وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الهلال النفطي الليبي: مسرحٌ للصراع

Libya- Ras Lanouf
رجل إطفاء ليبي يقف أمام الدخان وألسنة اللهب المتصاعدة من خزان نفط في منشأةٍ نفطية في منطقة رأس لانوف شمال ليبيا في 23 يناير 2016، بعد أن أشتعلت النيران فيها عقب الهجمات التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). Photo AFP

منذ سقوط الديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي، تتناحر الفصائل المتنافسة للسيطرة على الهلال النفطي الليبي. فأولئك الذين يسيطرون على محطات النفط يتحكمون في تدفق الصادرات، المسؤولة عن 90% من عائدات صادرات ليبيا.

فقبل الإطاحة بالقذافي، كانت ليبيا تضخ حوالي 1,6 مليون برميل من النفط يوماً. وفي عام 2018، وعلى الرغم من الهجمات المتكررة على الموظفين ومحطات النفط، كان إنتاج ليبيا من النفط يحوم حول مليون برميل في اليوم.

وقع آخر هجومٍ في 10 سبتمبر عندما اقتحم مسلحون مقر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس. وبحسب ما ورد قُتل اثنان من الموظفين، بينما جُرح عشرة آخرون. كما أسفر الهجوم أيضاً عن مقتل المسلحين. وتعتبر المؤسسة الوطنية للنفط أهم مؤسسةٍ حكومية في ليبيا وآخر المؤسسات الحكومية العاملة. وفي حين لم تعلن أي جماعةٍ مسؤوليتها، على الفور، عن الهجوم، إلا أن السلطات الليبية تشك في أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مرتكب الجريمة.

وبغض النظر عن الحادث المذكور، لا يزال العنف أكثر تواتراً في الهلال النفطي الليبي. فعلى مدار ما يقرب من عامين، سيطرت القوات الموالية للزعيم الشرقي خليفة حفتر على المنطقة، مما منح نفوذاً كبيراً للجيش الوطني الليبي على منافسيه. ومع ذلك، ثبُت أن السيطرة على محطات النفط مهمةٌ مرهقة.

وفي 14 يونيو 2018، حاول زعيم الميليشيا إبراهيم الجضران – الذي كان يسيطر على موانئ النفط حتى عام 2016 – استعادة ميناءين رئيسيين هما ميناء السدرة وميناء رأس لانوف النفطي، اللذان كانا تحت سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر. آنذاك، انخرط الجيش الوطني الليبي بمعركةٍ دموية في مدينة درنة الشرقية.

وفضلاً عن محاولة استعادة النفوذ في الشؤون الليبية من خلال الاستيلاء على آبار النفط، إلا أن دوافع الجضران الحقيقية غير معروفة. ومع ذلك، يبدو أن هجومه كان محاولةً لمساعدة الجهاديين في درنة، الذين يُشاركونه عدواً هو حفتر.

وقال الجضران في فيديو نُشر بعد شن الهجوم “نُعلن تجهيز قواتنا البرية والقوات الداعمة في منطقة النفط، ونهدف إلى رفع الظلم الذي عانى منه الناس على مدى العامين الماضيين.”

بالكاد أثمر الهجوم المفاجىء على موانىء النفط بأي شيءٍ يُذكر لتغيير مشهد الميليشيات في الشرق. ففي غضون أسبوع، أرسل حفتر تعزيزاتٍ لاستعادة محطات النفط التي فقد السيطرة عليها لفترةٍ وجيزة.

وبعد استعادة السيطرة، أعلن حفتر أنه سيسلم مسؤولية مبيعات النفط إلى المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، المدينة الرئيسية في الشرق. ومن الجدير بالذكر أن المجتمع الدولي يعتبر الفرع الشرقي للمؤسسة الوطنية للنفط غير شرعي، إذ لا يعترف سوى بالمؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس.

المصادر: U.S. Energy Information Administration (EIA), Petroleum Economist, European Council on Foreign Affairs, Al Jazeera. إضغط للتكبير. @Fanack ©Fanack CC BY 4.0

فقد كتب جايسون باك، كاتب عمود في المونيتور، أن قضية إدارة أي فرعٍ تابعٍ للمؤسسة الوطنية للنفط لحقول النفط هي في الواقع مسألةٌ تتعلق بتدفقات الإيرادات. فقد كان هذا واضحاً بعد أن زعم المتحدث باسم حفتر أن الخطوة كانت ضرورية لمنع البنك المركزي في طرابلس من استخدام الأموال المولدة من النفط لتمويل أعداء الجيش الوطني الليبي.

ومع عدم وجود دليلٍ يدعم هذا الادعاء، لم يحظ قرار حفتر بتأييدٍ يذكر. حتى أن حلفائه الرئيسيين، مصر والإمارات العربية المتحدة، لم يؤيدوا هذه الخطوة. إلا أن السؤال الأهم هنا بالطبع ما إذا كانت المؤسسة الوطنية للنفط في الشرق ستجتذب أي مشترين.

وبالفعل، لم يحصل ذلك. وكما يشير جيسون باك في المونيتور، يرى المجتمع الدولي أن المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس هي هيئة وطنية شرعية. فهي تضم 65 ألف موظف ويديرها التكنوقراطي حسن السمعة، مصطفى صنع الله. ومن ناحيةٍ أخرى، تتم إدارة المؤسسة الوطنية الشرقية للنفط من قبل عددٍ أقل من الموظفين، الذين ينظر إليهم المجتمع الدولي على أنهم لصوص. حتى أن الولايات المتحدة كانت على وشك الموافقة على تأييد المؤسسة الشرقية بعد أن طلبت المؤسسة في طرابلس فرض عقوباتٍ على بنغازي.

بحلول 11 يوليو، أجبر حفتر على التراجع بسبب تصاعد الضغوط الدولية. كما قدمت حكومة الوفاق الوطني المدعومة دولياً عدة إيماءات لمحاولة إقناع حفتر بتسليم السيطرة على مبيعات النفط إلى المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.

وأشارت مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية غير ربحية ملتزمة بتسوية النزاعات، إلى أن أهم الخطوات التي اتخذتها حكومة الوفاق الوطني كانت الطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إجراء تقييمٍ مستقل لإنفاق أموال البنك المركزي في طرابلس والبنك المركزي في بنغازي.

وقال محمد السلاك، المتحدث الرسمي باسم فايز سراج، رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، لصحيفة ليبيا هيرالد، إن مجلس الأمن رد بشكلٍ إيجابي على الطلب. ومع ذلك، أشار إلى أن تفاصيل تنفيذ عمليات التدقيق هذه والغرض الدقيق منها لها لا تزال قيد العمل.

وتقول مجموعة الأزمات الدولية أن الغرض من المراجعة قد يكون “خطوةً لبناء الثقة” لتوحيد المؤسسات المقسمّة في ليبيا. بالطبع، هذا ممكنٌ فقط في حال كان الغرض من عمليات التدقيق هو مجرد نشر مراجعةٍ للنفقات العامة للبنوك المركزية في ليبيا، بدلاً من تتبع والكشف عن جميع المنقولات الشخصية.

وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، يمكن للخيار الأول أن يضخ زخماً جديداً في جهود السلام، في حين أن الخيار الأخير يمكن أن يؤدي إلى إشعال لعبة تبادل الاتهامات بين طرابلس وبنغازي. ولتجنب استقطاب البلاد أكثر، يجب على الأمم المتحدة المشاركة في دبلوماسيةٍ سرية بين وزارة الخارجية في طرابلس ومنافسها في الشرق، وكذلك مع كل من البنوك المركزية قبل إجراء التدقيق. وكما تقول مجموعة الأزمات الدولية، هذا هو السبيل الوحيد لتقدم الأمم المتحدة نفسها كممثلٍ محايد.

فقد ذكرت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها الآتي: “من أجل معالجة رد فعلٍ محتمل باعتباره استبعادي ومزدرٍ لمطالب الجمهور بالشفافية والمساءلة، مما يجعل الأمم المتحدة تبدو متواطئة في التستر على الفساد، ينبغي على كلٍ من الجهات الدولية والليبية المشاركة في العملية أن ترسل رسالةً سياسية واضحة مفادها أن إعادة توحيد البنك المركزي للبلاد على رأس قائمة الأولويات.”

بينما قال عماد بادي، وهو ناشط سلامٍ ومحلل للشأن الليبي من طرابلس، لفَنَك، إنه من الصعب أن نفترض أن البنكين المركزيين يمكن توحيدهما من خلال مراجعة الحسابات. وأضاف إن القيام بذلك يتطلب إرادة سياسية من الجهات الفاعلة المحلية فضلاً عن الدعم الكامل من المجتمع الدولي.

كما يُشكك أيضاً في وقوع المزيد من الهجمات على محطات النفط في المستقبل. ويقول إن خيبة أمل قبيلة المغاربة – التي تعتبر الجضران من أعضائها – والانقسامات على المستوى الوطني يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الصراع.

وعلاوة على ذلك، يُشكل الصادق الكبير، الذي انتُخب محافظاً للبنك المركزي في عام 2011، نقطة خلافٍ أخرى. حفتر يتهم الكبير بالتعصب، مدعياً أنه يستخدم المال العام لتمويل المليشيات في مصراتة وطرابلس المعاديتين للجيش الوطني الليبي. ولاسترضاء حفتر، يجب أن يشمل أي إصلاحٍ اقتصادي إقالة الكبير.

وكما يقول عماد بادي إن “حقيقة أن الشروط المتفق عليها من قبل حفتر لتسليم موانىء النفط إلى المؤسسة الوطنية الشرعية لم يتم الوفاء بها، مثل الإصلاحات الاقتصادية، وتوحيد البنوك المركزية في ليبيا، ومرتبات الجيش الوطني الليبي، تنبىء بأن الهلال النفطي الليبي سيبقى مسرحاً للمزيد من الصراع.”