وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

طموحات مصر للطاقة النووية تصطدم بتوازنات دولية

طموحات مصر للطاقة النووية
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مصافحاً نظيره الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارة الأخير للقاهرة يوم ١٠ فبراير. وقال الرئيس السيسي في ذلك اليوم إن القاهرة اتفقت مع موسكو على خطط لبناء أول محطة مصرية لتوليد الطاقة النووية. المصدر: MIKHAIL KLIMENTYEV / RIA NOVOSTI / AFP.

خالد محمود

تمضي الدولة المصرية لامتلاك الطاقة النووية عبر بناء أول محطة نووية فى منطقة الضبعة بالتعاون مع روسيا. ويشكل هذا التوجه حلقة جديدة من محاولات القاهرة المستمرة للاحتفاظ بهامش حركة باتجاه موسكو على الرغم من التحفظات الأمريكية والمخاوف الإسرائيلية. ويأتي ذلك في الوقت الذي خرجت فيه بعض الانتقادات المحلية للمشروع لتبرز المخاوف التقليدية المتعلقة بالأمان النووي، ولتحاول دون جدوى إنهاء المشروع الطموح.

وشهد العاشر من أغسطس 2022 إصدار هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء لبيان أكدت فيه إدراج الوكالة الدولية للطاقة الدولية لمصر رسمياً على قائمة الدول التي لديها مفاعلات قيد الإنشاء.

وأعطت الحكومة المصرية الضوء الأخضر لشركة روس آتوم الروسية لتبدأ في إنشاء أولى وحدات المحطة النووية بمدينة الضبعة بمحافظة مطروح، على بعد نحو 300 كيلومتر المحطة عن شمال غرب القاهرة. وتقول هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء التي تملك وتشغل المشروع إن محطة الضبعة ستضم أربع وحدات كل منهما بسعة كهربائية 1200 ميغاوات.

وكانت مصر قد أعلنت دخولها العالم النووي بانطلاق المشروع الذي وصفه السفير الروسي لدى القاهرة جورجي بوريسينكو بـ “الأضخم في السنوات الأخيرة”. من جانبه، قال أليكسي ليخاتشيف، الرئيس التنفيذي لشركة روس آتوم، إن مصر “تدخل النادي النووي” عبر مضيها قدماً بتنفيذ مشروع محطة الضبعة، ما من شأنه نقل التكنولوجيا والصناعة والتعليم في مصر إلى مستوى جديد.

ويمثل تنفيذ المشروع تتويجا لسنوات عديدة من الجهود المصرية لتوليد الطاقة النووية عبر بناء أربع وحدات بتكلفة تصل إلى 45.5 مليار دولار أمريكي، منها 25 مليار دولار حصلت عليها مصر كقرض من روسيا.

ويعد المشروع عنصرًا مهمًا في استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030“. ويؤدي تنفيذ محطة الضبعة للطاقة النووية إلى تحقيق فوائد عديدة لمصر أبرزها التنوع في مصادر الطاقة والحفاظ على الموارد الطبيعية غير المتجددة واستيعاب التقنيات والتكنولوجيا المتطورة وتعزيز البحث والتطوير. وسيقود المشروع إلى رفع جودة العمل وتعزيز كفاءة المنتجات المحلية الصنع إلى مستوى المعايير الدولية. كما أنه سيؤدي إلى زيادة فرص العمل ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والبنية التحتية في منطقة مطروح وخاصة في منطقة الضبعة.

وفي إطار المساعي التي تقوم بها مصر لمواجهة شح المياه، يأمل بعض الباحثين بأن يتم استخدام مشروع الضبعة لتحويل مياه البحر إلى مياه عذبة.


حلم وعقبات

طموحات مصر للطاقة النووية
صورة غير مؤرخة لموقع تعتزم السلطات المصرية بناء مفاعل نووي فيه بقدرة 900 ميغاواط من الماء المضغوط على أطراف بلدة الضبعة، على بعد 388 كيلومتراً شمال غرب القاهرة. المصدر: STR / AFP.

يرجع حلم إنشاء محطة نووية مصرية إلى عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، حيث تعاونت موسكو حينذاك مع القاهرة لإنشاء أول مفاعل نووي للأبحاث والتدريب في أنشاص، شمال شرق القاهرة عام 1961. بيد أن هذا المشروع لم يتم تطويره فيما بعد، بما في ذلك حقبة الرئيس محمد أنور السادات.

لاحقا، طرحت مصر عام 1983 مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 900 ميغاواط، لكنها توقفت عام 1986 بعد حادث محطة تشيرنوبل، للتأكد من أمان المفاعلات النووية.

ويعزو أنصار الرئيس المصري الراحل حسني مبارك الفضل له في تدشين البرنامج النووي للطاقة في الضبعة، والذي أشار إليه في خطاب ألقاه في نوفمبر 2010 أمام مجلس الشعب المصري.

وقبل عام واحد من الاطاحة بنظام حكمه عام 2011، حسم مبارك الجدل الدائر منذ سنوات حول موقع “الضبعة بقراره تخصيص هذا الموقع لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء فى البلاد”.

وعقب اجتماعه بأعضاء المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية، قرّر مبارك أن تكون الضبعة موقعا لأول محطة كهرباء تعمل بالطاقة النووية فى مصر، ما وصف آنذاك بأنه “يمثل نقلة في مسار تنفيذ البرنامج الاستراتيجي لتأمين إمدادات الطاقة والاستخدامات السلمية للطاقة النووية”.

ومنذ إعلان مبارك، تنافست عدّة دول منها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لمساعدة مصر في تنفيذ برنامجها النووي.

وفور توليه السلطة عام 2014, جدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحلم مجددا. وسعت ست شركات من الصين وفرنسا واليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا للفوز بمناقصة إقامة محطة الضبعة النووية، قبل أن تفوز بها الشركة الروسية.

“الروس ينتزعون نووي الضبعة من أمريكا والصين”، هكذا خرجت عناوين بعض الصحف المصرية فى الرابع والعشرين من أغسطس 2015، عقب اختيار مصر لشركة روس آتوم الروسية لتولي إقامة محطتين نوويتين بمنطقة الضبعة، وذلك بعد استبعاد عروض أمريكية وكورية وصينية لم تستوف أوراقها، وتضمنت ملفاتها معلومات غير كافية.

حظر النشر

طموحات مصر للطاقة النووية
وقعت مصر وروسيا اتفاقية نهائية لبناء أول منشأة مصرية لتوليد الطاقة النووية، وذلك أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاهرة. المصدر: KHALED DESOUKI/ AFP.

خبر مقتضب تناقلته مختلف الصحف والمواقع المصرية في نهاية عام 2015، قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية إنه تقرر حظر النشر فيما يتعلق بمشروع المحطة النووية بالضبعة إلا بعد الرجوع إلى الجهات الأمنية المعنية ومكتب وزير الكهرباء. وفسّرت شبكة سى إن إن الأمريكية الأمر على أنه يأتي وسط تحذيرات متزايدة من مخاطر محتملة للمشروع المصري الروسي المشترك.

لكن يحيى قلاش، النقيب الأسبق للصحفيين، جادل في المقابل بكون القرار يمس بحرية تداول المعلومات واعتبر أنه لا يجوز أن يحصل المصريون على معلومات عن مشروع مصري من وكالات عالمية أو وسائل إعلام أجنبية.

وأعربت سبع منظمات مصرية لحقوق الإنسان في بيان مشترك عن انزعاجها الشديد من حظر النشر، مطالبةً الجهات المسؤولة بالتراجع عنه. كما دعت المنظمات في بيانها إلى “احترام مبادئ الشفافية والمشاركة المجتمعية فيما يتعلق بموضوع المحطة النووية التي أحاطها الكثير من التعتيم منذ البداية”.

الموقف الأمريكي

يرى بعض المحللين أن “الأمريكان والفساد وراء تعثّر البرنامج النووي المصري”. كما تحدّث محللون آخرون عن أن أمريكا وإسرائيل “مش راضيين ومش عاجبهم”، في إشارة إلى عدم ترحيبهما بالمشروع من الأساس.

وقال محمد منير مجاهد، المدير السابق لموقع الضبعة، إن أمريكا طلبت من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات طلبات مبالغ فيها عندما سعى لإنشاء محطة للطاقة النووية. وتضمنت قائمة المطالب أن يكون لأمريكا الحق في تفتيش كل المنشآت النووية المصرية وهو ما رفضه السادات.

وفي لقاءٍ تلفزيوني، كشف الدكتور عماد جاد، عضو مجلس النواب السابق، النقاب عن سبب عدم اختيار مصر العرض الأمريكي لإنشاء الضبعة النووية. وبحسب جاد، فإن الأمر يرجع ببساطة لأن “أسرار المفاعلات النووية ستكون لدى إسرائيل في اليوم التالي”. ولفت جاد إلى إن الضبعة ستزيد من الغضب الأمريكي تجاه مصر لأن المشروع سيتم تنفيذه مع روسيا وليس معهم، موضحًا أن روسيا ستنقل خبراتها للمصريين على عكس الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فقد رفضت مصر، بحسب الكاتب عبد القادر شهيب، مفهوم المقايضة أو المساومة فى علاقتها بأمريكا مقابل روسيا. وفي الوقت الذي استجابت فيه مصر لرغبة أمريكا بتطبيع العلاقات بين الجانبين والارتقاء بها إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، فإن ذلك لم يمنع القاهرة من السعي لتعزيز العلاقات مع روسيا والصين وبعض الدول الأوروبية المهمة.

إسرائيل

أظهرت بعض التقارير التي تم نشرها في إسرائيل أن مفاعل الضبعة النووي يشكل أزمة لتل أبيب، سيّما وأن بناء المفاعل سيوفر للقاهرة إمكانية تطوير قنبلة نووية. ولم تتورع صحيفة إسرائيلية عن وصف المشروع بالخطير. في المقابل، ترى تقاريرٌ أخرى أن خطر استخدام مصر للمفاعل لأغراض عسكرية يظل محدوداً، نظراً لعدم امتلاك مصر مصنع لفصل البلوتونيوم والسيطرة الكاملة على دورة الطاقة الخاصة بالمفاعل.

توفير الأمان

طموحات مصر للطاقة النووية
صورة تم التقاطها يوم ٢ أغسطس ٢٠١٥ لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري أثناء افتتاح أحد الحوارات الاستراتيجية الأمريكية – المصرية في وزارة الخارجية. والتقى حينها كيري بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة لإطلاق محادثات استراتيجية في زيارة إقليمية مصغّرة سعى من خلالها لتسويق الاتفاق النووي مع إيران أمام عدد من حلفاء واشنطن الذين راودتهم شكوك حول هذه الصفقة. المصدر: BRENDAN SMIALOWSKI / POOL / AFP.

منذ الكشف عن مشروع الضبعة، وجهت انتقادات كثيرة للنظام المصري لأسباب إنسانية واقتصادية وصحية وبيئية.

ونفت الحكومة المصرية عام 2021 شائعة ادعت افتقار محطة الضبعة النووية لمعايير الأمان وتسببها في الإضرار بالبيئة. وبحسب الحكومة، فإن المحطة ستكون أحد أهم المشروعات الرامية لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، والتي تجمع بين أحدث التقنيات العالمية وأعلى درجات الأمان. كما أكدت الحكومة على أن المحطة ستلعب دوراً في خفض معدلات تلوث البيئة عن طريق منع انبعاث ثاني أكسيد الكربون.

وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد طالبت الحكومة المصرية بالإفصاح عن تفاصيل اتفاقيات المحطة. كما طالبتها بالالتزام بالدستور وبعرض اتفاقيتي إنشاء المحطة والقرض المتعلق بها على البرلمان والحصول على موافقته قبل التنفيذ.

وحذرت المبادرة من أن يؤدي القرض لزيادة كبيرة في الديون الخارجية على مصر، مشيرة إلى تساؤلاتٍ ضخمة حول جدوى هذا الإنفاق الضخم لتوليد ما يعادل 7% فقط من احتياجات مصر من الطاقة عندما يبدأ التشغيل حوالي عام 2029.

في المقابل، يدافع الدكتور على عبد النبي، أحد الخبراء المتخصصين في المحطات النووية لتوليد الكهرباء، عن المشروع. ويرى عبد النبي، وهو أيضاً مسؤولٌ سابق من قيادات هيئة المحطات النووية، أن المشروع هو “الأهم في التاريخ “المصري” الحديث، سيّما وأنه سيمد “البلاد بالطاقة المطلوبة لعشرات السنين”.

ويلفت عبد النبي النظر إلى أن الموقع الحالي للمحطة هو الأمثل من بين 23 موقعا متاحا على ساحلي البحرين المتوسط والأحمر. وفي الوقت الذي لفت فيه البعض إلى إمكانية حصول الدولة على 50 مليار جنيه إذا ما باعت أرض الموقع للمستثمرين، فإن عبد النبي يشدد على الطبيعة الاستثمارية لمشروع محطة توليد الطاقة النووية في الضبعة. وبحسب عبد النبي، فإن المشروع “استثماري من الدرجة الأولى”، فضلاً عن أنه “مشروع سياحي، ومشروع أمن قومي للطاقة، ومشروع أمن قومي تكنولوجي لتطوير الصناعات المصرية”. ويقول عبد النبي إن “الوحدة النووية الواحدة ستوفر 340 مليون دولار سنويا، ما يعني أن الوحدات الأربعة ستوفر سنويا 1360 مليون دولار”.

ويصل عمر المحطة النووية لتوليد الكهرباء إلى 60 سنة، علماً بأنها تعتبر البديل المثالي لاعتماد مصر على الغاز لتوليد الطاقة. وفي هذا السياق، فإن المحطة قادرة على العمل بنسبة 92% من عدد ساعات السنة. في المقال، فإنّ عمر محطة توليد كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي لا يزيد عن 25 سنة، كما أنها قادرة على العمل بنسبة 60% من عدد ساعات السنة.

في كل الأحوال، تخطو مصر نحو حلمها النووي للاستخدام السلمي، معتمدة على الدعم الروسي، بعدما نجحت في امتصاص المخاوف الأمريكية والإسرائيلية.

وكما قلت سابقا، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي نجح في تحطيم أحد التابوهات التاريخية والعالمية أمام الدولة والشعب. وبدا أننا قاب قوسين أو أدنى من الحصول على تلك الفاكهة المحرّمة علينا، بعدما تلقّى في يوم عيد ميلاده قبل سبع سنوات هدية بحجم محطة نووية، ذلك أن “القرارات المؤجلة في مسيرة الإنسان أو حتى الأمم، مثل الفرص الضائعة، لا تصنع تاريخا ولا تبني مجدا”.