وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مقاطعة إسرائيل: نضال في معركة شاقة

خلال السنوات، اكتسبت حركة "بي دي أس" دعماً دولياً، وأيدت الحركة شخصيات بارزة مثل العالم ستيفن هوكينج، والمؤلفة نعومي كلاين ورئيس الأساقفة ديزموند توتو.

مؤيدي لحركة البي دي أس يتظاهرون أمام مبنى شركة G4S البريطانية للخدمات الأمنية
مؤيدون لحركة البي دي أس يتظاهرون أمام مبنى شركة G4S البريطانية للخدمات الأمنية في مركز أكسل في لندن, بريطانيا, يونيو 2015. Photo Demotix

تواجه اسرائيل عدواً جديداً، إذ صنفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في خندق “معاداة السامية،” فيما قارنه زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ بـ”الانتفاضة الجديدة“. في حين يعرفها الفلسطينيون بحركة “بي دي إس”:المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

تعود جذور الحركة إلى عام 2005، عندما أطلقت 171 منظمة فلسطينية غير حكومية حملة تدعو إلى وضع حد للاحتلال الاسرائيلي، ومساواة حقوق العرب في اسرائيل، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وتستهدف المقاطعة المنتجات والشركات، الاسرائيلية والدولية على حد سواء التي تستفيد من انتهاك الحقوق الفلسطينية، فضلاً عن مقاطعة المؤسسات الرياضية والثقافية والأكاديمية الاسرائيلية. وقد اعتمدت حركة “بي دي إس” حنظلة، الشخصية الكرتونية الشهيرة التي ابتكرها الفنان الفلسطيني ناجي العلي وباتت تميمة معروفة في رسوماته. ويعتبر حنظلة، وهو لاجىء يبلغ من العمر 10 أعوام، رمز لنضال الشعب الفلسطيني من أجل العدالة وتقرير المصير. وخلال السنوات، اكتسبت حركة “بي دي أس” دعماً دولياً، وأيدت الحركة شخصيات بارزة مثل العالم ستيفن هوكينج، والمؤلفة نعومي كلاين ورئيس الأساقفة ديزموند توتو،.

وعلى الرغم من أن حركة “بي دي أس” لم تحقق حتى الآن أي نجاحات كبيرة، إلا أنها تبدو قد تركت بصمة تُذكر عام 2015. ووفقاً لمارك ليفين، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا/ ايرفين والذي شارك أيضاً في تحرير كتاب “أرض واحدة ودولتان: إسرائيل وفلسطين كدولتين متقابلتين،” فان هناك أربعة أسباب مختلفة لهذا. “أولاً، أصبح احتلال الضفة الغربية مكثفاً بحيث لم يعد من الممكن حلها إلى إسرائيل غربية أكثر حداثة وعصرية. كما أنّ مصفوفة السيطرة الاسرائيلية باتت كثيفة للغاية بحيث أصبح يستحيل الاختباء من الاحتلال أو ادعاء عدم وجوده.” ويقول ليفين، أن السبب الثاني يتمثل في أنّ الدافع وراء الاحتلال أصبح واضحاً الآن مع زوال اتفاقية أوسلو: مع وجود أكثر من نصف مليون مستوطن، ومئات من المستوطنات والبؤر الاستيطانية حيث لم يعد الخطاب الأمني ينطلي على أي أحد. “لا يتعلق الأمر بالأمن، بل بالاستيطان.”

والسبب الثالث حرب اسرائيل على غزة عام 2014. “يمكن لاسرائيل أن تدعي كما تريد أن الحرب على غزة كانت دفاعية بحتة، وحتى تبرئة نفسها من قتل النساء والأطفال. ولكن بالنسبة لبقية العالم، فإن مستوى المجازر التي ارتكبتها، بلا أدنى شك، غير متكافئ.” أما السبب الرابع والأخير، فيكمن في تطور موقف اليهود في الشتات، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف “اليوم، بدأت أصوات الجيل اليهودي الأمريكي الجديد تدعو علناً لمقاطعة منتجات المستوطنين، بالإضافة إلى المنظمة اليهودية سريعة النمو في أمريكا، منظمة صوت يهودي من أجل السلام، والتي تدعمها “بي دي إس” بكل صراحة.”

وبطبيعة الحال، فإن الفنانين الذين قرروا إلغاء عروضهم في اسرائيل دعماً لحركة المقاطعة جذبوا اهتمام وسائل الإعلام على نطاقٍ واسع. وبعد إلغاء الحفل الذي كان مقرراً إجراؤه في تل أبيب في 27 أبريل 2015، أوضح القائد السابق لفرقة Sonic Youth,ثورستون مور, أن سبب الرفض يعود إلى الانزعاج من المعاملة الاسرائيلية للفلسطينيين. “بعد مداولات جادة وصلت في النهاية إلى قناعة شخصية أنّ تقديم عروض في اسرائيل مع فرقتي يعتبر صراع غير مباشر مع قيمي.”بهذه الكلمات صرح مور على موقع Quietus المختص بالموسيقى.

وفي مايو، أكدت لورين هيل أنها ألغت حفلها الذي كان مزمعا عقده في 7 مارس في مدينة ريشون لتسيون الإسرائيلية بسبب عدم قدرتها تنظيم حفل موازٍ في مدينة رام الله في الضفة الغربية، ولم ترغب في الظهور فقط أمام الاسرائيلين وبالتالي تكون “مصدر تنفير” لمعجبيها. ومع ذلك، فقد قدم العديد من الفنانين الآخرين عروضاً في اسرائيل. ففي مايو الماضي، قدم روبي وليامز عرضاً في تل أبيب، وكذلك فرقة OneRepublic. حتى أن شباب الفرقة الأمريكية قاموا بزيارة الجيش الاسرائيلي للتعبير عن دعمهم وتقديرهم.

المعارضة

ومن غير المفاجىء وجود العديد من المعارضة لحركة “بي دي أس.” ويعرض أحد المواقع الالكترونية “طرقاً لمحاربة حركة بي دي أس” والذي يحتوي على المنتجات الاسرائيلية بالإضافة إلى نصائح لتقديم المشورة للطلاب الذين يتعاملون مع حركة “بي دي أس” في جامعاتهم.

ومن أهم الأمثلة المعارضة لحركة “بي دي أس” ما يقدمه القانوني الأمريكي الشهير آلان ديرشوفيتز. “في كل مرة أناقش فيها حركة “بي دي أس” أقدم دوماً التحدي التالي لطلابي في جميع أنحاء العالم.” صرّح ديرشوفيتز لصحيفة جيروزاليم بوست. “سمي لي بلداً واحداً في تاريخ العالم واجه تهديدات داخلية وخارجية مماثلة لتلك التي تواجهها اسرائيل، والتي امتلكت سجل أفضل في حقوق الإنسان، وسجل أفضل في الامتثال لسيادة القانون، وسجل أفضل في الاهتمام بالمدنيين؟ سبق وطرحت هذا السؤال على مدى عشرين عاماً الآن أمام مليون شخص من جميع أرجاء العالم، ولم أجد حتى الآن شخص واحد يستطيع تسمية اسم بلد واحد، لأنك ببساطة لا تستطيع ذلك.”

وبطبيعة الحال، تعتبر الحكومة الاسرائيلية من أشرس معارضي “بي دي أس”. وينبع هذا جزئياً من الخوف الاسرائيلي بنزع الشرعية. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من المجتمع الدولي تعتبر الـ48 عاماً من الاحتلال غير قانونية، إلا أنها سمحت حتى الآن بإفلات إسرائيل من العقاب. وعلى ما يبدو فإن خطط توسيع المستوطنات، التي تعتبر غير شرعية بموجب القانون الدولي، أثارت القليل من الغضب الدولي. ومع ذلك، وفي حال نجحت حركة “بي دي أس” في زرع فكرة عدم شرعية المستوطنات في قلوب وعقول المجتمع الغربي، ستواجه اسرائيل بكل تأكيد مشكلة.

ومن الحجج الأخرى للقضاء على حركة “بي دي أس” هي السياسات الداخلية، إذ يُفضل الناخبون الاسرائيليون السياسين الذين يتخذون موقفاً وطنياً متشدداً في مجال الدفاع الوطني. ونتيجة لذلك، فإن الغالبية العظمى في الكنيست، البرلمان الاسرائيلي، من معسكر يسار الوسط الصهيوني إلى القوميين المتطرفين في البيت اليهودي طالبوا بمقاطعة المقاطعين أنفسهم. وفي الوقت نفسه، لم ينبس أحد ببنت شفه عن الاحتلال.

ومع ذلك، ليس كل من يعارض الاحتلال من معجبي حركة “بي ديس أس.” فعلى سبيل المثال يجادل الأكاديمي والمفكر اليهودي ديمتري تشومسكي، أن “بي دي أس” لن يكون لها اليد العُليا قط لسببين رئيسيين: “أولاً، على الرغم من التباكي على الأرض المسروقة، إلا أن حق اسرائيل في تقرير المصير مُسلم به من قبل الغالبية العظمى من المجتمع الدولي. ومنذ الاعتراف التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية باسرائيل عام 1988، بات هذا الحق أيضاً مُعترفاً به من قِبل أقدم القطاعات الرئيسية للحركة الوطنية الفلسطينية.”

وثانياً، أشار إلى ما يُسميه “أسرلة الاحتلال” والتي تقوم حركة المقاطعة بمد يد العون له. ويقول أن حركة “بي دي أس” تعزز فكرة أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتبرون مواطنيين اسرائليين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وليسوا أصحاب الأرض. “وهذا يجعل الأمر ممكناً لأذكى وأكثر الدعاة غوغائية ممن يدعون إلى تحسين سمعة الاحتلال الاسرائيلي، التهرب من مواجهة الاحتلال والاستيطان والهروب إلى نوع من أنواع التبرير النسبي المولعون جداً به، بحيث يقارنون اسرائيل بعدد من البلدان “العادية” مثل ايران وكوريا الشمالية، التي تنتهك حقوق مواطنيها بشكل منتظم دون أن يهددهم أحد بالمقاطعة.” وكما يقول، يكمن الجواب في مقاطعة الاحتلال وليس اسرائيل ككل.

وأياً كان الأمر، لا زال أمام حركة “بي دي أس” طريق طويل. ففي يونيو، وافق الكونغرس الأمريكي على قانون ينص على أن رفض “بي دي أس” من الأهداف الرئيسة في محادثات التجارة مع الاتحاد الأوروبي. وصرّح بيتر روسكام وهو عضو جمهوري في الكونغرس الأمريكي والرئيس المشارك لتجمع مجلس النواب الجمهوري الاسرائيلي “قررنا محاربة حركة “بي دي أس” وضمان استمرار قوة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل.” وتعارض كل من منظمة “أمريكيون من أجل السلام الآن” ومنظمة “جي ستريت” مشروع القانون.