وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مبادرات حزب الله الاقتصادية في لبنان المنهار

ميناء بيروت في لبنان المنهار
صورة تم التقاطها يوم ٩ إبريل وتظهر لمحة عامة للدمار الذي ما زالت تعاني منه صوامع الحبوب في ميناء العاصمة اللبنانية بيروت بعد الانفجار الكارثي الذي حصل في وحدة تخزين الميناء في أغسطس الماضي، ما أسفر حينها عن مقتل ما يزيد عن ٢٠٠ شخص وألحق أضراراً بمساحاتٍ شاسعة من بيروت. المصدر: JOSEPH EID / AFP.

نشر موقع “Global Risks Insights” مقالة سلّط فيها الضوء على التقاطع الحاصل بين ما يعيشه لبنان من أزماتٍ اقتصادية وما يتمتع به حزب الله من نفوذ أتاح له بناء كين اقتصادي مستقل في صلب هذه الدولة. وتقوم صاحبة المقالة جوليا دال بيلو، وهي باحثةٌ مختصة وحاصلة على درجة الماجستير في الدارسات الفلسطينية من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، باستعراض جوانب القوّة الاقتصادية التي يتبعها الحزب لتعزيز أواصر الصلات مع أنصاره.

وتبدأ دال بيلو مقالتها بالإشارة إلى وضع لبنان المتأزم، إذ باتت هذه الدولة على شفا الانهيار مع وصول الليرة اللبنانية إلى مستوى منخفض جديد في بداية شهر مارس. ويعاني لبنان من نقص الوقود واقتراب سكانه من خط الفقر. وكانت الأزمة الاقتصادية قد تفاقمت في العام الماضي بسبب جائحة “كوفيد-19″، وانفجار ميناء بيروت في أغسطس، وقبل ذلك كله، بسبب الطبقة السياسية اللبنانية التي فشلت مراراً وتكراراً في تشكيل الحكومة. وأدى الفراغ السياسي إلى تزويد حزب الله، الذي يُرجّح أنه أحد الفاعلين المسؤولين عن تعطيل تشكيل الحكومة، بالمساحة المطلوبة لإظهار قدراته في إدارة البلاد من خلال الرعاية الاجتماعية المتطورة على ما يبدو.

وتعرّض حزب الله لانتقادات واسعة لكونه أحد الأسباب الرئيسية وراء الأزمة المالية الحالية، إذ يتجه كثيرٌ من اللبنانيين إلى التعامل مع ما وصفته دل بيلو بـ “التنظيم الإرهابي” من أجل التمتع بالخدمات الأساسية التي لم تعد الدولة قادرة على توفيرها. ونفّذ حزب الله سلسلة من البرامج والمبادرات لمساعدة السكان اقتصادياً كوسيلة لكسب الإجماع الشعبي، كتوسعة خدمات نظامه المصرفي الموازي، وتهريب البضائع من سوريا لتوفير سلع أرخص، والتبرع إلى الشيعة، ودعم المشاريع الزراعية لضمان الاستقلال الاقتصادي للأسر الضعيفة.

نظام مصرفي موازي

أولاً، عندما أغلقت البنوك التقليدية أبوابها وجمّدت حسابات الدولار، تمكّن حزب الله من توفير العملة الصعبة من خلال نظامه المصرفي الموازي المعروف باسم جمعية القرض الحسن التي تُدار كمؤسسة خيرية، بيد أن هذه المؤسسة يمكن اعتبارها نظاماً مصرفياً لجميع المقاصد والأغراض.

وكان زعيم حزب الله نصر الله قد شجّع على إيداع الأموال في القرض الحسن، مدّعياً أن المصرف قدّم بالفعل قروضاً بقيمة 3.7 مليار دولار أمريكي لنحو 1.8 مليون شخص. ووصف نصر الله الجمعية بأنها صلبة، لافتاً إلى أنّ أنصار الحزب الذين أودعوا الأموال في الجمعية تمكّنوا من الاحتفاظ بأموالهم عندما ادّعت المصارف أنها غير قادرة على صرف أموال المودعين بالدولار.

وتتضمن قائمة الخدمات التي توفرها الجمعية تقديم قروض تصل إلى 5000 دولار، فضلاً عن صناديق خيرية وفقاً للشريعة الإسلامية التي تحظر الفوائد. وللحصول على قروض الجمعية، يتوجب على العملاء أن يكونوا تحت رعاية مودع أو أن يرهنوا مبلغاً من الذهب يتجاوز قيمة القرض المطلوب. وفي نهاية شهر أكتوبر من العام الماضي، بدأت الجمعية بتقديم ثلاث خدمات جديدة. وقامت الجمعية بتجهيز فروعها بأجهزة صرّاف آلي لعملائها لسحب الدولار متى احتاجوا إليه. كما بدأت في شراء الذهب وبيعه بالدولار، بالتزامن مع توفير خدمة تخزين الذهب مقابل رسوم رمزية.

وفي أواخر ديسمبر، كان النظام المصرفي الموازي لحزب الله هدفاً لمجموعة قرصنة تسمى “سبايدرز”. ودخل القراصنة إلى نظام الجمعية ونشروا هويات العملاء عبر الإنترنت لتحذيرهم من أنهم قد يخضعون لعقوبات أمريكية. وعلى الرغم من الهجمات، لا يبدو أن عملاء الجمعية خائفون من العواقب المحتملة للتسريب وما زالوا يثقون بالمؤسسة.

تهريب، وتبرعات، ومشاريع زراعية

إلى جانب إلى عمل القرض الحسن، افتتحت الجمعية في الضاحية الجنوبية لبيروت سلسلة من محلات البقالة التعاونية المعروفة باسم مخازن النور التي توفر مجموعة واسعة من السلع مثل الطعام والأثاث. وتُصنّع معظم البضائع أو تهرّب من إيران وسوريا لبيعها بأسعار أقل من السلع المستوردة من المتاجر الكبرى المنافسة. ويمكن الوصول إلى هذه المتاجر ببطاقة خصم يوزعها الحزب. وهناك نوعان من البطاقات أحدهما اسمه “نور” لمقاتلي حزب الله، والآخر “السجاد” ويُوزّع على العائلات ذات الدخل المحدود. وتشحن الجمعية البطاقات بـ 300 ألف ليرة (196 دولاراً) شهرياً، وهو مبلغٌ كبير في المجتمعات الفقيرة. وبهذه الطريقة، وإلى جانب السيطرة على المجتمع الشيعي الأساسي، يستغل حزب الله جني الأرباح بالليرة اللبنانية وتحويلها إلى الدولار الأمريكي في السوق السوداء.

علاوة على ذلك، نشر حزب الله مؤخراً عدداً من البيانات التي أعلن فيها عن تبرعات مكثفة للمجتمعات الشيعية في جنوب لبنان تحديداً. ومن جملة التبرعات المقدّرة لتحسين الصحة والتعليم في محافظات صور وبنت جبيل ومرجعيون لعام 2020 بأكمله بلغت 22 ملياراً و130 مليون ليرة لبنانية. فيما وُجهت 600 مليون ليرة لبنانية أخرى لتمويل إمداد الكهرباء لسكان بلدة في منطقة البقاع. ويجب أن يكون مفهوماً أنه بينما يساعد حزب الله ملايين المواطنين اللبنانيين في المدى القصير، فإن أمواله ما تزال تأتي من أنشطة غير مشروعة كتجارة المخدرات والتهريب والتمويل الإيراني.

أخيراً، لمواجهة الخطر المتزايد لانعدام الأمن الغذائي، نفّذ حزب الله العديد من البرامج الزراعية تحت اسمازرع أرضك بإيدك من أجل إنتاج منتجات زراعية بأقل تكلفة وتحويل المجتمع من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع منتج. وأعلن نصر الله عن هذه المبادرات في إطار الجهاد الزراعي لمواجهة الصعوبات المالية الحالية. ويتم تنفيذ المشاريع من قبل مؤسسة جهاد البناء التابعة لحزب الله التي تُعتبر واحدة من الأذرع التنفيذية الرئيسية للتنظيم وتتكفل بإنشاء وتشييد البنى التحتية المدنية والعسكرية لحزب الله. وفي طبيعة الحال، تشارك المؤسسة في بناء أنفاق هجومية على طول الحدود مع إسرائيل وإخفاء الصواريخ والصواريخ الموجهة.

ماذا يعني هذا؟

تختم دال بيلو مقالتها بالتالي: “كل الأنشطة المذكورة أعلاه التي يقوم بها حزب الله كجزء من رعايته الاجتماعية تثبت أن التنظيم يستغل الفراغ السياسي وانهيار النظام المصرفي للحصول على الدعم وتوسيع النطاق الجغرافي والطائفي لأتباعه وتعزيز شبكة بنيته التحتية. وفي الواقع، فإن الأزمة الحالية لـ “حزب الله” سمحت بتنمية استقلاليته عن المؤسسات اللبنانية مجدداً، ما يؤكد شهرته بكونه “دولة داخل دولة”. وسيؤدي غياب الحكومة المركزية والأزمة الاقتصادية المتفاقمة أيضاً بالشريحة العلمانية من السكان، التي دائماً ما عارضت حزب الله، إلى اللجوء إلى الخدمات غير القانونية للتنظيم”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://globalriskinsights.com/ في 15 أيار 2021