وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أزمة الاقتصاد الجزائري من منظور آخر

Algeria economy gas shale protests ain saleh
سكان عين صالح يتظاهرون ضد استخراج الغاز في المنطقة, عين صالح, الجزائر, 8 مارس 2015 Photo Corbis

في منطقة تعاني تنامي عدم الاستقرار السياسي، غالباً ما يُنظر إلى الجزائر باعتبارها واحة الهدوء النسبي. ومع ذلك، هناك مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية، بما في ذلك التهديدات الأمنية وانخفاض أسعار النفط وارتفاع الطلب المحلي على المحروقات، مما يجبر الحكومة الجزائرية على إعادة النظر في سياستها الاقتصادية.

وبما أن الجزائر منتج رئيسي للنفط والغاز الطبيعي في افريقيا، تعتبر دولة بترولية بامتياز. ومنذ عام 2014، شكلّت عائدات النفط والغاز 30% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من الصادرات، و60% من إيرادات الميزانية. هذا الاعتماد على الإيرادات الفردية يجعل البلاد عرضة لخطر الصدمات في سوق النفط. في الواقع، أدى انهيار أسعار النفط العالمي عام 1986 إلى جانب الخيارات السياسية الرديئة فيما يتعلق بقطاعي النفط والغاز في البلاد، إلى أزمة اقتصادية وطنية فضلاً عن إندلاع النسخة الجزائرية من الربيع العربي في أكتوبر 1988. وبعد مضي ثلاثة عقود تقريباً، لا يزال واضعي السياسات الجزائرية مترددين في تنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط والغاز، والحد من الإنفاق العام وبخاصة فيما يتعلق بالإعانات، وحماية البلاد من الصدمات المستقبلية.

ويعود هذا الإحجام إلى حدٍ كبير إلى أن الاستقرار السياسي الجزائري، وبالتالي اقتصاد البلاد، يعتمد بشكلٍ كبير على الدعم. وعلى الرغم من صعوبة العثور على أرقام رسمية، إلا أنّ المختصون يقدرون أنّ الحكومة تنفق ما معدله 30% من الناتج المحلي الإجمالي على الدعم. لذا فإنه من غير المستغرب أنّ مؤشر أسعار المستهلك لعام 2015 صنّف الجزائر في المرتبة الخامسة ضمن قائمة أرخص مدن العالم لمستوى تكاليف الحياة. كما أن السعر المحلي للغاز أقل بعشر مرات من سعر التصدير، مما يجعل سعر الوقود في الجزائر أحد أرخص الأسعار في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وعلاوة على ذلك، يستفيد سكان الجزائر، بغض النظر عن جنسيتهم أو دخلهم، من معظم أشكال الدعم بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والسلع الاستهلاكية والطاقة.

وفي أبريل 2015، نشر صندوق النقد الدولي (IMF) تقريراً مفصلاً عن توقعاته للاقتصاد العالمي، حيث توقع التقرير أن يتراجع النمو في الجزائر من 4,1% عام 2014 إلى 2,6% عام 2015، في حين أن البطالة سترتفع مما نسبته 10,6% عام 2014 إلى 11,8% عام 2015. وتنستند هذه التوقعات على نقاط الضعف المالية والخارجية في البلاد، والتي يذكر التقرير أنها تفاقمت بسبب الركود في أسعار النفط.

ولسوء حظ الجزائر، أجبر عدم الاستقرار الإقليمي والمخاوف الأمنية المتزايدة البلاد على إنفاق المزيد من الأموال على برامج الأمن الوطنية. هذا الإنفاق المتزايد بسبب عدم الاستقرار، مع التدفق المحتمل للاجئين، والهجرة غير الشرعية، والاتجار بالأسلحة يشكّل أيضاً تهديداً كبيراً. فقد كلف تأمين الحدود التي يبلغ طولها 4,000 كيلومتر الحكومة الجزائرية جزءاً كبيراً من ميزانية عام 2015 والبالغة 20 مليار دولار المخصصة لوزارتي الدفاع والداخلية.

وعلاوة على ذلك، فقد خسرت شركة النفط الجزائرية المملوكة للدولة سوناطراك، مئات الملايين من الدولارات على الاستثمارات التي كانت قائمة في بلدان مثل ليبيا وموريتانيا والنيجر ومالي وتونس حيث تم تجميد المشاريع لأسباب أمنية. كما أنّ الدعم المالي أو العسكري لعدد من هذه البلدان ضاعف من الضغوطات على ميزانية الجزائر.

ومحلياً، شهد الطلب المتزايد على الطاقة قيام الحكومة بتحديث سياسة النفط والغاز عام 2012، مما مهد الطريق أمام عمليات استخراج الغاز الصخري عام 2013. استقبلت هذه الخطوة بموجة عارمة من الاحتجاجات التي اندلعت بعد أيامٍ فقط من إعلان إحدى المحطات المحلية نجاح عمليات الحفر التجريبية في بلدة عين صالح جنوب البلاد. هذا وتمتلك الجزائر ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الصخري في العالم، ومع ذلك، عارض سكان عين صالح الحفر بسبب المخاوف من الأضرار البيئية وبخاصة تلوث مصادر المياه الجوفية. وسرعان ما أصبحت الاحتجاجات في الجنوب حركة وطنية، مدعومة من قِبل ائتلاف زعماء المعارضة الرئيسيين الذين يسعون إلى زعزعة النظام الحاكم. وتحت مظلة لجنة التنسيق الوطني للحريات والتحول الديمقراطي، دعا الائتلاف إلى إجراء تغيير سياسي وإنهاء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي أعيد انتخابه في ابريل لفترته الرابعة على التوالي.

وفي محاولة أخرى لدعم مواردها المالية، شارك العديد من الساسة وكبار رجال الأعمال الجزائريين في العديد من المناسبات التي تُعنى بالاستثمار داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن توقيع صفقات استثمارية بمليارات الدولارات. وفي الأشهر القليلة الماضية، التقى الرئيس بوتفليقة مع مختلف كبار القادة ورؤساء الدول لمناقشة فرص التعاون الثنائي المشترك وبخاصة في المجال الاقتصادي. وفي تعديل وزاري مفاجيء في 14 مايو، قام بوتفليقة أيضاً باستبدال وزيري الداخلية والطاقة، وعلى ما يبدو يعود السبب في ذلك إلى القصور في إدارة القضايا المذكورة آنفاً.

وعلى الرغم من التحديات، فضلت وزارة المالية سياسة الإنفاق الرشيد عوضاً عن التقشف عندما تعلق الأمر بخفض الإنفاق، ومع ذلك، عنى قانون المالية التكميلي أن مسؤولي السياسة عرضة للنقاش. والآن،
بات على جميع الوزارت الجزائرية إبلاغ وزارة المالية بنفقاتها وتبريرها. كما تم استرجاع التمويل من عدد من المشاريع الوزارية الصغيرة وغير الاستراتيجية، كما أن فرض قانون جديد للحد من الواردات بسط قائمة السلع المسموح استيرادها في حين تم ترشيد استيراد سلع أخرى. بالإضافة إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء عن حملة للتصدي للفساد والاحتيال وبالتحديد في معاملات الاستيراد والتحويلات المالية، والتي تكلف البلاد مبالغ هائلة من الأموال سنوياً.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles