وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعي السعودي نحو سيطرةٍ إعلامية

Saudi Arabia- Saudi Broadcasting Corporation
موظف يعمل مع متدربين في استديو القناة الجديدة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السعودية في الرياض، 24 ابريل 2018. تهدف القناة الى جذب جيل الشباب. Photo AFP

بدأ السعي السعودي نحو سيطرةٍ إعلامية، بشكلٍ جاد، في أعقاب الغزو العراقي للكويت عام 1991. آنذاك، كانت تحاول المملكة منع مواطنيها من معرفة مجريات الحرب، بالرغم من عدم تمكنها منع الناس من مشاهدة قناة سي إن إن.

وفي نفس العام، تم إنشاء مركز تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي)، المملوك للقطاع الخاص. ولطالما اتبعت الشبكة خطوط الحكومة السعودية، تماماً كما هو حال الصحيفتين العربيتين المملوكتين لسعوديين، الشرق الأوسط والحياة.

ومع ذلك، في عام 1996، تفوق ظهور شبكة الجزيرة الممولة من قطر، والتي أغضبت الأنظمة العربية لفضحها فسادهم ووحشيتهم، على المحاولات السعودية بالنفوذ الإعلامي. ولكن بدلاً من تبني إصلاحاتٍ ليبرالية أو الحدّ من القمع، فرضت الحكومة السعودية المزيد من القيود على حرية التعبير.

وخلال الربيع العربي، الذي هدد بإسقاط العائلة الحاكمة كما كان الحال في تونس ومصر وليبيا، أجرى آل سعود تعديلاتٍ على قوانين الإعلام في البلاد، فأي صحيفة تنتقد رجال الدين المدعومين من الدولة أو تُشير إلى التمييز ضد السعوديين الشيعة مصيرها الغرامة أو الإغلاق. وفي ذلك الوقت، تظاهر الشيعة في محافظة القطيف الشرقية ضد آل سعود مطالبين بالديمقراطية والإصلاحات.

كما حاول ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (والذي غالباً ما يُشار إليه باسم مبس)، والذي صعد إلى السلطة في يونيو 2017، إغلاق قناة الجزيرة بفرض حصارٍ على قطر.

فقد قال ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي الإلكتروني، إن أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت السعودية تحاصر قطر هو أنها لم تتمكن من شراء قناة الجزيرة أو الضغط على أمير قطر للحد من انتقاداته للأنظمة العربية.

وقال هيرست للجزيرة، “تظن المملكة العربية السعودية أن بإمكانها شراء الإعلام. هذه هي طريقة التفكير العربية التقليدية فيما يتعلق بوسائل الإعلام. فهم لا يعتقدون أن العالم العربي- وسبق أن صرحوا بذلك- مستعدون لحرية التعبير، وبالتالي يريدون السيطرة عليها.” ويعتبر موقع ميديل إيست آي من بين وسائل الإعلام التي ترغب السعودية وحلفاؤها بإغلاقها.

تمثلت خطوة محمد بن سلمان التالية بالإستيلاء على أصول أباطرة الإعلام السعوديين، بالرغم من أنهم لم يجرؤوا أبداً على انتقاد الأسرة الحاكمة.

بدأت حملة القمع، التي تم تقديمها كتحقيقٍ ضد الفساد، في نوفمبر 2017، عندما أمر محمد بن سلمان بإلقاء القبض على العشرات من أفراد العائلة المالكة، وكبار المسؤولين ورجال الأعمال الأثرياء. وفي النهاية، تفاوض العديد من المعتقلين على إطلاق سراحهم بالتخلي عن ممتلكاتهم. وكان أبرز المعتقلين وليد الإبراهيم، رئيس مجلس إدارة إم بي سي، التي لا تزال واحدةً من أكثر الشبكات الخاصة تأثيراً في العالم العربي.

وقال مصدر في إم بي سي لرويترز إن الحكومة حاولت شراء الشبكة الإعلامية قبل عامين، إلا أن الإبراهيم كان يعتقد أن السعر المقترح منخفضٌ للغاية. وقال المصدر ذاته إن الحكومة وضعت يدها على الشبكة اليوم مجاناً.

كما اضطر الملياردير السعودي، الأمير الوليد بن طلال إلى تسليم أصوله، بما في ذلك شبكة روتانا. كما تخلى صالح كامل، الذي يمتلك شبكة راديو وتلفزيون العرب (أي أر تي) الأقل نفوذاً، عن أسهمه في تلك الشركة.

وقالت كريستين ديوان، وهي باحثة مقيمة أولى في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، لصحيفة فاينانشيال تايمز، “إن احتمالية وضع عمالقة الإعلام السعودي والعرب تحت مظلة حكومة موحدة أمرٌ مقلق. يُثير هذا المخاوف من أن تنوع الرأي والتغطية ستتعرضان للمزيد من التقليص. من الواضح أن محمد بن سلمان عازمٌ على التحكم في الرسالة بينما يجري عملية إعادة هيكلة جذرية للدولة والاقتصاد السعوديين.”

وقال هيو مايلز، مؤلف كتاب “الجزيرة: كيف تحدت قناة عربية العالم،” إن سعي المملكة العربية السعودية للسيطرة على وسائل الإعلام ما هي إلا وسيلة لممارسة قوتها الناعمة في المنطقة. وشدد على أن معظم القنوات المملوكة للسعوديين لا تحقق أرباحاً، مشيراً إلى الدوافع السياسية وراء مصلحة الحكومة في شراء أو الاستيلاء على وسائل الإعلام ذات النفوذ.

وقال مايلز لمركز الدراسات الأمنية، الذي نشر تقريراً عام 2018 حول هيمنة المملكة العربية السعودية على الإعلام، “إن القناة الإعلامية طريقة اقتصادية للغاية للتأثير على الناس، إذ تحصل على أعلى قيمة لقاء المال المدفوع، وأرخص بكثير من الأسلحة. يتعلق الأمر بالتحكم بالخطاب، وبالنسبة للسعوديين يتعلق الأمر بتولي المسؤولية.”

كما ذكر التقرير أن هيمنة المملكة العربية السعودية على وسائل الإعلام تؤثر سلباً على الأخلاقيات الصحفية، حيث تفتقر إلى التغطية المتوازنة والدقة والتقارير الاستقصائية. وبدلاً من ذلك، يميلون إلى شيطنة أعداء المملكة العربية السعودية، مثل إيران وحلفائها، في حين أن النقد الموجه إلى المملكة صامت.

الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو أن السعودية غالباً ما حاولت رشوة أو استمالة صحفيين أجانب لرسم صورةٍ إيجابية للأسرة الحاكمة. ففي برقيةٍ غير مؤرخة من ويكيليكس، اقترحت السفارة السعودية في برلين توظيف صحفيين ألمان لكتابة مقالاتٍ دعائية تؤيد المملكة. وكان يتم دفع مبلغ 7500 يورو للصحفيين لكتابة المقالات وترجمة الكتب من العربية إلى الألمانية، بهدف توزيعها في المناسبات الثقافية.

والأسوأ من ذلك هو أن الصحفيين الذين يرفضون الإلتزام بواجبات العلاقات العامة هذه للمملكة العربية السعودية غالباً ما يتم تشويه سمعتهم أو تهديدهم. كما كشف تسريبٌ آخر غير مؤرخ من ويكيليكس أن مراسل صحيفة فاينانشال تايمز اضطر إلى مغادرة الرياض لنشره ما اعتبرته الدولة السعودية أكاذيب. ووفقاً للتسريبات، نظر آل سعود في اتخاذ إجراءاتٍ قانونية ضد الصحيفة والصحفي بسبب انتقاده للحكومة ونخب المسؤولين.

وفي مقالٍ نُشر على الموقع الإلكتروني العربي الجديد، كتب جايمس دورسي، وهو خبيرٌ في شؤون الشرق الأوسط، أن الفضاء الإعلامي الوحيد الذي لم يشتريه أو يُسيطر عليه محمد بن سلمان هو وسائل التواصل الاجتماعي. فبعد أن أعلن ولي العهد عن رؤيته 2030، التي يتعهد بها بالحد من اعتماد المملكة على النفط، كثر النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي حول ما إذا كانت الرؤية قابلة للتطبيق.

واليوم، خفت حدة هذه النقاشات، ذلك أن أي شخصٍ يجرؤ على انتقاد سياسات محمد بن سلمان يعرض نفسه لخطر الإعتقال، تماماً كما ظهر هذا جلياً بإلقاء القبض على العديد من الشخصيات العامة- بمن فيهم نشطاء، وصحفيين، ورجال دين- في حملةٍ سابقة في سبتمبر 2017. وأضاف دورسي إن الحملة على المعارضة إلى جانب قبضة محمد بن سلمان على الإعلام، صعدّت من الحرب الإعلامية مع قطر بشكلٍ لا يمت بصلة للصحافة.