وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مقاطعة المنتجات الفرنسية: مَن يُعاقِب مَن

مقاطعة المنتجات الفرنسية
صورة تظهر رفاً خاوياً من العطور ومواد التجميل الفرنسية يوم ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٠ في مدينة الكويت، وذلك في إطار مقاطعة البضائع الفرنسية التي تم إطلاقها احتجاجاً على نشر وسائل الإعلام الفرنسية للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد (ص). المصدر: YASSER AL-ZAYYAT/ AFP.

بقلم: عادل مجاهد

(باحث مختص في التخطيط الاقتصادي والتعاون الدولي)

لمجرد تصريح، للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انتزع من سياقه، اشتعلت منطقة الشرق الأوسط، مؤخراً، بعاصفة لم تهدأ من الدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية. وفي حين كان ماكرون يدافع عما تشكل قيمةً عليا لعصب الديمقراطية في بلاده، وهي حرية الرأي والتعبير، استغلت قوى إقليمية وجماعات الإسلام السياسي تلك التصريحات لتصب الزيت على النار.

فتركيا في مسعاها لاستعادة ما تدّعي بأنها امبراطوريتها المفقودة، تواجه حملات عربية واسعة لمقاطعة منتجاتها بسبب تدخلاتها العسكرية في غير بلدٍ عربي، واحتضانها لبعض تيارات الإسلام السني الرديكالية، وتقديم الدعم اللوجستي لبعضها الآخر. و”الوريثة العثمانية” التي تتعرض، أيضاً، لانتقاداتٍ دوليةٍ وتململٍ، على وقع تحرشاتها في شرق المتوسط، وتدخلاتها في تغذية الصراع بين أذربيجان وأرمنيا مؤخراً، قد وجدت في تصريحات رئيس الإليزيه الفرصة لدحرجة كرة نار المقاطعة الشرق أوسطية باتجاه فرنسا.

ربما كان من سوء طالع الفرنسيين، أن جاءت تصريحات رئيسهم بشأن الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد (ص)، على خلفية جريمة مقتل المدرس الفرنسي، مترافقة مع اقتراب ذكرى المولد النبوي، وفي أجواء التحضير للاحتفالات السنوية عند المسلمين، حيث المزاج العام مشحون ازاء ما يعتري دين الغالبية من تحامل وخوف أو ما يسمى بـ “الإسلاموفوبيا”. ما حذا بالأجنحة السياسية للتيارات الرديكالية الإسلاموية أن تطلق دعوات موازية لمقاطعة المنتجات الفرنسية، مغتنمةً المزاج الشعبي السائد.

لكن فيضاً من الأسئلة يقفز إلى الذهن، على رأسها: هل ستنجح دعوات المقاطعة الشرق الأوسطية للمنتجات الفرنسية، في ظل الرصانة والحكمة التي تتعامل بها المؤسسات الدينية، والوعي الحكومي لمعظم دول المنطقة؟ فقد اكتفت كلا المؤسستين الدينيتين الرئيسيتين، مؤسسة الأزهر الشريف، ودار الإفتاء السعودية، بالإدانة لإصرار السلطات الفرنسية على التشبث بنشر الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص)، دون أن تشجع على مقاطعة المنتجات الفرنسية. كما دعت معظم حكومات المنطقة إلى وقف دعوات المقاطعة، وعدم الانسياق وراء ما تصدره الأقلية الرديكالية، مدركة لمآلات هذه الدعوات من أثرٍ على اقتصاداتها، ومدى تأثير المقاطعة على فقدان الميزات النسبية التي تتمتع بها المنتجات الفرنسية وفي مقدمتها صناعة النفط والطائرات والمنتجات الاستراتيجية الأخرى.

وقد شهدت المنطقة واحدة من أطول حملات المقاطعة عبر تاريخها، مدعومة بالتوافق شبه الكامل على المستوى الشعبي والحكومي، تلك التي اتُخذت إزاء المنتجات الإسرائيلية، غير أنه لا يمكن الحسم بنجاحها المطلق. ففي حين استندت مثل هذه الدعوات إلى تاريخ طويل من الصراع العربي الإسرائيلي، والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة تجاه الشعب الفلسطيني، والتوسع في سياسات الاستيطان، والتغول على حقوق الفلسطينيين، استطاعت المنتجات الإسرائيلية العبور إلى المنطقة العربية في غير ثوب، أبرزها منتجات المناطق الصناعية المؤهلة في كل من الأردن ومصر والتي تتضمن نسبة مكون إسرائيلي لا تقل عن 8% وتصل إلى 17%، وفقاً لاتفاقيات الكويز التفضيلية، بين الولايات المتحدة وكلا البلدين.

ولا شك أن الأمر مختلف اليوم بشأن التبادل التجاري بين فرنسا ودول الشرق الأوسط، إنْ من جهة عدم التوافق الشامل على المستوى الشعبي، أو من جهة رفض حكومات المنطقة لهذه السياسات تجاه بلد كفرنسا، تربطها علاقات تجارية هامة وتاريخية على حدٍ سواء.

فقد قدرت الصادرات الفرنسية إلى الدول العربية مجتمعة وفقاً لمصادر تابعة للأمم المتحدة بنحو 30 مليار دولار في عام 2019م، من بينها 7 دول استحوذت على نحو 29 مليار دولار، في مقدمتهم الجزائر والمغرب وقطر. كما قدرت الواردات التركية من فرنسا بنحو 7 مليار دولار في العام ذاته. وبالمقارنة مع الواردات الفرنسية من هذه الدول فقد مالت جُلّ الموازين التجارية في غير صالح دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إذا كان الأمر كذلك، كيف ستنجح إذن دعوات المقاطعة المزعومة للمنتجات الفرنسية؟ وإذا افترضنا جدلا نجاحها، فمَن سيكون حينها قد عاقب مَن؟.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.