وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأزمة الاقتصادية في تونس

27 Nov 2013, Gafsa, Tunisia --- Gafsa, Tunisia. 27th November 2013 -- A man is raising a vict. --- Image by © Chedly Ben Ibrahim/Demotix/Corbis
احتجاجات متواصلة احتجاجا على الوضع الاقتصادي المزري 27 نفمبر 2013 قفصة, تونسPhoto Corbis

كان الاقتصاد المتعثر في تونس أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ثورة 2011، واستمر تدهور الاقتصاد في السنوات التي تلت الثورة. وبما أنّ البلاد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمنطقة اليورو (حوالي 80% من التجارة التونسية مرتبطة بأوروبا) تأثر الاقتصاد بشكلٍ كبير بأزمة اليورو منذ عام 2008 فصاعداً. وعلاوة على ذلك، فإن عدداً كبيراً من خريجي الجامعات، الذين يبلغ عددهم 80,000 في السنة من السكان الذين يتجاوز تعدادهم العشرة ملايين نسمة، ساهموا في تفاقم البطالة. كما زاد الوضع الأمني في ليبيا، الشريك الاقتصادي الثاني لتونس، الطين بلة.

وصلت نسب البطالة إلى 15,3% كما أنّ هذا الرقم أعلى بكثير في أوساط الشباب والنساء. من جانبٍ آخر، كان النمو الاقتصادي نهاية 2014، 2,4% أي أقل تقريباً بـ4% مما هو مطلوب للحدّ من البطالة. كما يشعر التونسيون بالإستياء الشديد من معدل التضخم الذي بلغ 5,5% وازدادت مقارنة أسعار السلع الأساسية إلى مستويات ما قبل الثورة. كما فقد الدينار التونسي أكثر من 20% من قيمته منذ عام 2010، حيث باتت قيمة الدينار التونسي الواحد تعادل ما يقارب الدولارين، وارتفعت الديون الدولية للبلاد من 40,7% عام 2010 إلى 52,9% عام 2014.

وقد ساهمت الظروف الاقتصادية المتفاقمة ، بشكلٍ مباشر، إلى خيبة الأمل المتزايدة لدى الجمهور التونسي من نتائج الثورة، على الرغم من النجاحات السياسية، مما جعل البعض يشعر بالحنين للعودة إلى النظام القديم. وأكدت جميع الأحزاب السياسية التي ترشحت للانتخابات البرلمانية لعام 2014 في وجه الأحزاب الفائزة عام 2011 على القضية الاقتصادية في محاولة لإغواء الناخبين. وعلى سبيل المثال، اعتمد حزب نداء تونس العلماني لافتات انتخابية تظهر حقيبة تسوق في سوق شعبي بعبارة “الغلاء المؤقت” وهذا يعني أن أسعار السلع سوف تعود إلى مستوياتها قبل 2011 في حال فوز الحزب. كما أن الشعار يحمل تلميحاً سياسياً واضحاً، إذ أن كلمة “مؤقت” هو لقب حكومة الترويكا التي تضم حزب النهضة، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطي.

وعلى الرغم من أنّ تراجع أسعار النفط عام 2014 كان من المتوقع أن تساهم في دعم الاقتصاد التونسي، إلا أن الفساد المستشري في قطاع الطاقة والوضع الأمني المتدهور في ليبيا (المورد الرئيسي للنفط في تونس) يعني أن المنافع كانت ضئيلة. ولا يزال السائقون الذين يتزودون بالوقود في محطات البنزين يدفعون مبلغاً أكبر للحصول على الوقود مما كان عليه الأمر قبل عام.

أما العائدات السياحية التي تعتبر جوهرية بالنسبة للاقتصاد التونسي (6,5% من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 350,000 وظيفة) عادت تقريباً إلى مستويات عام 2010. ومع ذلك، وفيما يتعلق بالسياح الأوروبيين، الذين تمت إعادة توجيههم من قِبل منظمي الرحلات السياحية إلى الدول الأوروبية التي تعاني مشاكل اقتصادية مثل اليونان وإسبانيا أو ممن تجنبوا تونس منذ بداية الربيع العربي، حلّ محلهم إلى حدٍ كبير السياح الجزائريين والليبيين.

ويُفضل السياح الأوروبيون على نظرائهم من العرب، إذ يعززون جاذبية تونس الدولية. كما يجلبون معهم العملة القوية (اليورو) وهم على أتم استعداد لشراء السلع التقليدية مثل قبعة الشّاشّية التونسية والجبّة التونسية، التي لا تجذب اهتمام السياح العرب مثل الأجانب. كما أنّ هناك قلق واسع النطاق بأنّ الهجوم الإرهابي الذي وقع في مارس 2015 على متحف باردو في تونس والذي أسفر عن مقتل 21 فرداً منهم 17 سائحاً، سيُفاقم أوضاع السياحة التونسية سوءاً.

كما أنّ هناك مخاوف من أنّ تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا سيكون له تأثير على الدخل المتاح في البلاد، مما سيجعل العطل عبر الحدود التونسية ترفاً لا يمكن تحمله. وإلى جانب هذا يبرز أيضاً القلق من أنّ الأعداد المتزايدة للاجئين الليبيين في تونس قد يشكّل عبئاً إضافياً على الاقتصاد، إذ مع تضاؤل مواردهم المالية، يواصلون استهلاك السلع التونسية المدعومة (مثل الخبز والزيت وما إلى ذلك) ورفع أسعار العقارات.

ومنذ قيام الثورة، أصبح الناس أقل احتراماً لسلطة الدولة التي يُنظر إليها باعتبارها بقايا النظام الدكتاتوري. ومع تراجع بيروقراطية الدولة في تونس والانهيار الظاهري في ليبيا، توسعت التجارة غير الرسمية عبر الحدود البرية في تونس إلى حدٍ كبير. وتشير التقديرات إلى أن التجارة غير الرسمية تشكل حالياً نحو 40% من الاقتصاد التونسي، مما يعني حرمان الدولة من عائدات ضريبية كبيرة وتناقص سيطرتها على العملات الأجنبية. كما عمل هذا على تسريع تدهور التصنيف الائتماني الدولي لتونس (موديز وستاندرد اند بورز) وشوه صورتها ما قبل 2011 باعتبارها “التلميذ النموذجي للمؤسسات الدولية”.

وفي مواجهة هذا التدهور الاقتصادي، فمن المرجح أن تتبنى الحكومة التونسية تدابير لا تحظى بشعبية والتي يُنادي بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتشتمل هذه خفض الدعم، والحد من عدد وظائف القطاع العام وسحق التجارة غير الرسمية، وتعتبر تلك شروط لا بد منها لتلقي قروض ومنح تلك المؤسسات. الولايات المتحدة، أحد الرعاة الرئيسيين لتونس بعد الثورة، تدفع أيضاً من أجل إجراء الإصلاحات وبخاصة في النظام القضائي، قبل أن توافق على الاستثمار في تونس.

ويتردد المسؤولون الحكوميون عن الإعلان عن هذه التدابير على الملأ، إلا أنهم يعتمدون على التلميحات والتغيير التدريجي. ولم يمنع هذا انتشار الحركات الاجتماعية. وهم أعضاء منتدبون من قِبل الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) وهو اتحاد يساري للتجارة معروف بمواقفه المعارضة وشعبيته الواسعة.

كما أن المظاهرات والإضرابات وفيرة، مما يؤثر على الإنتاجية في المكاتب والمصانع والمساهمة في الشعور بالضيق الاقتصادي العام في البلاد. وفي ذات السياق، هدد المستثمرون المحليون والدوليون بالانسحاب من تونس في حال استمرت الحركات بوتيرتها الحالية، ولكن حتى الآن تم تجاهل تهديداتهم.

والحركات اليسارية مثل الجبهة الشعبية، والحركات الأكثر شعبية مثل حركة الرئيس السابق منصف المرزوقي “حركة شعب المواطنين”، ستتزعم معارضة هذه التدابير، تماماً كما فعل حزب سيريزا في اليونان أو حزب بوديموس في اسبانيا. وسنرى مدى النجاح الذي سيحققوه. تُشير المؤشرات الاقتصادية أن البلاد في حالة هشة بينما يلوح في الأفق شبح العودة إلى الحكم الاستبدادي أو اندلاع ثورة ثانية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles