بتنفيذها و تم عرضها بشكل الكتروني ، فقد تناولت المسرحية قصة لمجموعة من الشباب الغزي الذي حاول الهجرة إلي أوربا باحثا عن مستقبل مشرق، و يسلك هؤلاء الشباب طريق وعرة عبر إحدى الغابات البعيدة المتواجدة على حدود احدى الدول الأوروبية ، على أمل أن يصلوا في النهاية إلي تلك الدولة الأوروبية، لعلهم يحصلون على لجوء فيها ، وضمن مسيرتهم إلي أوروبا يواجه هؤلاء الشباب مصاعب السفر و تحديات الطريق النائية وذلك بالاعتماد على أدوات بسيطة مثل الهاتف المحمول و الخارطة الورقية.

وبلهجة فلسطينية واضحة لا تخلو من لكنة غزاوية، نجح ممثلون وممثلات مسرحية “لوين رايحين؟” بالتعبير وبكل جرأة عن مشاكل الشباب والشابات الغزيات، وذلك بأسلوب عفوي لا يخلو من التحدي للأنماط المجتمعية السائدة في المجتمع الفلسطيني، حيث تناول أعضاء المسرحية بلغة عربية بسيطة قضية هجرة الشباب الغزي الذي يحاول الهرب من قطاع غزة من أجل البحث عن الحب والزواج والعمل الكريم والحرية الفردية التي يتمتع بها عادة معظم أفراد المجتمعات الغربية، دون معانتهم من قيود الحصار والنقد المجتمعي.

وعبر استخدام أدوات انتاج مسرحية بسيطة، نجح أعضاء المبادرة بتصميم ديكورات لمكان مسرحية “لوين رايحين؟” ، حيث قاموا بتصميم ديكورات تحاكي قطعة أرض من أراضي الغابات التي تقع على حدود أوروبا، لكي يعطوا للجمهور انطباعا، وإحساسا حقيقيا بأنهم يشاهدون بالفعل أرض لغابة حقيقية، وذلك بفرش خشبة المسرح بالرمل ووضع عليها أخشاب لأشجار طبيعية ، بالإضافة لإشعال نيران حقيقية تم استخدامها للتدفئة ضمن احدى مشاهد تلك المسرحية.

وقد نجح فريق التمثيل بالتعبير عن بعض فئات الشعب الفلسطيني الذي يفكر بالهجرة ، فقد تم تمثيل دور الشاب الغزي الذي يعمل كموظف حكومي و لكن راتبه الشهري لا يكفي تغطية نفقات الحياة أو حتى مصاريف الزواج ، مما جعله عازف عن الزواج بالرغم من انتقادات المحيطيين به بسبب تأخره في الزواج ، لذا فقد وجد هذا الموظف الهجرة كحل وحيد له من أجل الحصول على عمل ذو راتب كبير يمكنه من تحمل نفقات الزواج و تأسيس عائلة صغيرة له في بلاد الغربة.

وقد روت المسرحية أيضاً، قصة الفتاة المسيحية التي هاجرت مع أخيها بسبب قلة فرص الزواج للفتيات المسيحيات بغزة، حيث معظم الشباب المسيحيون رحلوا من قطاع غزة، وتزوجوا بأجنبيات، لذا فهي ترى أنه من حقها أيضا أن تبحث عن فرصة زواج بالخارج حتى تجد من يساندها بالحياة، ويتثنى لها أن تصبح أم وتمارس أمومتها مثل أي امرأة في العالم.

وتناولت أيضا المسرحية قصة الشاب والشابة العاشقين اللذين تزوجا بعضهما عن قصة حب، رغم أنف عائلتهما اللتين لم تباركا هذا الزواج غير التقليدي وأصرا على تفريقهما، لذا قرر هذان الزوجان الهرب سويا من أجل العيش بأمان بعيدا عن انتقادات الأهل والأقارب.

وأخيرا عبرت إحدى بطلات المسرحية عن معاناة السيدة المطلقة التي كانت تعاني من العنف المنزلي أثناء فترة زواجها، وبعد طلاقها أصبحت تعاني أكثر من نظرة المجتمع، والأهل السلبية للمرأة المطلقة.

وعبر تلك المسرحية، حمل أبطال المسرحية بشكل مباشر أسباب هجرتهم و هروبهم من القطاع للانقسام الفلسطيني، و للقادة الفلسطينيين المتنازعين فيما بينهم على أجزاء من الوطن، وذلك في مشهد تمثيلي يُظهر الممثلين بأنهم يتنازعون فيما بينهم على خارطة الغابة، و التي تنشق في النهاية إلي نصفين، كاستعارة مكنية عن تمزيق خارطة فلسطين.

العرض الالكتروني للتأقلم مع أزمة كورونا

وفي ظل تفشي وباء كورونا داخل الأراضي الفلسطينية، مع ازدياد عدد حالات مرض كوفيد-19 في قطاع غزة بشكل كبير، و اضطرار السلطات المحلية في غزة لإعلان حالة الطوارئ بالقطاع، و فرض قيود على الحركة و التجمعات البشرية، و ذلك للحد من انتشار المرض، واجه فريق عمل المبادرة تحدياً كبيراً في كيفية عرض عملهم المسرحي بشكل مباشر أمام الجمهور، مما اضطرهم ذلك للبحث عن حلول الكترونية للتغلب على مشكلة عرض المسرحية بشكل وجاهي خلال أزمة كورنا.

لذا قرر الفريق توظيف أدوت التكنولوجيا و الإعلام المجتمعي لمشاركة أعمالهم المسرحية مع الجمهور، و قاموا على سبيل المثال، بمشاركة روابط الكترونية لمسرحيتهم الشبابية ” لوين رايحين؟ ” عبر صفحتهم المخصصة بموقع الفيس بوك، و عبر موقع يوتوب ، لتكون بمثابة أول مسرحية الكترونية ، من إعدادهم يتم مشاهدتها عبر فضاء الانترنت.

و لم يكتف الفريق بمشاركة المسرحية عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، بل قاموا أيضا بتنظيم لقاءات الكترونية مع الشباب و طلبة الجامعات و المثقفين ، و ذلك عبر برنامج الزووم من أجل عرض المسرحية الكترونيا ، و من ثم مناقشة القضية الرئيسية التي تناولتها المسرحية بشكل مسهب مع الجمهور.

وقد أتاحت العروض الالكترونية للمسرحية عبر برنامج الزووم ، لفريق العمل الفرص لدعوة جمهور الكتروني ليس فقط من قطاع غزة ، بل من الضفة الغربية و فلسطيني الشتات و أيضا من بعض الدول العربية مثل تونس ، الأمر الذي أدى إلي كسر الحصار الثقافي المفروض على فريق المبادرة بسبب إغلاق المعابر و جعل ذلك أعضاء المبادرة يحلقون في السماء الالكترونية بكل حرية.

المرأة الممثلة والتحدي المجتمعي

و تبرز المبادرة بشكل كبير مشاركة النساء في العمل المسرحي، حيث يضم فريق المبادرة خمس شابات يقمن بدور التنسيق و المتابعة و المساعدة في الإنتاج الفني، بالإضافة الي أنه من ضمن الشخصيات الرئيسية لمسرحية “لوين رايحين؟” ، ثلاث نساء يمثلن دور البطولة المشتركة ، مما يدل على حرص أعضاء المبادرة على إبراز دور المرأة و الفتاة الفلسطينية في الأعمال الثقافية و المسرحية ، و الترويج لقضايا المرأة الفلسطينية عبر المسرح و العمل الثقافي في ظل مجتمع أبوي يضع عدة قيود مجتمعية على حرية المرأة و مشاركتها في الحياة العامة.

و تقول الممثلة ديانا زيارة لموقع فَنَك، وهي تمثل شخصية رئيسة في مسرحية “لو ين رايحين؟”، أنها تهوى التمثيل منذ الصغر ، و لكنها واجهت عدة تحديات لإقناع زوجها و أهله بقبول طبيعة عملها في مجال التمثيل ، حيث في البداية عارض زوجها عملها في مجال التمثيل و منعها عن التمثيل لمدة عشر سنوات مما سبب لها ذلك بحالة اكتئاب ، و اضطر بعدها زوجها بالسماح لها بالعودة للتمثيل مرة أخرى بناء على نصيحة الطبيب.

و تضيف ديانا لموقع فَنَك ، بأن التمثيل منحها فرصة أكثر لتحقيق أحلامها في عالم الفن ، وجعل لها هدف كبير في الحياة ، ألا وهو الترويج لقضايا حقوق المرأة عبر المسرح ، و على الرغم من الانتقادات المجتمعية التي واجهتها بسبب نشاطها الفني، الذي يتطلب أحياناً البقاء خارج البيت لساعات متأخرة بالليل ، إلا أنها تحدت تلك الظروف و نجحت بإثبات نفسها كممثلة محترفة ، و نجحت بتغيير نظرة أقاربها و جيرانها السلبية حول عمل المرأة في مجال التمثيل ، خاصة بعد أن مثلت دور رئيس في مسلسل ” عنقود” ، الذي تم عرضه خلال شهر رمضان السابق للعام 2020 ، حيث كانت تُمثل دور زوجة غزية عانت من الحرب الأخيرة على قطاع غزة ، مما جعل عدد كبير من المحيطين بها يتعاطفون مع هذا الدور الذي لعبته في هذا المسلسل و أصبحوا مقتنعين أن الفن له رسالة سامية تكمن بالتعبير عن معاناة الناس خلال الحروب و الأزمات.

و تطمح ديانا بأن تصبح ممثلة مشهورة على مستوى العالم، وهي الآن على وشك الانتهاء من تمثيل الحلقات النهائية لعمل درامي جديد سيتم عرضه في شهر رمضان القادم، حيث ستلعب به دور زوجة مقاوم فلسطيني.

أما الممثلة فائقة النجار، و التي مثلت دور فتاة مسيحية في مسرحية “لوين رايحين ؟” ، تقول لموقع فَنَك ، أنها و اجهت عدة تحديات كبيرة أثناء عملها في مجال التمثيل ، خاصة عندما كانت تصل الي البيت في ساعات الليل المتأخرة بسبب انشغالها بتصوير مشاهد تمثيلية ليلية ، حيث هناك قيود مجتمعية على حركة و تنقل النساء الغزيات بالليل ، مما سبب لها ذلك بعض المشاكل مع السلطات المحلية في قطاع غزة ، لكن بسبب دعم زوجها المتواصل لها و ثقته بها ، نجحت فائقة بتحدي نظرة المجتمع السلبية للمرأة الممثلة بعد ما كان بعض المحيطين بها يسخرون من عملها.

و على الرغم من بعض الصعوبات التي واجهتها فائقة في إثبات نفسها كممثلة محترفة تعيش في مجتمع تقليدي ، استمرت فائقة بعملها الفني ، و لكنها في نفس الوقت التزمت بالعادات و التقاليد المحافظة السائدة في قطاع غزة ، و التي جعلتها أكثر حرصا على انتقاء أدوارها التمثيلية ، حيث تتجنب فائقة أن تلعب أي دور تمثيلي عاطفي بينها وبين أي شاب ممثل قد يشمل على سبيل المثال، التعبير عن مشاعر الحب و الغرام بين الرجل و المرأة ، وذلك حتى تتجنب الاحراج و النقد المجتمعي ، و لأنها عبر تجربتها في عالم التمثيل ، وجدت أنه يوجد أحيانا بعض من أفراد المجتمع و المحيطين بها اللذين يخلطون بين الواقع و التمثيل و يُحملونها وزر المشاهد التمثيلية التي تمثلها سواء في الأفلام أو على خشبة المسرح.