وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أسعار النفط المنخفضة في دول مجلس التعاون الخليجي: مِنح تُقيّد ملوك النفط

أسعار النفط المنخفضة في دول مجلس التعاون الخليجي
بورصة دبي, الإمارات العربية المتحدة. Photo Corbis/Kami

وظائف مضمونة في القطاع العام، وإعانات سخية على الوقود والسلع الأساسية الأخرى، وخدمات عامة مجانية، ولا ضرائب تُذكر، هكذا يتم توزيع الثروة النفطية في دول الخليج. ومع انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014، وعدم وجود أي مؤشرات في أكتوبر 2015، على إرتفاعها في أي وقتٍ قريب، تدور بعض الشكوك عن مدى قدرة حكومات الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على تلبية توقعات شعوبها.

ومع ذلك، تعتبر بعض البلدان أكثر مرونة من غيرها، إذ تمتلك الدول الريعية الكبرى مثل الكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة خزائن أكبر، ويعود الفضل في ذلك إلى صناديق الثروة السيادية الضخمة وعدد السكان القليل، أي بشكلٍ أكثر من الدول الريعية المتوسطة مثل سلطنة عُمان، والبحرين، والمملكة العربية السعودية (العالقة منذ مارس 2015 في حرب مكلفة ولا نهاية لها في اليمن).

وأياً كانت الثروة التي تملكها هذه الدول، إلا أنّ الحياة الخالية من المشاكل طوال العقد الماضي أو نحو ذلك، باتت على المحك. ففي أبريل 2015، قدّر البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي قد ينخفض بمقدار 215 مليار دولار، أي حوالي ما نسبته 14% من ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة، لذا بات من الضروري الخروج بخطة للإصلاح، أو على الأقل التخفيف من العجز في الميزانية. ويمكن أن تختار الحكومات الحد من الإنفاق أو توليد المزيد من الدخل من مصادر أخرى غير النفط، ومع ذلك، يُعابر خوض أي من المسارين تحدياً كبيراً.

يبدو الخيار الأول، أي الحد من الإنفاق، سهلاً: بكل بساطة يمكن تخفيض الإعانات التي تحتل مساحة كبيرة من الميزانيات الوطنية. وهذا بالتحديد ما نصح به صندوق النقد الدولي الكويت مؤخراً للقيام به. كانت ردود الفعل غاضبة وفورية. “أي خطة لرفع الدعم مرفوضة على الإطلاق،” هذه كانت تصريحات الأكاديميين والسياسيين، كما وصفت هذه النصيحة بأنها “شكل من أشكال الاستعمار.”

وعلى الرغم من أن آراء ورغبات الناس غالباً ما يتم رفضها في هذه المنطقة، باستثناء الكويت، التي تمتلك، على الأقل على الورق، برلماناً فعالاً وقوياً، إلا أنّ هذه النصيحة كان لها آذانٌ صاغية في أروقة القصور الملكية. ومع الأخذ بعين الإعتبار انتفاضات الربيع العربي عام 2011، يخشى ملوك النفط الاضطربات والدعوات للتغيير في هيكل الدولة القوي وإرساء المزيد من الديمقراطية.

وإلى الآن، يبدو أنّ الحكومات اختارت اقتراض المزيد من الأموال (المملكة العربية السعودية) أو إطلاق الأفكار دون متابعتها (الكويت)، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين، اللتان قررتا خفض الدعم على الوقود والسلع الأخرى في عام 2015. تم قبول هذه التدابير بهدوء، وهذا ليس بالأمر المستغرب في دولٍ تفتقر إلى حرية التعبير، وحيث أنّ معظم السكان هم من العمالة الوافدة.

وأيضاً، بدلاً من خفض الدعم الذي تم الشعور به بشكلٍ مباشر، أوقفت الحكومات مشاريع البُنية التحتية الضخمة. فعلى سبيل المثال، أعلنت المملكة العربية السعودية، تأجيل مشروع الطاقة الشمسية البالغ تكلفته 109 مليار دولار مدة ثماني سنوات. إن إلغاء أو تأجيل المشاريع الضخمة مخرجٌ سهل، إذ لا يشعر الناس بالآثار المباشرة. وبالتأكيد سيشعرون بالغضب حيال المطار القديم أو الاختناقات المرورية التي لا تنتهي، إلا أنهم لن يخرجوا في مظاهراتٍ بسببها. ومع ذلك، يقول المواطنون أنه يجدر بالحكومة أولاً خفض المساعدات الخارجية.

أما بالنسبة للخيار الآخر، ألا وهو توليد المزيد من الدخل من مصادر أخرى، يعتبر أيضاً خياراً صعباً، لأن غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، كون الكويت الأقل تنوعاً في حين أن الإمارات العربية المتحدة أكثر تنوعاً، تمتلك القليل من المصادر الأخرى المحتملة، وبسبب صعوبة تنويع الإقتصاد بين عشيةٍ وضحاها، على إفتراض في المقام الأول، وجود خيارات قابلة للتطبيق.

اقترحت دولة الإمارات العربية المتحدة فرض ضرائب القيمة المضافة، إلا أنّ الأمر يستدعي التزام دول الخليج الأخرى بذات النهج، من أجل منع المنافسة غير المشروعة؛ الأمر الذي يبدو صعباً. فمن الصعب أن نرى الأشخاص ذاتهم الذين يرفضون أي خفض للمعونات يرحبون بفرض الضرائب على البضائع التي يبتاعونها: يشبه هذا تماماً الأخذ باليد اليسار ما تم إعطاؤه باليمين.

وبالنظر إلى مجريات الأمور في مراكز التسوق، لم يتراجع الإنفاق، على الرغم من أنّ المراكز المكتظة بطبيعة الحال لا تعني بالضرورة قوة شرائية مرتفعة. وعند سؤالنا لمجموعة من الشباب الكويتي إذا ما كانوا يدخرون في الإنفاق ويحفظون “القرش الأبيض لليوم الأسود” كما يُقال، أجابوا “لا، على الإطلاق.”

ومع ذلك، فقد سجلت البورصات الإقليمية تراجعاً حاداً منذ يوليو 2014، دون أي مؤشرات تُذكر بالتغيير. ووفقاً لوسائل إعلام إمارتية، تباطأت حركة مبيعات السيارات. ووفقاً لإحصاءات غير رسمية، يقول تجار التجزئة أنهم شهدوا مؤخراً تراجعاً في الإيرادات.

وعلى الأغلب، يؤجل المغتربون على وجه التحديد قرار شراء سيارة جديدة إلى حين تحسن الأوضاع. ففي النهاية، وظائفهم على المحك في المقام الأول. وعلى الأرجح، لن يتحول عرب الخليج من أغنياء إلى معدومين في القريب العاجل، كما لن “يعودوا إلى خيمهم” كما يقول بعض المغتربين. وبخاصة أولئك الذين يقطنون الدول الريعية الكبرى، الذين سينعمون بالراحة لفترة أطول.

أما الدول الريعية المتوسطة، فستشعر بالمشاكل في وقتٍ أبكر أو لربما تشعر بها حقاً الآن. ففي سلطنة عُمان على سبيل المثال، ارتفعت نسب البطالة عام 2015 بسبب مشاريع النفط التي تم إلغاؤها. وتُلقي عُمان باللائمة بشكلٍ جزئي على المملكة العربية السعودية لما تعانيه من مشاكل، إذ أن الاستمرار في الإنتاج المرتفع يسبب المعاناة للسلطنة بسبب انخفاض أسعار النفط.

يتوجب على الحكومات، دون أدنى شك وفي مرحلةٍ ما، تنفيذ التدابير التي لا تحظى بشعبية. ففي النهاية، تعتبر سياسة الصدقات غير مستدامة، حتى وإن أو عندما ترتفع أسعار النفط مجدداً. فبكل تأكيد، جلب النفط الثروة للعديد من الأشخاص (ليس الجميع بكل تأكيد)، إلا أن المنطقة تفتقر إلى التعليم والابتكار والتنويع.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles