وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاكتشافات الأثرية في مصر: تقدمٌ حقيقي أم مجرد دعاية؟

Egypt- massive statue in Cairo
تمثال ضخم، قد يكون للفرعون رمسيس الثاني، أحد الحكام القدماء الأكثر شهرة في البلاد، محاطاً بعمال الآثار بعد ان تم سحبه من المياه الجوفية في القاهرة، مصر، 13 مارس 2017. Photo AP

في 13 مايو2017، تجمعت الصحافة الدولية والمحلية في موقع تونة الجبل الأثري في مصر لإعلانٍ روّج له كثيراً: اكتشاف ما لا يقل عن 17 مومياء في قبر من أواخر العصر الفرعوني أو العصر اليوناني الروماني.

يعتبر هذا أول اكتشاف من نوعه في المنطقة، بالقرب من مدينة المنيا في وادي النيل. ويعتقد أن القبر جزءٌ من مقبرة كبيرة يمكن أن تضم ما يصل إلى مئات المومياوات.

فقد كان هذا الإكتشاف الأخير فيما سماه وزير الآثار، خالد العناني، “أبرز أعوام الكشف الآثري في مصر.” في الواقع، كرس العناني الكثير من وقته في المؤتمر الصحفي لتناول تفاصيل الاكتشافات الأخيرة بدلاً من التركيز فحسب على ما اكتشفه علماء الآثار في تونة الجبل. وعلى الرغم من الفرحة العارمة، وصف العناني الإكتشافات في تونة الجبل بـ”بداية” مرحلة من اكتشاف ضخم بدلاً من الإشارة إليه بالكشف الضخم.

وقد يرجع السبب في وفرة الاكتشافات الأثرية الأخيرة، جزئياً، إلى الحظ. وفي مقابلةٍ مع Fanack، قالت نيفين العارف، مساعدة الوزير في وزارة الآثار، “تبدأ الحفر في بعض الأحيان وبالكاد تجد شيئاً، وفي أحيانٍ أخرى تكون الاكتشافات ضخمة.” كما قد يكون تحسن الاستقرار في مصر سبباً آخر، كما قالت عالمة الآثار المصرية، مونيكا حنا، لـFanack: “هدأت الأوضاع السياسية في مصر، وبات بإمكان المزيد من علماء الآثار القيام بعملهم.”

فوزارة الآثار تحتاج بشدة إلى مصر مستقرة. فمنذ الإطاحة بالرئيس حسني في عام 2011، عانى قطاع السياحة شديد الأهمية في البلاد بشكلٍ عميق، سيما بعد أن أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته عن التفجير الذي أسقط طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء في مصر في أكتوبر 2015.

ففي عام 2016، زار مصر 4,8 مليون سائح فقط، أي بانخفاض بنسبة 66% عن عام 2010. وحتى الآن في عام 2017، فإن أعداد الزوار الأجانب آخذٌ في الارتفاع. تعتمد وزارة الآثار على مبيعات التذاكر لإيراداتها. ويبدو أن الوزارة تعاني من ضائقةٍ مالية شديدة. فقد طلبت الوزارة من وزارة المالية فى مايو رفع رواتب موظفيها الى مستوى الحد الادنى للأجور الذى حددته الحكومة وفقاً لما جاء فى بيان صحفي.

وقد تكون الحاجة إلى المال، جزئياً، ما دفع وزارة الآثار إلى تحويل اكتشاف تونة الجبل إلى مهرجانٍ إعلامي. فقد نظمت الوزارة جولة صحفية شاملة لمدة يومين، شملت جولة في المنيا وعشاء مع العناني. وخلال تناول العشاء، اعترف العناني أن وزارته بالغت في التغطية الإخبارية للحدث. فقد قال “عندما رأيت البيان الصحفي صدمت، فقد تمت المبالغة بحجم الاكتشاف.”

وقال ديرك هيج، عالم الآثار بالمتحف الملكي البلجيكي للفنون والتاريخ في بروكسل، لصحيفة ترو الهولندية إن اكتشاف تونة الجبيل بالكاد مستجد. وعلى حد قوله “هناك عشرات الآلاف من المومياوات، بشرية وحيوانية على حد سواء، معروفة من تلك الحقبة، وربما هناك عشرات الآلاف يمكن اكتشافها.” في الواقع، يؤكد هويج أن عدد الاكتشافات الأثرية في مصر في عام 2017 لم تكن أكثر بكثير من الوضع المثالي، إذ قال أن من غير مألوف مدى تفاعل الوزارة في نشرها. وأضاف “يغتنم الوزير أي فرصة لعرض أخبار إيجابية عن مصر.”

ولكن هذا لا يعني أن عام 2017 كان خالياً من الاكتشافات الكبرى. فقد كان أكثرها إثارة عمليات التنقيب عن تمثالٍ كبير من العصر الفرعوني المتأخر في منطقة المطرية بالقاهرة من قبل بعثة ألمانية مصرية مشتركة. وقال محمود عفيفى، رئيس قطاع الآثار المصرية بالوزارة، أن التنقيب عن التمثال في المطرية، وهي منظقة مكتظة بالسكان، كان عملية صعبة جداً.

فقد ذكرت تقارير عدة، بدايةً، أن التمثال يعود إلى ملك فرعون الشهير، رمسيس الثاني. إلا أنه على الأرجح يعود إلى الملك بسماتيك الأول، الذي حكم في القرن السابع قبل الميلاد. تقع تحت المطرية والحي المتاخم لها، عين شمس، بقايا المدينة القديمة هليوبوليس. وقال عفيفي أن علماء الآثار يقومون حالياً بإنجاز العمل في الموقع حيث “نأمل أن يتم العثور على المزيد.” وكثيراً ما نهبت هليوبوليس خلال العصر الروماني، حيث انتهى الأمر بمعظم القطع الأثرية في وقتٍ لاحق بالإسكندرية وأوروبا.

كما تم انتقاد استخدام حفارة هيدروليكية لرفع رأس التمثال من الوحل، حيث كان استخدام طرقٍ أكثر تقدماً مناسباً لمثل هذا الاكتشاف. وقد ردت الوزارة على الانتقادات قائلة انها استخدمت الحفارة لرفع الرأس فحسب، وأن شيئاً لم يتضرر. ومن المقرر أن يوضع التمثال في المتحف المصري الكبير الجديد بالقرب من أهرامات الجيزة، التي هي قيد الإنشاء حالياً ومن المقرر افتتاحها بنهاية هذا العام.

وتشمل الاكتشافات الرئيسية الأخرى لهذا العام على بقايا هرم من القرن الثامن عشر قبل الميلاد – الذي يحتوي على غرفة دفن ابنة فرعون – في قرية دهشور. و”مقبرة فرعونية سليمة تقريباً” لمستشار من الأسرة الثامنة عشر (1550قبل الميلاد- 1292 قبل الميلاد) في الأقصر. وبالإضافة إلى ذلك، رممت الوزارة تمثالاً لرمسيس الثاني وأعادت وضعه في معبد الأقصر.

ولفت الوزير العناني إلى الافتقار إلى التغطية الصحفية الدولية لتلك الاكتشافات وغيرها من الاكتشافات الأثرية في مصر. وصرّح للصحفيين عن معاناة وزارته، والحاجة إلى انعاش السياحة.