وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لبنان: اللاجئون السوريون يكلفون الاقتصاد 4,5 مليار دولار سنوياً

Syrian refugees estinguish a fire in a camp in Lebanon
مجموعة من اللاجئين السوريين والمسؤولين اللبنانيين يقومون بإخماد الحريق الذي اندلع في مخيم للاجئين في بلدة المرج في البقاع الغربي, لبنان 1 يونيو 2015. Photo AP | Associated Press

تستمر الأزمة السورية، التي دخلت عامها الخامس في مارس 2015، بالتأثير على السياسة والاقتصاد في لبنان. ولم ينجح البرلمان، الذي تم تمديد ولايته مرتين في غضون عامين، حتى الآن من انتخاب رئيس للدولة منذ مايو 2014 في سابقة هي الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). أما مجلس الوزراء، آخر معاقل السلطة، فقد ضعُف بسبب الانقسامات الداخلية ويبدو أنه ألقى بجميع أوراقه على الطاولة في محاولة لتجنب الإنهيار المفاجىء.

ومن الناحية الاقتصادية، لا تعتبر الصورة أكثر اشراقاً. وعلى الرغم من الإنتعاش الطفيف عام 2014، حيث قُدِّر النمو بنحو 2% مقارنةً بـ1,5% عام 2013 وفقاً لصندوق النقد الدولي، و0,9% وفقاً لتقديرات البنك الدولي، لا تزال البلاد متخلفة عن معدلات النمو التي وصلت أكثر من 8% عشية الصراع السوري. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، سيستقر النمو عند هذا المستوى المتدني خلال العامين القادمين، ولن يصل إلى الـ3% قبل عام 2017. وعلى صعيدٍ آخر، يتواصل نمو الدين حيث وصل إلى ما يقرب 70 مليار دولار أو ما يعادل 145% من الناتج المحلي الإجمالي وهي من أعلى النسب في العالم بينما تتزايد معدلات البطالة والفقر وعدم المساواة.

وبوجود أكثر من 1,6 مليون لاجىء سوري يعيشون في البلاد، وذلك وفقاً لمختلف التقديرات فعلى سبيل المثال تصل نسبتهم أكثر من ثلث السكان المحليين، يواجه لبنان الذي يستضيف أيضاً ما يقرب من 400,000 لاجىء فلسطيني، واحدة من أصعب التحديات الانسانية والاجتماعية والاقتصادية في تاريخه. ويؤدي هذا الوزن السكاني إلى زيادة المنافسة في سوق العمل والإغراق الاجتماعي. ووفقاً لمسح أجري في عام 2013 من قبل اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا)، يعيش 71% من اللاجئين السوريين في جيوب الفقر، في حين أن ثلاثة أرباع منهم لا يملكون مؤهلات وظيفية. وقد تمت ملاحظة خسارة تصل إلى 14% بالأجور بين العمال الأقل مهارة في ذلك الوقت، مما فاقم سوق العمل الهش أصلاً في لبنان سوءاً. ووفقاً للبنك الدولي، وفرت لبنان ما بين عامي (2005- 2009) 3800 فرصة عمل سنوياً حيث تم استيعاب السدس فقط من أصل 22,000 لبناني يدخلون سوق العمل سنوياً.

كما رفع تزايد معدلات البطالة من الفقر. ويُعتقد أن 170,000 لبناني (أي حوالي 4% من السكان) يعيشون تحت خط الفقر (أقل من دولار واحد يومياً) على مدى السنوات الماضية وذلك وفقاً للبنك الدولي. هذا بالإضافة إلى حوالي مليون لبناني (25% من السكان) ممن يعانون بالفعل من الفقر.

كما يظهر أيضاً تأثير الأعداد الهائلة من اللاجئين في نوعية الخدمات المتدنية التي تقدمها الدولة، حيث أن حوالي 57% من طلاب المدارس الحكومية في الوقت الراهن من السوريين، كما يستهلك اللاجئون أكثر من 26 مليون متر مكعب من المياه (أي 7% من إجمالي الاستهلاك اللبناني) وحوالي 300 ميجاواط من الطاقة الكهربائية. وقبل اندلاع الأزمة السورية، كان لبنان يعاني بالفعل من نقص وصل إلى 700 ميجاواط، حيث يبلغ الإنتاج المحلي 1500 ميجاواط في حين أن الطلب يصل إلى 2200 ميجاواط.

وتظهر الضغوطات جلية في قطاع الرعاية الصحية، إذ تعج المستشفيات الحكومية والخاصة باللاجئين منذ عام 2011. وفي عام 2013، ذهب نحو 40% من خدمات الطوارئ والرعاية الأولية إلى اللاجئين السوريين. وقد تغير الوضع قليلا منذ ذلك الحين.

ويترجم هذا الضغط السكاني بضغوطات مالية، فوفقاً للبنك الدولي، زاد الإنفاق العام مليار دولار خلال الفترة ما بين 2012 و2014، في حين قُدِّر العجز في الإيرادات بـ1,1 مليار دولار وبلغ إجمالي الخسائر المتصلة بالأزمة 7,5 مليار دولار خلال هذه الفترة.

ولم يسبب ارتفاع الإيجارات وتزايد البطالة أي حوادث رئيسية حتى الآن، ولكن برز تزايد في العِداء؛ فقد وقعت بعض الحوادث الفردية في البقاع على مدى الإثني عشر شهراً الماضية، بما في ذلك إحراق ممتلكات متعمد في إحدى المخيمات، إلا أن هذه ترتبط بشكل أكبر إلى التوترات بين السُنة والشيعة وليس إلى العوامل الاجتماعية الاقتصادية.

ويُقدر الأثر المالي والاقتصادي المرتبط فقط باللاجئين من قبل البنك المركزي بـ4,5 مليار دولار سنوياً. وفي بيان صدر مؤخراً، قال رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، وبناءً على دراسة قام بها البنك الدولي، أن كلفة اللاجئين السورين المباشرة على لبنان مليار دولار في العام، في حين تصل الكلفة غير المباشرة 3,5 مليار دولار. وقال أن التحسّن في التجارة الداخلية والاستهلاك لا يعوض التكاليف التي يتم تكبدتها.

الأثر الإيجابي

ومع ذلك، فقد ساهم اللاجئون السوريون أيضاً بالاقتصاد اللبناني وذلك وفقاً لبعض الخبراء الاقتصاديين. وكجزء من مشروع مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP)، قدّر الخبير الاقتصادي اللبناني كمال حمدان بأنّ الطلب من اللاجئين السوريين وحده ولّد ما نسبته 1,3% من النمو عام 2014، أي أكثر من نصف الإثنين بالمئة التي قدّرها صندوق النقد الدولي.

ومن ناحية أخرى، حركت الأزمة السورية بشكل غير مباشر، أنشطة مرفأ بيروت كنتيجة للإنخفاض الحاد في أنشطة الموانىء السورية في طرطوس واللاذقية. وارتفع عدد الحاويات بنسبة 8% في كل من عام 2013 و2014.

إقامة دائمة؟

يخشى محللون أن يواجه لبنان، على المدى الطويل، سيناريو مماثل للحالة الفلسطينية، حيث سيبقى أغلبية اللاجئين أكثر من نصف قرن بعد نزوحهم القسري.

ومؤخراً، قال الباحث الفرنسي فابريس بلانش أن على لبنان أن يكون على أتم استعداد لاستضافة مليون لاجىء سوري على الأقل بشكل دائم في حال بقي بشار الأسد في السلطة.

وعرض صندوق النقد الدولي، في أحدث تقرير له عن لبنان، فرضية العودة التدريجية للاجئين عام 2016، ومع ذلك سيبقى 30% من اللاجئين السوريين في لبنان عام 2019. ووفقاً لهذا السيناريو وبالنظر إلى متوسط النمو البالغ 3,7% سنوياً، ستنخفض البطالة حوالي 18% فقط مقارنة بما نسبته 20% في الوقت الراهن. وحتى في حال حصول نمو أكثر قوة، أي حوالي 5%، ستبقى نسبة البطالة أعلى من 15%.

وبعيداً عن الأثر الاقتصادي، فإن تجنيس اللاجئين السوريين في نهاية المطاف وعلى المدى الطويل يخل بالتوازن الطائفي الهش في لبنان، مما يجعل السُنة، الذين يشكلون في الوقت الحالي 25% من السكان (مقابل ما نسبته 30% حالياً من الشيعة)، أكثر أهمية من ناحية سكانية.

ونظراً لهذه الأوضاع، قررت الحكومة اللبنانية في وقتٍ مبكر هذا العام، تنظيم سوق العمل من خلال فرض إصدار تصاريح عمل للسوريين. ولتجديد إقاماتهم، يتوجب على اللاجئين الآن الإلتزام بعدم العمل أو يتوجب عليهم إيجاد صاحب عمل والتخلي عن وضعهم كلاجئين.

ومع ذلك، يعتقد بعض المحللين أن هذه التدابير قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتشجع الإجرام أو الإرهاب. وتم الإعلان عن هذه التدابير بعد أن قررت الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي خفض قيمة القسائم الغذائية الشهرية للاجئين من 30 دولاراً إلى 20 دولاراً للشخص الواحد.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles