وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر: الإصلاحات الاقتصادية جيدة نظرياً إلا أن معدلات الفقر في ارتفاع

Egypt- Povery egypt
صورة لعزبة النخل، وهي مدينة للأكواخ تقع شمال العاصمة المصرية القاهرة. Photo AFP

“تحسن وضع الاقتصاد الكلي في مصر بشكلٍ ملحوظ منذ بدء برنامج إصلاح السلطات في نوفمبر 2016،” كتب صندوق النقد الدولي في مراجعته الرابعة لبرنامج الإصلاح نفسه، والذي كان جزءاً من اتفاقية قرضٍ بقيمة 12 مليار دولار لتخفيف أزمة الدولار في مصر في عام 2016.

كما أجرى البنك الدولي تقييماً مماثلاً في تقرير مستجدات الحالة الاقتصادية لمصر في أبريل 2019، إذ ذكر إن “النمو الاقتصادي كان قوياً” – حيث بلغ متوسطه 5,3% في السنة المالية 2017/2018 والربع الأول من السنة المالية 2018/2019 – و”من المتوقع أن يصل إلى 6% على المدى المتوسط.”

ومع ذلك، يختلف بعض المعلقين مع ما ذكر، فقد جادل يحيى حامد، وزير الاستثمار السابق، في مقالٍ على موقع فورين بوليسي على الإنترنت بأن الاقتصاد المصري في الواقع “ينهار” وليس “مزدهراً،” في حين أن الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي صاغ تحليلاً بعنوان “الاقتصاد المصري- تراجع لا تعافي.” ومع ذلك، فإن لكل من حامد والصاوي ميول سياسية معينة، ذلك أنهما مرتبطان بالإخوان المسلمين. فقد تم عزل الجماعة الإسلامية بعنفٍ من السلطة من قبل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في عام 2013 وتعرضت لقمعٍ كبير منذ ذلك الحين، وبالتالي، رفضت وزارة الخارجية تحليل فورن بوليسي باعتباره غير دقيق ومُسيّس.

إذاً، إلى أي مدى أثمر برنامج الإصلاح الذي تضمن بشكلٍ خاص تعويم الجنيه المصري وفرض ضريبة القيمة المضافة وإلغاء الدعم الحكومي عن الكهرباء؟

مؤشرات الاقتصاد الكلي، مثل زيادة احتياطيات مصر من العملات الأجنبية، وتقلص العجز المالي والنمو الاقتصادي الواعد، إيجابية إلى حدٍ كبير. لا يرجع الفضل في ذلك فحسب إلى برنامج إصلاح صندوق النقد الدولي ولكن أيضاً بفضل اكتشافات حقل الغاز الرئيسي وتعافي السياحة اللذان كان لهما تأثيرٌ إيجابي على ميزانية الدولة. ومع ذلك، لا يزال نشاط القطاع الخاص غير النفطي والاستثمار الأجنبي المباشر يعاني الأمرّين، وهي قضيةٌ سيتم تناولها أدناه.

الحقيقة الساطعة الجلية، التي تجاهلتها وزارة الخارجية عملياً في ردها على مقال فورين بوليسي هي الفقر.

فقد سلط مقالٌ قصير نُشر في جريدة البورصة التجارية المحلية في مايو 2019 الضوء على حساسية الأمر، إذ أشار إلى أن الحكومة أجلت نشر تقريرٍ عن الفقر في مصر، لأن النتائج “لا تعكس إنجازات الدولة.” تم استدعاء واضعي التقرير المدعوم من الحكومة من قبل كبار المسؤولين لإعادة كتابة النتائج التي توصلوا إليها، مرة في فبراير ومرة أخرى في مايو.

ووجد التقرير، الذي جمعه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن نسبة المصريين الذين يعيشون في فقر قد ارتفعت إلى 30,2% مقارنة بـ 27,8% في عام 2015. وتم تحديد خط الفقر في التقرير بـ800 جنيه مصري شهرياً، وهو رقم أقل بكثير من الـ950 جنيه في الشهر الذي حدده البنك الدولي. كما ارتفع معدل الفقر في عام 2015 عن ما كان عليه منذ عام 2011، عندما بلغ معدل الفقر 25,2%، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

كما أشار البنك الدولي في بيانٍ صحفي صدر في مايو والذي أعلن فيه تمديد برنامج الإصلاح لمدة عامين أن “حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له، كما أن عدم المساواة آخذ في الازدياد”. وحث مصر على بذل المزيد من الجهد لـ”تسريع الاحتواء الاقتصادي واستيعاب القوى العاملة المتنامية.”

فقد أظهرت الحكومة في السابق أنها لا تريد نشر أخبارٍ سيئة تتعلق بمستويات المعيشة. ففي عام 2017، تم إيقاف عرض إعلان خيري في شهر رمضان يسلط الضوء على عدم توفر مياه الشرب النظيفة في صعيد مصر ذلك أنه قوّض جهود الدولة لتحسين نوعية المياه. وفي أكتوبر 2018، اعتُقل الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق لفترة وجيزة لقيامه بنشر أخبار كاذبة، بعد أن قال في كتابه الأخير أن الفقر في مصر كان نتيجة فشل السياسات الحكومية والفساد.

وبالفعل، تقوم الحكومة بعرض “جهودها” فيما يتعلق بالأهداف الواعدة، مثل هدف الحد من الفقر بمقدار النصف بحلول عام 2020 والقضاء عليه بالكامل بحلول عام 2030.

في حين أن الدعم الغذائي لأكثر الفئات عرضةً للفقر لا يزال قائماً، إلا أن الإصلاحات الأخرى أصابت الفقراء بشدة. فقد ارتفع التضخم بنحو 30% في العام بعد تعويم الجنيه وظل مرتفعاً (> 10%) منذ ذلك الحين. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة وجبة تتكون من ربع دجاجة في مطعم عادي في القاهرة 10 جنيهات في عام 2014، في حين تبلغ تكلفتها اليوم حوالي 25 جنيهاً. كما ارتفعت أسعار المترو من جنيه إلى ما بين 3 جنيهات و10 جنيهات. وفي يوليو 2019، ستتم إزالة آخر أشكال الدعم المتبقية على الوقود والكهرباء، مما سيؤدي إلى ارتفاع فواتير الكهرباء وتكاليف النقل، مثل أسعار الحافلات وسيارات الأجرة، على المصريين.

ووفقاً لأسامة دياب، وهو زميل غير مقيم يركز على قضايا التنمية والقضايا الاقتصادية في معهد دراسات الشرق الأوسط في معهد التحرير، في زاوية سؤالٍ وجواب في عام 2018 “سيؤثر ارتفاع الأسعار بالتأكيد على الناس الأكثر فقراً.” وأضاف “المترو هو في الغالب منفعة عامة للفقراء، لأن الأثرياء في مصر يتنقلون في أغلب الأحيان في سياراتهم الخاصة أو في سيارات الأجرة. أيضاً، كان الارتفاع الأخير في أسعار الكهرباء ارتدادي؛ حيث بلغت الزيادة على أقل شريحة استهلاك حوالي 70%، بينما وصلت إلى حوالي 7,4% لأعلى استهلاك.”

الفكرة وراء الإصلاحات الاقتصادية هي أنه عندما يستقر وضع الاقتصاد الكلي في مصر، سيكون لهذا تأثير انسيابي على المدى المتوسط، مما سيخلق ظروف معيشية أفضل للجميع. ومع ذلك، فقد أثيرت شكوكٌ حول حقيقة هذا السيناريو.

وبحسب ما قاله السياسي الاقتصادي كريم عبد الباري “أعتقد أنه لا ينبغي أن نتوقع حصول أي انسيابٍ تدريجي.” وأضاف “على العكس، ستصل مستويات الفقر إلى ذروتها.”

وتابع: “برأيي، يعود هذا إلى طبيعة برنامج الإصلاح نفسه، والذي يؤكد على تراجع الدولة عن توفير الخدمات الأساسية كما كانت عليه، بالإضافة إلى خفض إنفاقها العام على البرامج الاجتماعية والاقتصادية.”

كما أعرب البنك الدولي عن مخاوفه أيضاً، إذ ذكر في المراجعة التي أجراها في أبريل الماضي: “من المتوقع أن تظل خدمة الديون عبئاً على الميزانية، مما يعيق الإنفاق الاجتماعي الكبير، لا سيما على الصحة والتعليم.”

علاوةً على ذلك، يتقلص نشاط القطاع الخاص كل شهر تقريباً منذ سبتمبر 2018. ووفقاً للبنك الدولي، فإن نشاط القطاع الخاص غير النفطي يعوقه “بيئة الأعمال الصعبة،” ونتيجةً لذلك، لا يزال خلق الوظائف “متواضعاً.” كما تحاول الحكومة تحفيز القطاع الخاص من خلال، على سبيل المثال، إزالة الحواجز القانونية وبرامج الخصخصة وإنشاء مناطق تجارة حرة.

علاوةً على ذلك، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2018 (8,2%) للسنة الثانية على التوالي. وفي حين أن بعض رجال الأعمال أعزو ذلك إلى تدهور الأسواق العالمية، إلا أن الأمر لا زال يبعث على القلق ذلك أن غالبية الاستثمارات الأجنبية المباشرة ذهبت إلى قطاع النفط والغاز، الذي لا يولد عموماً العديد من الوظائف الجديدة.

وفي هذا الصدد، يقول عبد الباري، “تركز الاستثمارات المستمرة للنظام على البنية التحتية أملاً في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، فإن هذا التوقع بأن البنية التحتية الأكثر تقدماً ستساعد في تدفق الاستثمارات الأجنبية أمر غير منطقي.” كما يجادل إن تكلفة العمالة في مصر، على الرغم من انخفاض قيمة العملة، لا تزال مرتفعة نسبياً مقارنة بشرق آسيا، وأن عدم الاستقرار الاجتماعي السائد “يجعل من غير الجذاب الاستثمار هنا.”

إلى جانب ذلك، ترتبط المشاكل في القطاع الخاص غير النفطي أيضاً بمشاركة الجيش المتزايدة في الاقتصاد، إذ تتمتع شركات الجيش بمزايا تنافسية على القطاع الخاص من حيث التسهيلات الضريبية، والوصول إلى العمالة الرخيصة من خلال التجنيد والسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي. هذه الشركات مهيمنة بشكلٍ خاص على مشاريع البنية التحتية.

وعليه، يتجنب المستثمرون منافسة الجيش أو الدخول في مشاريع مشتركة مع الشركة التابعة للجيش، وهو نموذجٌ تسعى إليه مصر بشكلٍ متزايد. كما قال عبد الباري إن أنشطة الجيش “بالتأكيد” تعيق تنمية القطاع الخاص.

فقد عالج الرئيس السيسي، الجنرال في الجيش، المخاوف بشأن الأنشطة الاقتصادية للجيش في شهر مايو، قائلاً إن للجيش “دورٌ إشرافي وإداري” فحسب. ومع ذلك، في يونيو، أخبر وزير الإنتاج الحربي الصحافة المحلية أن وزارته تسعى بنشاط إلى إقامة شراكاتٍ دولية وتهدف إلى التوسع على الصعيدين المحلي والدولي. وقال إنه من المقرر أن تفتتح الوزارة مصنعاً جديداً في أكتوبر 2019 لتوفير المصاعد والسلالم المتحركة لمشاريع الجيش في العاصمة الإدارية الجديدة قيد الإنشاء حالياً خارج القاهرة، وهو بيانٌ يبدو أنه يتعارض مع إدعاءات السيسي “الإشرافية.”