وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

موجة من الاحتجاجات العمالية تشلّ الجزائر

Algeria- Protests in Algeria
شرطة مكافحة الشغب الجزائرية تحيط بالأطباء وأطباء الأسنان الذين أكملوا فترة الإقامة من دراستهم أثناء اعتصامٍ أقيم خارج متحف البريد المركزي في العاصمة الجزائر، في 12 فبراير 2018، في إطار إضرابٍ يستمر ثلاثة أشهر احتجاجاً على الخدمة المدنية الإلزامية. Photo AFP

يواصل انخفاض عائدات النفط والغاز، وتخفيض الدعم الحكومي عن المنتجات الغذائية والوقود، وارتفاع التضخم، بإلقاء ظلاله على الجزائريين بينما يكافحون لمواجهة أزمةٍ اقتصادية تدخل اليوم عامها الرابع. ومع تزايد التوترات الاجتماعية، ازدادت المظاهرات العمالية والإضرابات والاعتصامات بشكلٍ كبير في الأشهر الأخيرة، وبلغت ذروتها في 14 فبراير 2018 في إضرابٍ عام في قطاعيّ المدارس والمستشفيات الحكومية.

وفي حين لم تتعالى أصوات الاحتجاجات في القطاع الخاص، تتحدى الاتحادات والنقابات المستقلة في القطاع العام السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة وتصرّ على حتمية إصلاح قوانين العمل وأنظمة التقاعد في البلاد. فقد تعهد التكتل النقابي للنقابات المستقلة، المؤلف من 14 اتحاداً ونقابة مستقلة تمثل العاملين في مجالات الصحة والتعليم والكهرباء والخدمات البريدية، بمواصلة أنشطتها في بيانٍ نُشر قبل الإضراب العام، إلى أن تتم تلبية مطالبها.

ويقود الإضرابات في كلٍ من المدارس والمستشفيات التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائرييين والنقابة المستقلة لمستخدمي التدريس ثلاثي الأطوار، والعشرات من الاتحادات التجارية المستقلة، والنقابات، والنشطاء، فضلاً عن جماعاتٍ حقوقية مثل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وفي 24 يناير 2018، قضت محكمة في الجزائر العاصمة بأن إضراب التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائرييين السابق “غير قانوني” ودعت التنسيقية للعودة إلى طاولة المفاوضات، في حين تصر التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائرييين على أن أفعالها تتوافق مع الأحكام والإجراءات القانونية. ومع ذلك، وعلى الرغم من حكم المحكمة نفسها الصادر بحق النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، التي دعت أيضاً إلى إضرابٍ عام، قام آلاف من المعلمين والعاملين في المجال الطبي بتنظيم مسيراتٍ واعتصاماتٍ في عدة ولايات في 14 فبراير. وعليه، اتخذت الحكومة احتياطاتها، ونشرت قواتها الأمنية وشرطة مكافحة الشغب في شوارع وساحات عدة مدن، لا سيما في العاصمة الجزائرية.

وفي الوقت نفسه، أدانت النقابات التي تدعم الإضراب العام والاعتصامات أمام المباني الحكومية الهجمات الأخيرة على حرية تكوين الجمعيات وتدهور القدرة الشرائية للعمال. وفي بيانٍ نشر في نفس اليوم الذي نظمت فيه المسيرات والاعتصامات، وصف التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائرييين قمع أعضائها بأنه “ظالم وغير قانوني وغير أخلاقي” وتعهدت بمواصلة القتال من أجل “حقوقهم المشروعة.”

وقبل الإضراب العام، أفاد العديد من المواطنين والعاملين في المجال الطبي بأنهم تعرضوا للاعتقال المؤقت أو تم تفتيشهم بشكلٍ تعسفي من قبل قوات الأمن وضباط شرطة من الشرطة المدنية في عدة ولاياتٍ ومدن. وأدان المحتجون من العاملين في المجال الطبي السلطات على “مطاردتهم،” كما أشادوا بنجاح المسيرات.

وقبل ذلك بيومين، قام الأطباء المتدربون بتنظيم احتجاجٍ آخر في العاصمة الجزائر، حيث تم حظر الاحتجاجات فعلياً منذ عام 2001. وعلى الرغم من الاستجابة السريعة والقمعية المعتادة لقوات الأمن، تجمع نحو ألف شخص أمام متحف البريد المركزي في محاولةٍ لتأكيد طموحاتهم بتحقيق إصلاحاتٍ شاملة ورفع الأجور. وفي مطلع يناير، تم تفريق احتجاجات الأطباء في وسط الجزائر بعنف. وبعد الحملة، انتشرت صور وأشرطة فيديو لمتظاهرين ينزفون الدماء وغيرهم من المصابين بجروح خطيرة، كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار غضب الشعب على رد فعل الحكومة القاسي على مطالبهم.

فالعاملون في القطاع الطبي يتظاهرون بشكلٍ أسبوعي منذ شهر نوفمبر 2017، إلا أنهم كثفوا من أنشطتهم في أعقاب أحداث يناير. وأعلنت التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائرييين وغيرها من النقابات الطبية بأنهم لن يضمنوا سوى الحد الأدنى من الخدمات وبأن الإضراب مستمر إلى أن تتم تلبية مطالبهم. وإلى جانب الحق في توفير سكن للموظفين ولم شمل الأسر عند توزيعهم في المناطق النائية، يصر الأطباء أيضاً على إلغاء الخدمة العامة الإلزامية المثيرة للجدل، وهو تنسيب إلزامي لمدة تتراوح بين سنة وأربع سنوات، فضلاً عن الخدمة العسكرية الإلزامية للأطباء الذكور. وحتى الآن، رفضت الحكومة هذه المطالب، مما يسلط الضوء على مشكلةٍ رئيسية في قطاع الصحة في البلاد: عدم كفاية المعدات والإمدادات، فضلاً عن الحاجة إلى المساكن ووسائل النقل. وتكتسب قضية الإسكان أهميةً خاصة بالنسبة إلى النقابات حيث أن غالبية العاملين في المجال الطبي في البلاد هنّ من النساء اللواتي يواجهن صعوبات شديدة في العثور على شقق ذلك أن الملاك غالباً ما يرفضون تأجير العازبات.

كما تأثرت المدارس أيضاً، إلى حدٍ كبير، بموجة الإضرابات والاحتجاجات التي عمت البلاد، حيث تصر أيضاً النقابة المستقلة لمستخدمي التدريس ثلاثي الأطوار وغيرها من الاتحادات المستقلة في قطاع التعليم على ضرورة تلبية مطالبهم، إلا أن أنشطتهم الجارية قوبلت بمظاهراتٍ مضادة في العديد من المدن من قِبل الأهالي الذين يخشون أن يضطر أولادهم إلى إعادة السنة الدراسة كاملةً، فضلاً عن اتهامهم النقابات بمعاقبة الطلاب من أجل قضيتهم.

كما أكدت وزيرة التعليم، نورية بن غبريت، ايقاف 581 معلماً من المتورطين بالإضراب، في حين تعمل وزارتها في الوقت الراهن على تقديم النصح للمعلمين الذين “تخلوا عن مواقعهم،” وذلك وفقاً لوكالة الأنباء الجزائرية. وأشارت بن غبريت إلى أن الاضربات حقٌ دستوري إلا أنها شددت على أن الاضرابات “غير المحدودة” ينبغي أن تكون الملاذ الأخير، وبالتالي يجب الكف عنها فوراً.

وفي الوقت نفسه، كان الإقبال على الإضراب العام منخفضاً في غرب الجزائر. وأشارت صحيفة الوطن، الناطقة بالفرنسية، إلى أن العديد من الاتحادات والنقابات تتنافس في هذا القطاع، ولا يزال الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الذي تسيطر عليه الدولة، قوياً بشكلٍ خاص في المدارس الابتدائية. وعليه، تشير الأرقام التي قدمتها النقابة المستقلة لمستخدمي التدريس ثلاثي الأطوار إلى ارتفاع نسبة المشاركة في المدارس الثانوية مقابل انخفاض نسبة الإقبال في المدارس الابتدائية خلال الإضراب.

وبالاضافة الى الاضطرابات في قطاعيّ الصحة والتعليم، قام مضيفو الخطوط الجوية الجزائرية المملوكة للدولة، بإضرابٍ مفاجىء في أواخر يناير مما أدى إلى توقف الرحلات المحلية والدولية لعدة ايام. وقد قوبلت مطالبهم برفع المعاشات بالإدانة من قِبل المسؤولين في الشركة والمسؤولين الحكوميين على حد سواء.

Source: World Bank Data, IMF, UNSD, Demographic Yearbook 2016, OPEC, dataportal.opendataforafrica.org. @Fanack

كما فرضت الخطوط الجوية الجزائرية إجراءاتٍ تأديبية ضد سبعة موظفين على الأقل. ومجدداً، وبعد أن أعلنت محكمةٌ عدم قانونية الإضراب، علقت النقابة الوطنية لمضيفي الطائرات الإضراب، إلا أنها نظموا إضراباً آخر تضامناً مع زملائهم الذين خضعوا للإجراءات التأديبية بعد 4 أيام فقط.

وفي الوقت نفسه، حثت الأحزاب السياسية مثل جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحزب تجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية، إلى جانب العديد من النواب المستقلين، الحكومة على الوقوف بثبات وعدم الإذعان لمطالب النقابات. ودعت الأحزاب الأربعة، النقابات والعمال التابعين لها لإنهاء إضرابهم في الحال والعودة إلى العمل من أجل الطلاب والمرضى، وذلك بحسب وكالة الأنباء الجزائرية.

وبعد يومين من الاضراب العام قال رئيس الوزراء أحمد أويحيى أنه لن يتسامح مع “استمرار هذه الفوضى” ووعد بوضع حدٍ لها. ووصف مطالب الاطباء المتدربين بـ”غير المنطقية” وأدان بشدة الإضراب، وذلك وفقاً لما ذكره موقع Algérie1 الإخباري. وعلى الرغم من تهديداته وقمع الدولة المستمر ضد المتظاهرين، أعلنت النقابة المستقلة لمستخدمي التدريس ثلاثي الأطوار في 16 فبراير عزمها على مواصلة أنشطتها.