وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فرص “ضعيفة” لإنعاش الاقتصاد على الرغم من المكاسب العسكرية والدعم الأجنبي

syria-economy-update-kid-selling-vegetables-fanack-hollandse-hoogte1024px
طفل سوري يبيع الخضراوات خلال وقف إطلاق النار في حلب, 31 مارس 2016. Photo Beha el Halebi / Anadolu.

دعا محمد جهاد اللحام، رئيس مجلس الشعب السوري، مخاطباً المجلس في 7 فبراير 2016، إلى الاستفادة القصوى مما أسماه انتصارات الجيش السوري ضد المتمردين والجماعات المتطرفة “في العديد من المناطق في جميع أنحاء البلاد،” لتسريع جهود إعادة الإعمار في سوريا.

فيما قال رئيس الوزراء، وائل الحلقي، في نفس الجلسة، أن الحكومة ستركز في عام 2016 على “تحسين المؤشرات الاقتصادية والزراعية والخدمات،” وعلى “الاستثمار في جميع الموارد تحضيراً لعملية إعادة الإعمار.” وأكد الحلقي على جهود الحكومة المتواصلة لتوفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ودعم المشاريع الصغيرة جداً والصغيرة ومتوسطة الحجم، مؤكداً على أن الحكومة ستركز أيضاً على إنشاء قنوات استثمارية جديدة لدفع النمو الاقتصادي بالتوازي مع الإصلاح الإداري.

وتهدف تصريحات كل من الحلقي واللحام إلى إعطاء الانطباع بأنّ سوريا قد تكون قادرة، في المستقبل القريب، على التغلب على بعض التحديات الاقتصادية الصعبة التي واجهت البلاد منذ اندلاع المواجهات العنيفة في عام 2011.

مؤشرات اقتصادية لا تبشر بالخير

ومع ذلك، تُناقض الرواية المتفائلة للحكومة السورية إلى حدٍ كبير العديد من المؤشرات السلبية التي تُشير إلى أنّ الاقتصاد يزداد سوءاً، وبأنه لن يتعافى من الأزمة الراهنة بسهولة وفي أي وقتٍ قريب.

وتُشير الأرقام الاقتصادية السورية إلى خسائر كبيرة في عام 2015، عندما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا ما يُقارب الـ30 مليار دولار، فضلاً عن تراجع الناتج الاقتصادي بنحو 60% مقارنةً بعام 2010، وذلك وفقاً لدراسة أجراها المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس). وتُشير التقديرات الاقتصادية الحديثة أنّ سوريا خسرت أكثر من 200 مليار دولار منذ عام 2011. فقد قال الاقتصادي السّوري جهاد يازجي للمونيتور إنّ “القطاعات الأكثر تأثراً هي قطاعا السياحة والصناعة، مع تراجع الأخير بنسبة 80%.” وتوقع تقرير صادر عن البنك الدولي تراجع الاقتصاد السوري بنسبة 16% إضافية عام 2016.

وفي الآونة الأخيرة، بلغ سعر صرف الليرة السورية 437 ليرة لكل دولار، مسجلاً أدنى انخفاض بسعر الصرف لليرة في تاريخ سوريا، وذلك بسبب “وقف عجلة الإنتاج وخاصة بعد دمار البنى التحتية، وتراجع كبير في حركة الاستيراد والتصدير التي أصبحت شبه معدومة،” وذلك وفقاً لتصريحات الخبير الاقتصادي السوري، خورشيد عليكا، إلى وكالة أنباء الأناضول التركية يوم 13 فبراير 2016. وأشار عليكا إلى أنّ هذا الإنخفاض بسعر صرف الليرة السورية جاء على الرغم من الانجازات العسكرية المزعومة للجيش السوري في حربه ضد المعارضة المسلحة في مناطق مثل حلب والمناطق الساحلية في الغرب، وأرجع ذلك إلى “تحول الحرب إلى دوامة انهكت، كلاً من النظام والمعارضة، وشردت الملايين من الشعب السوري.”

يتأثر الناتج المحلي الإجمالي في سوريا وحجم صادراتها بقوى محركة جديدة في أجزاء من البلاد والتي يُسيطر عليها لاعبون متعددون؛ مثل المتمردين، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” والنظام السوري.

فقد سلبت الحرب من البلاد تكامل أراضيها ووحدتها الاقتصادية، وذلك بسبب تقسيم الأراضي السورية إلى كياناتٍ أصغر تُسيطر عليها مختلف الأطراف المتحاربة. فعلى سبيل المثال، يتركز النفط والفوسفات والمنتجات الزراعية في المناطق التي يُسيطر عليها المتمردون إلى حدٍ كبير في شرقيّ وشمال شرقيّ البلاد، إذ تقع حقول النفط في مناطق دير الزور والحسكة، بينما تقع مناجم الفوسفات شرق تدمر.ويُسيطر على هذه المناطق إما الأكراد أو “داعش،” وهذا يعني حرمان النظام من مصدرٍ آخر يدر “ملايين الدولارات” من العائدات.

ففي عام 2013، فقدت الحكومة السورية سيطرتها على جميع حقول النفط الرئيسية، عندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على أجزاء من محافظتيّ دير الزور والرقة في شمال البلاد، على الرغم من أنّ الحكومة تمكنت من الحفاظ على بعض حقول الغاز تحت سيطرتها لمواصلة تغذية محطات توليد الكهرباء. ومع ذلك، تسبب نقص الوقود بانقطاع التيار الكهربائي عن معظم أنحاء البلاد، مما تسبب في إغراق 83% من المناطق التي كان يصلها التيار الكهربائي في السابق بالظلام، وذلك وفقاً لآخر التقارير التي يعود تاريخها إلى شهر أبريل من عام 2015.

كما يزعُم محللون ماليون أن النظام السوري كان يشتري حوالي 20,000 برميل من النفط يومياً من “داعش،” وأنّ النظام تفاوض مع “داعش” للحفاظ على إمداداته من الغاز من حقول الغاز الشرقية، في محاولةٍ للحفاظ على مواصلة عمل بعض المصانع التي يُسيطر عليها النظام.

ويُقال أيضاً أن “داعش” أحكم سيطرته أيضاً على حوالي ثلاثة أرباع إنتاج سوريا من القطن. ونتيجةً لذلك، إنخفض إنتاج النظام من حوالي 600,000 طن سنوياً قبل اندلاع الحرب، إلى 70,000 طن فقط في عام 2015.

بعبارة أخرى، تُدمر الحرب السورية، الوحدة الاقتصادية للبلاد فضلاً عن التماسك الاجتماعي، كما أنّ هذه التحولات الاقتصادية ستلقي بثقلها، دون أدنى شك، على عملية إعادة إعمار البلاد، وتشكل عقبات مالية واقتصادية جديدة في المستقبل.

وعلى صعيدٍ آخر، فعلى الرغم من أنّ الحملة العسكرية الروسية التي بدأت في سبتمبر 2015 أعطت دفعةً قوية للحكومة السورية المنهكة، إلا أنها فاقمت الأزمة الإنسانية المتفاقمة في الأصل، مما أجبر المزيد من السوريين على الفرار من البلاد، تاركين الاقتصاد يعتمد، أكثر من أي وقتٍ مضى، على المساعدات الخارجية. هناك آمالٌ كبيرة بأنّ وقف إطلاق النار، بوساطة كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والذي بدأ تطبيقه في أواخر شهر فبراير من العام الجاري، سيؤدي إلى تسويةٍ يمكن تطبيقها بين النظام والمعارضة.

الاقتصاد السوري ضعيف ولكن سريع الاستجابة للمتغيرات

على الرغم من التدهور الاقتصادي في السنوات الأخيرة، إلا أنّ الاقتصاد السوري تجنب الانهيار التام. فقد حافظت الحكومة على انتاج زراعي وصناعي محدود، وذلك بفضل سيطرتها على المدن الساحلية؛ دمشق واللاذقية وطرطوس، وهو ما يمثل ثلث الأراضي السورية تقريباً، إذ ساعد هذا النظام على مواصلة تجارته مع العالم الخارجي، أو على الأقل مع حلفائه الرئيسيين، روسيا وإيران.

المساعدات الاقتصادية الروسية والإيرانية التي لا تزال تتدفق على النظام السوري ضرورية لتأمين الاحتياجات المتزايدة على النفط والحبوب في البلاد. ووفقاً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، يتلقى النظام حوالي 6 مليار دولار من إيران سنوياً، وفي نوفمبر 2015، تلقى النظام 100,000 طن من القمح، تبرعت بها روسيا. وعلى صعيدٍ آخر، خففت التبرعات الغذائية والنقدية التي يحصل عليها السوريون ممن هم بحاجة إلى مساعداتٍ إنسانية، إلى حدٍ ما من العبء المالي على النظام، على الرغم من أن الإحصاءات الرسمية لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لعام 2016، تُشير إلى أن السوريين المتضررين من النزاع تلقوا حوالي 218 مليون دولار فقط، أي ما يصل إلى 4% فقط من إجمالي المساعدات اللازمة.

إنّ هذا الدعم الأجنبي المتواصل للنظام السوري غير كافٍ للسماح بتعافي الاقتصاد السوري، ذلك أن القتال بين النظام وجماعات المعارضة المسلحة يُعرقل الجهود الدولية لإعادة الإعمار، ويضعف القدرة الإنتاجية، والأصول الاقتصادية، وقدرة البلاد على جذب الاستثمارات.

لا يزال الاقتصاد السوري عُرضة للاستنزاف المستمر الناجم عن ارتفاع تكاليف الحرب، والأضرار واسعة النطاق التي لحقت بالبُنية التحتية ورأس المال البشري. “الحرب في سوريا سرقت منها أربعة عقودٍ من التقدم الاجتماعي والاقتصادي،” هذا ما قاله مسؤولٌ في الأمم المتحدة في 26 فبراير 2016، مخاطباً الحضور في منتدى فالداي للنقاش والحوار السياسي الدولي في موسكو، حيث تجمع أكثر من مائة من المسؤولين من عدة دول لمناقشة أزمة الشرق الأوسط.