وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الطب التقليدي يعود إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الطب التقليدي لا يتعارض مع العلاج الحديث، بل إنه يهدف إلى دعمه.

الطب التقليدي
بائع أعشاب طبية عراقي يمزج الأعشاب في «متجر العطار» في سوق الشرجة القديم بوسط بغداد في 14 ديسمبر 2008. علي يوسف / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

فزع سامر الخوري عندما سمع دويّ بندقية في الساعة الثالثة من فجر يوم بارد في شهر ديسمبر. ووجد الخوري، الذي يعيش في قرية صغيرة على قمم جبال لبنان الشمالية، أمام بيته كلبًا مصابًا بجروح خطيرة في بطنه ورجله جرّاء تعرّضه لطلقات نارية.

فقرر الناشط البيئي الشاب ومحب الحيوانات استخدام خلطة أعشاب من عشبة الطيون المحلّية بدلًا من المرهم الموضعي الذي أوصى به الطبيب البيطري، والذي كان سيكلّفه 25 دولارًا.

وقال الخوري لفنك: “ثمّة خصائص معقّمة متوفرة في المرهم نجدها في هذه العشبة، وهي لزجة بما يكفي لاستخدامها كمطهر فعّال، حتى إن الطبيب البيطري اندهش من النتائج لأنه لم يكن يتوقع أن يُشفى الكلب بهذه السرعة”.

ينتمي الخوري إلى جيل جديد من المعالجين بالأعشاب في البلاد، إذ أعاد إحياء الممارسات الطبية القديمة. والعلاج بالأعشاب أسلوب تقليدي من الممارسات العلاجية في الشرق الأوسط، وهي تشمل الممارسات الروحية، والنظم الغذائية، والممارسات الذهنية والجسدية، والأساليب الجسمانية، والتي قد تُستخدم كلها معًا أو بشكل فردي.

وقد صمدت الممارسات الطبية العربية القديمة عبر الزمن. وهي مزيج من النظريات اليونانية الرومانية والصينية والفارسية وتعاليم الأيورفيدا الهندية. ويرى الخبراء أن التكاليف الطبية الباهظة، ونقص الدواء، والاضطرابات السياسية أعادت اهتمام الناس بتقنيات علاج الأجداد.

وأضاف الخوري: “يمكن علاج العديد من الأمراض بالأعشاب. وأجسادنا ستستفيد كثيرًا من اتصالها بالطبيعة”.

العودة إلى الأصول

كانت للأساليب الطبية اليونانية والصينية والهندية الأثر الكبير على الأطباء العرب الذين اكتسبوا معارفهم عبر تجارتهم وأسفارهم على طول طرق الحرير من القرن الثاني قبل الميلاد حتى منتصف القرن الخامس عشر. وكان المحترفون والهواة يحضرون محاضرات سريرية عن العلوم الأساسية مثل الكيمياء وعلم العقاقير النباتية والتشريح وعلم وظائف الأعضاء، ثم يستخدمون معارفهم الجديدة في علاج الجنود المصابين.

جُمعت المعرفة الطبية من مناطق مختلفة عن طريق الترجمة والمواد التي أُحضرت من طرق الحرير. ومن ثمّ، تمكّن العلماء الذين لم يزوروا الصين أو شبه القارة الهندية قط من الوصول إلى معارف شتى.

وعندما أصبحت بغداد مركز العالم الطبي في منتصف القرن التاسع الميلادي، حيث أُنشئت الصيدليات لأول مرة، بدأ علم الصيدلة ينمو وينتشر في بقية العالم العربي وأجزاء من أوروبا. ثم استقل الطب البشري والعلوم البيطرية وتوسعت خلال الحقبة ما بعد الكلاسيكية بين عامي 500 و1450 ميلاديًا.

ثم أدى القرآن والأحاديث النبوية التي شاعت في القرن السابع الميلادي إلى انتشار هذه الممارسة. فوفقًا للنبي محمد، يتحمل المسلمون مسؤولية رعاية سلامتهم الجسدية والروحية.

كما شكّلت المخطوطات المترجمة للطبيبين اليونانيين ديسقوريدوس وجالينوس الأساس لمزيد من فهم الطب في القرن التاسع الميلادي.

وخلال تلك الفترة، تعلّم العلماء العرب طبّ الأعشاب واستكشفوا التخدير، وطوّروا تقنيات مثل التقطير والبلورة والإذابة والتكليس. وأُدخلت فئة جديدة من الأدوية التي تحتوي على الكافور والسنا والمسك والشبّ وخشب الصندل والعنبر والزئبق والصبار والبيش.

وبرزت أسماء في تلك الحقبة كالرازي (850-923) الذي ألّف أكثر من 200 كتاب في الطب والفلسفة، واشتهر بأسلوبه في التجربة والملاحظة.

وقد أيد الرازي نهج الطب الشمولي الذي يضع في الاعتبار خلفية المريض وعلاقته بالطبيب.

ومن العلماء البارزين أيضًا ابن سينا (980-1047) الملقب بأبي الطب الحديث، والبيروني الموسوعيّ (973-1050)، وعالم النبات والصيدلي ابن البيطار (1197-1248).

التعلم من الأسلاف

امتد أثر الطب العربي إلى العلوم الطبية الحديثة. فتدريب الأطباء والتعقيم والاحتفاظ بالسجلات الطبية والصيدليات كلها كانت أمورًا تتميز بها المستشفيات العربية القديمة. كما كانت تُستخدم لتعليم الطب على غرار المستشفيات الحديثة.

الأدوية الأكثر رواجًا في المغرب اليوم، وفقًا لوكيلي حميد ممارس الطب العربي المغربي، تعالج اضطرابات الجلد والمعدة.

وقال حميد، الذي يمارس الطب التقليدي منذ طفولته، لفنك: “يمكن أن تأوي المعدة العديد من الأمراض المؤلمة”.

ولأن حميد اختار علاج الفقراء مجانًا، فممارساته العلاجية هواية أكثر منها مهنة. لكن الفضول والسعي إلى اكتساب معارف جديدة هما أصعب تحديين في هذا المجال على حد قوله.

وأضاف حميد: “هناك زيادة واضحة في الطلب على هذه العلاجات القديمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن لا يُعتبرُ كل شخص مؤهلًا لاحتراف هذا المجال”.

فقد أوضح أنه “في كثير من الأحيان، ينقل المعلومات الممارسون الأكبر سنًا الذين يشرفون على المستجدين، أو من وثّقوا ملاحظاتهم في كتب غير متوفرة في المكتبات. سجّل أسلافي تجاربهم وأخطاءهم في دفاترهم التي وجدتها عندما كنت طفلًا”.

ويدّعي حميد أن أورام الجلد الخبيثة من بين الأمراض الصعبة التي تمكّن من علاجها في مجال تخصصه.

وفي مدينة إدلب شمال غرب سوريا، قال فادي الخطيب وشريكه العراقي باسم (اسمان مستعاران) لفَنَك إن الناس في منطقتهما أصابهم اليأس من الطب الحديث.

وقال الخطيب: “هدفنا أن يشعر المرضى بشيء من الاستقرار. فزيارات المستشفيات المتكررة والاعتماد على الأدوية دفعت الناس إلى البحث عن شيء يحقق نتائج أفضل أو يُشعرهم بالراحة على الأقل. وهنا يأتي دورنا”.

السعي إلى الاستقرار في زمن مضطرب

تدرّب الخطيب على يد طبيب صيني كان يعيش في سوريا. وما كان في البداية مقدمة في العلاج بالأعشاب، تطوّر إلى مجموعة واسعة من العلاجات المختلفة تحتوي على الحجامة والتدليك الشرق آسيوي والعلاج العطري.

قال الخطيب: “يقول المثل الشائع إن العشب إذا لم يعالجك، فإنه لن يؤذيك. ولهذا دخلت هذا المجال، كي لا أخاطر بإيذاء الناس، فقد أردت أن أفعل الخير”.

تسببت الأزمات وتدهور الأوضاع الاقتصادية على مدى العقد الماضي في كارثة إنسانية خطيرة في إدلب. إذ يعتمد الناس على تبرعات السلال الغذائية أو يُضطرون إلى التسول في الشوارع.

وقد أضرّ الصراع بعمل الخطيب لأن العديد من مقرّاته السابقة دُمرت ووجد صعوبة في توفير مستلزمات عمله.

لكن لحسن الحظ، تمكن من إعادة تأسيس عمله مع هدوء الاضطرابات في السنوات الأخيرة. لكنه ما يزال حذرًا من وقوع أي مستجدات.

ورغم أنه يدّعي أن الطب التقليدي يتبع نهجًا شموليًا، فإنه يركّز شخصيًا على طب العظام.

وقال: “نحن لا ننكر أهمية الطب الحديث، ولكننا نقدّم حلًا عندما يعجز الطب الحديث عن إيجاد الحل”.

ويؤكد شريكه الخبير في الحجامة، باسم، على أهمية هذه الممارسة القديمة التي أقرها الرسول حين قال عن جابر بن عبد الله: “إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم”، صحيح مسلم حديث رقم: 2205].

ما الحجامة؟

يُسحب الدم من الجسم في الحجامة للسماح بتدفق الدم ليتجدد ويكون أنقى. وتُستخدم الحجامة في الإسلام لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض. وهي ممارسة تعود إلى آلاف السنين، إذ كان يمارسها الصينيون والبابليون والمصريون القدماء.

يحرق الحجّام قطعة صغيرة من الورق أو القطن بداخل المحجم لخلخلة الهواء الذي بداخله لتطبق الفوهة على الجلد. ثم يُترك المحجم على الجلد لمدة ثلاث إلى عشر دقائق ثم يُرفع ويُشرط الموضع بآلة حادة شروطًا صغيرة ليخرج منها الدم، ويعاد وضعه مرة أخرى عند الحاجة.

تشمل الممارسات التقليدية الأخرى متاجر العطارين التي ما تزال موجودة في بعض بلدان الشرق الأوسط، لكنها معرّضة لخطر الزوال. ويبيع العطارون العطور والأدوية والمراهم التي تعالج الأمراض باستخدام النباتات وأعضاء الحيوانات.

وتُباع في تلك المتاجر خلطات تحتوي على أشواك القنفذ، وفرس البحر، وقشر بيض النعام مقابل ثلاثة دولارات فقط. وقال العطار اللبناني عصام البرجاوي لصحيفة ذا ناشيونال: “المنتجات الأكثر طلبًا هي المنشطات الجنسية”.

العقل والجسم والروح

تُوجد في لبنان أماكن يُدرّس فيها الطب البديل الذي يدمج بين تقاليد شرق آسيا والشرق الأوسط.

حسان جعفر كاتب وطبيب نساء وممارس الطب البديل. أسس المركز اللبناني للطب البديل عام 2000. وقد ازداد عدد المرضى منذ ذلك الحين، على حد قوله لفنك.

وأضاف: “يذهب المرضى إلى أطبائهم تحت ضغط التكلفة الباهظة والقلق من سماع تشخيص سيئ. وهذا يؤدي إلى تدهور صحتهم الجسدية والنفسية”.

يزعم الطبيب أنه لاحظ بمرور الوقت زيادة في الشابات اللاتي يعانين الصداع النصفي، والضعف الجنسي، واضطرابات الغدد والدورة الشهرية. وأضاف أن الزيادة المقلقة في الاضطرابات النفسية أصبحت أكثر شيوعًا خلال السنوات الأخيرة من الأزمة.

فقد انحدر أكثر من 80% من سكان لبنان إلى مستوى الفقر بعد الانهيار المالي عام 2019، وما تزال قيمة الليرة تتراجع أمام الدولار الأمريكي.

وقال جعفر: “نستخدم التنويم المغناطيسي مع من يعانون أمراضًا نفسية وعقلية، إذ نحرر العقل الباطن من المشكلة الأساسية”.

ويدّعي جعفر أن هذا التقليد يشبه الرقية الشرعية في الإسلام، إذ تُتلى آيات من القرآن لتهدئة الاضطرابات العقلية.

وأضاف: “إنهم يعالجون العقل الباطن. والعقل الديني يحتاج إلى الإيمان بالنصوص المقدسة. أما العقل العلماني، فيحتاج إلى نهج علمي”.

ووفقاً للخطيب، فإن الرقية التي يستخدمها للمرضى الذين يعانون مشكلات نفسية لها تأثير مهدئ على المريض فقط.

يتفق كلاهما على أن الطب التقليدي يتسم بالمرونة في علاج الأمراض، إذ تُعدّل العلاجات والتركيبات بانتظام لتلبية المتطلبات المعاصرة دون تفضيل المكاسب المادية.

كما اتفقا على أن المستلزمات متاحة وبأسعار معقولة. وأضافا أن الأهم من ذلك أن الطب التقليدي لا يتعارض مع العلاج الحديث، بل إنه يهدف إلى دعمه.