وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في إسرائيل، منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية تواجه التنمر وسحب التمويل

Israel- Breaking the Silence
امرأة إسرائيلية تنظر إلى صور جنود إسرائيليين في معرض “كسر حاجز الصمت” في أكاديمية التصوير الجيولوجي في تل أبيب، في 23 يونيو 2004. صادرت الشرطة العسكرية الإسرائيلية شهاداتٍ مكتوبة ومصورة بالفيديو لجنودٍ يستنكرون إساءة معاملة الفلسطينيين والتي تم عرضها في أحد المعارض. Photo AFP

تواجه معظم المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والفلسطينية والدولية التي تحارب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين نفس المشكلة: تشويه السمعة من قِبل إسرائيل. أما بالنسبة للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية، هناك معاناةُ إضافية: تخفيضاتٌ مالية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

لننظر على سبيل المثال إلى منظمة كسر حاجز الصمت. فلم تكن يوماً هذه المنظمة غير الحكومة الإسرائيلية، التي تتكون من قدامى المحاربين في الجيش الذين يتحدثون صراحةً، بعد أن أنهوا خدمتهم العسكرية، ضد الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية، حركةً تحطى بشعبيةٍ ذلك أن الإسرائيليين لا يرغبوا في أن يسمعوا أن جيشهم، المنظمة الأكثر احتراماً في البلاد، يساهم في استعباد شعبٍ آخر. وهذه بالضبط الرسالة التي تنشرها منظمة كسر حاجز الصمت، وذلك من خلال شهادات قدامى المحاربين في الجيش، ممن تبقى أسماؤهم مجهولة في الغالب. يتم نشر هذه الشهادات في تقارير، وفي محاولةٍ لحشد الإهتمام الدولي، تتم ترجمتها إلى اللغة الانجليزية. وهذا ما يبغضه الإسرائيليون على وجه الخصوص، فحسب قولهم، إذا ما كان هناك مشكلة لدى جيشنا، ألا يمكنكم ببساطة إخبار جنرالات الجيش بها؟ هل من الضروري حقاً نشرها؟ وتقول منظمة كسر حاجز الصمت أن الجيش يولي اهتماماً لأحداث عرضية، إلا أنه يتجاهل النقد التنظيمي.

ففي نوفمبر 2015، قدمت وزيرة العدل إيليت شاكيد (من حزب البيت اليهودي) قانوناً يُلزم موظفي المنظمات غير الحكومية بارتداء شارات تُظهر كمية الأموال التي يتلقونها من الحكومات الأجنبية. وعلاوةً على ذلك، يتوجب عليهم في كل محادثةٍ يجرونها مع المسؤولين الحكوميين، توضيح مصدر تمويلهم. وفي وقتٍ لاحق، قامت شاكيد بإزالة بند ارتداء الشارات من مقترح القانون، ولكن لا يزال يتعين على المنظمات غير الحكومية تفسير التدفق النقدي الذي تحصل عليه. فالقانون موجهٌ ضد المنظمات اليسارية. وعلى الرغم من حصول الحركات اليمينية على أموال أجنبية أيضاً، إلا أنها تأتي في الغالب من مصادر خاصة- وبالتالي، لا تنطبق عليها القوانين في هذه الحالة.

وكحال غيرها من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والفلسطينية والدولية، تعمل الحكومة الاسرائيلية على تشويه سمعة منظمة كسر حاجز الصمت. فقد اتهم وزير الدفاع السابق موشيه يعالون (من حزب الليكود) المنظمة بامتلاكها “دوافع خبيثة.” بينما اضطر الرئيس رؤوفين ريفلين إلى الدفاع عن نفسه بعد أن حضر مؤتمراً شاركت فيه منظمة كسر حاجز الصمت. آخر إضافةٍ لهذا النوع من التنمر هو مشروع قانون أطلق عليه اسم “قانون كسر الصمت،” والذي يمنع الأشخاص الذين يتحدثون عن إسرائيل وجيشها بطريقةٍ سيئة من دخول المدارس. تمت الموافقة على مشروع القانون من قبل أغلبية أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).

كان لنزع الشرعية هذا عن المنظمات غير الحكومية عواقب حقيقية. ففي نوفمبر 2015، اضطرت منظمة كسر حاجز الصمت إلى إلغاء فعاليةٍ لها في أحد المقاهي في مدينة بئر السبع الجنوبية. فقد نشر نشطاء من الجناح اليميني رقم هاتف صاحب المقهى الذي تلقى العديد من التهديدات. وعليه، خافت السلطات من اندلاع أعمالٍ شغب في حال أقيمت الفعالية كما هو مخطط لها.

وبعد ذلك، قدم حزب البيت اليهودي مشروع قانونٍ من شأنه أن يحظر بالكامل أنشطة منظمة كسر حاجز الصمت. وبالرغم من فشل المحاولة، إلا أن المنظمة لا تزال تعاني من الهجمات الالكترونية، والعملاء في المنظمة، وعلى الأقل أربعة من الشهادات الزائفة المتعمدة. صدرت إحدى هذه الشهادات من أورن حزان، أحد أعضاء حزب الليكود الذي ينتمي له رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

كما تعاني المنظمات غير الحكومية الأخرى من نفس الضغوطات. فبحسب مدير منظمة حقوق الإنسان بتسيلم، حجاي إلعاد، في المناخ الإسرائيلي الحالي، يدفع أي عضو في حركته ثمن نشاطه في حياته الاجتماعية. فقد تلقى أجداد الرئيسة السابقة لمنظمة كسر حاجز الصمت، يولي نوفاك، مكالماتٍ هاتفية ليلاً لأشخاص ينعتون حفيدتهم بالعاهرة.

كما أن المنظمات غير الحكومية الدولية ليست مُستثناة أيضاً. ففي أغسطس 2016، اكتشف جهاز الشاباك للاستخبارات مزاعم تُفيد بأن مديراً فلسطينياً لمنظمة “وورلد فيجن” المسيحية للإغاثة في قطاع غزة يخطط لتحويل 45 مليون يورو لحماس. المشكلة كانت أنّ المبلغ يساوي ضعفيّ الميزانية الإجمالية لمنظمة وورلد فيجن في غزة. لم تقدم السلطات الإسرائيلية قط أي دليلٍ يدعم هذه المزاعم، إلا أن الضرر قد تم بالفعل: فقد قررت أستراليا وألمانيا وقف تمويلهما السنوي للمنظمة. أما في قطاع غزة، حيث عملت المنظمة مع الأطفال الفقراء والمهمشين، اضطرت المنظمة غير الحكومية إلى تعليق أنشطتها وفقد 120 شخصاً وظائفهم.

تعتبر إسرائيل عمل العديد من المنظمات الأخرى معاديةً لإسرائيل. فقد حظيت قضية منظمة وورلد فيجن باهتمامٍ واسع النطاق من قبل السلطات، حتى أن وزارة الشؤون الخارجية نشرت تغريدةً على تويتر تتهم منظمة وورلد فيجن بتبرعها بطعام الأطفال الفقراء إلى مقاتلي حماس. وأيضاً لم يتم إثبات هذا الادعاء. وبعد مرور عام، تم تبرئة منظمة وورلد فيجن من تحويل أي أموالٍ إلى حماس.

وفي حملتها التحريضية ضد المنظمات غير الحكومية، يتم تقديم المساعدة لإسرائيل من قبل منظمة مراقبة المنظمات غير الحكومية اليمينية. وعلى النقيض من اسمها “المحايد،” فإن منظمة “مراقبة المنظمات غير الحكومية” هي في الواقع منحازة للغاية للحكومة الإسرائيلية وتعمل كوكيلٍ عن الحكومة في ضبط ومضايقة المنظمات غير الحكومية اليسارية. ففي سبتمبر 2018، نشرت منظمة إسرائيلية تدعى مجموعة العمل المعنية بالسياسات – والتي تتألف من أكاديميين وصحافيين ونشطاء سياسيين ودبلوماسيين سابقين – تقريراً يكشف الجوانب الخفية للعلاقة القوية التي تربط منظمة مراقبة المنظمات غير الحكومية مع الحكومة الإسرائيلية. وعليه، لجأت الحكومة ومراقبة المنظمات غير الحكومية إلى شن حملة تشويهٍ على المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان. يتمثل هدفهم المشترك في منع انتقاد الاحتلال.

تتضمن حملة تشويه السمعة هذه اتهاماتٍ مثل “علاقاتٍ مع إرهابيين، “وتشويه صورة إسرائيل،” و”المشاعر المعادية للسامية.” ومن بين المنظمات الدولية المستهدفة، منظمة باكس للسلام وأوكسفام.

ووفقاً لتقرير مجموعة العمل المعنية بالسياسات، فإن أحد الأساليب المفضلة لدى منظمة مراقبة المنظمات غير الحكومية يتمثل في خلط الحقائق الكاملة وأجزاء من الحقيقة، وإهمال المعلومات المهمة التي من شأنها توضيح حالة معقدة و”الجرم بالتبعية.” وفي حال صدَّق المرء منظمة مراقبة المنظمات غير الحكومية، فإن إلقاء محاضرةٍ في مكانٍ ما مع أحد المتحدثين المؤيدين للفلسطينيين يعدّ بمثابة كراهية لإسرائيل، كما اكتشف المحامي الإسرائيلي لحقوق الإنسان مايكل سفارد. وهكذا، تعمل منظمة مراقبة المنظمات غير الحكومية بنجاحٍ على تأطير المنظمات غير الحكومية باعتبارها راعٍ للإرهابيين، وتحويل السياسة الإسرائيلية إلى اليمين والتأكد من أن موظفي المنظمات غير الحكومية مشغولون بتقديم التقاير ودحض الاتهامات بدلاً من الحملات من أجل حقوق الإنسان.

وفي الوقت نفسه، تتعرض المنظمات غير الحكومية الفلسطينية بالتهديد بإغلاقها، وذلك في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترمب “إعادة توجيه” التمويل الأميركي الحالي وخفض التمويل. فقد أدى هذا القرار إلى قطع 200 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. فعلى سبيل المثال، رعت منظمة المعونة الأمريكية، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، برنامج رؤية غزة 2020، الذي يعمل على تعزيز الظروف الاجتماعية والاقتصادية في القطاع الساحلي المحاصر. وفي عام 2016، أعلن دونالد بلوم، القنصل الأمريكي العام في القدس، أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ستساهم بمبلغ 50 مليون دولار إلى المنظمة غير الحكومية الفلسطينية حتى عام 2021. ومع سحب التمويل وفقاً لقرار ترمب، من غير المحتمل أن تستمر المنظمة غير الحكومية في عملها بعد نهاية عام 2018.

كما أن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية مستهدفة من قبل السلطة الفلسطينية كذلك. ووفقاً لهيومن رايتس ووتش، فإن قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2017 يسمح بفرض قيودٍ غير متكافئة وتعسفية على الحق في حرية التعبير والخصوصية وحماية البيانات. ففي غضون بضعة أسابيع من سريان القانون، تم توقيف خمسة صحفيين بسبب كتابتهم لمقالاتٍ على موقع فيسبوك تنتقد السلطة الفلسطينية. كما وجهت لعيسى عمرو، وهو ناشطٌ في مجال حقوق الإنسان، ذات “التهمة.” وبعد شكاوى عدة من منظماتٍ غير حكومية، اقتُرحت تعديلاتٌ سعت إلى إزالة الأحكام المتعلقة بانتقاد السلطات. وقالت هيومن رايتس ووتش إن السلطة الفلسطينية ملزمة بموجب القانون الدولي بالسماح بانتقادٍ سلمي لسياساتها.