وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

توقعاتٌ ببدء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية في يوليو

Lebanon- Israel-Lebanon Maritime
وزيرة الطاقة اللبنانية ندى البستاني تعرض خريطة لكتل الغاز والنفط في البحر المتوسط، في 12 يونيو 2019. Photo AFP

من المتوقع أن تبدأ المفاوضات بين إسرائيل ولبنان في يوليو 2019 على مساحة قدرها 860 كيلومتر مربع من المياه البحرية المتنازع عليها قبالة ساحل البحر المتوسط. أصبح النزاع معادياً بشكلٍ متزايد منذ عام 2009، في أعقاب اكتشاف احتياطيات النفط والغاز في الحوض الشرقي والتي قد تولد ما يصل إلى 600 مليار دولار على مدار العقود القليلة القادمة.

بيد أن بداية النزاع تعود إلى أبعد من ذلك، إلى عام 2007، عندما وقع لبنان وقبرص اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والتي تحدد سلسلةً من النقاط على مسافة متساوية من كلا البلدين. ومع ذلك، لم يُصادق البرلمان اللبناني قط على الاتفاقية ولم تدخل حيز التنفيذ بسبب الرفض التركي لجميع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية الموقعة من قِبل قبرص. بعد ذلك، في أبريل 2009، تم إنشاء لجنة لبنانية لتحديد وإكمال إحداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.

بعد موافقة مجلس الوزراء في عام 2009 والبرلمان في عام 2011، قدم لبنان الإحداثيات إلى الأمم المتحدة. تمت إعاقة هذه الخطوة بسبب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين قبرص وإسرائيل في ديسمبر 2010، والتي شجبها لبنان باعتبارها تشكل انتهاكاً لمنطقتها الاقتصادية الخالصة.

تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالتوسط بين إسرائيل ولبنان منذ عام 2011، لكن التقدم الأخير يعزى إلى دبلوماسية الوسيط المتنقل ديفيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى.

تأتي هذه المفاوضات في وقتٍ حساس للغاية في المنطقة، في ظل المواجهة ما بين إيران والولايات المتحدة في الخليج وتصاعد التوترات بين إسرائيل والجماعة المسلحة اللبنانية المدعومة من إيران والحزب السياسي، حزب الله. ففي 19 يونيو، نظمت إسرائيل أكبر مناوراتها العسكرية منذ سنوات، حيث قام الآلاف من الجيش والقوات البحرية والقوات الجوية بمحاكاة صراعٍ محتمل مع حزب الله.

وقبل شهر، حذر زعيم حزب الله، حسن نصر الله، من أنه إذا ما عرقلت إسرائيل استغلال لبنان لموارده الخاصة، سيقف حزب الله في وجهها. وفي فبراير 2018، حذر أيضاً من “شياطين” الولايات المتحدة وأصر على أنه لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة “وسيطًا صادقاً.”

وبالنظر إلى نفوذ حزب الله في الحكومة اللبنانية – إذ يتمتع بوصولٍ إلى الوزارات الرئيسية – لم تكن قيادة البلاد لتوافق على التفاوض مع إسرائيل دون موافقة الحزب. وبالتالي يتبادر إلى ذهن المرء سبب قبول حزب الله خوض المحادثات.

في تحليلٍ للسياسات لمعهد واشنطن، تحدد حنين غدّار ثلاثة عوامل. أولاً، في حال نجاح المفاوضات، ستخفف الضغوط الاقتصادية على لبنان، وهي نتيجة لا يمكن لحزب الله تجاهلها، وباعتباره جزءاً من الحكومة، يمكن للناخبين الآن تحميله المسؤوليه عن الأزمة الاقتصادية العميقة في البلاد. ثانياً، يواجه حزب الله أزمةً مالية خاصة به في أعقاب العقوبات الأمريكية ضد راعيه الإيراني ولا يستطيع تحمل خوض نزاعٍ كبير مع إسرائيل. وأخيراً، يصر تحليل غدّار على عدم رغبة حزب الله في أن يُنظر إليه على الساحة الدولية باعتباره الطرف الذي يقف في طريق صفقةٍ مربحة، خاصة وأن لبنان منح بالفعل عقوداً لمجموعة شركات فرنسية وإيطالية وروسية في أبريل 2018 لبدء الحفر الاستكشافي للكتلتين، بما في ذلك الكتلة 9، التي تقع في المنطقة المتنازع عليها.

قد يطمئن حزب الله أيضاً إلى حقيقة أن نبيه بري، رئيس البرلمان ورئيس حركة أمل المؤيدة لحزب الله، سيتولى قيادة المحادثات عن لبنان. ففي خطابٍ ألقاه في 31 مايو، قال نصر الله: “نقف خلف الدولة ونحن نثق بالمسؤولين المتصدين لهذا الملف [النزاع الحدودي] ونحن لا نتتدخل في هذا الملف.”

فقد وافق لبنان على التفاوض مع إسرائيل بشرط استيفاء ثلاثة شروط؛ أولاً، إجراء المحادثات تحت إشراف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، في مقرها في الناقورة، جنوب لبنان.

ولطالما انتقدت إسرائيل دور اليونيفيل في لبنان إلا أنها وافقت على هذا الشرط شريطة أن تشارك الولايات المتحدة، حليفها الدولي الرئيسي، أيضاً في المحادثات. وبناءً على مطالب لبنان، ستعمل الولايات المتحدة كميسر بدلاً من وسيط.

ثانياً، ينبغي مناقشة الحدود البحرية والبرية معاً. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري كانا سعداء بتقييد المفاوضات حول الحدود البحرية والتركيز على تمكين استغلال موارد البلاد. ومع ذلك، دفع بري لإجراء مفاوضاتٍ متزامنة، بحجة أنه إذا ما تم التوصل إلى اتفاقٍ لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فإن الأخيرة قد تهمل المفاوضات حول الحدود البرية.

يتعلق النزاع البري حول مساحةٍ صغيرة تعرف باسم مزارع شبعا على الحدود بين إسرائيل ولبنان وسوريا، حيث تدعي كل من سوريا ولبنان السيادة على المنطقة التي تحتلها إسرائيل.

وافقت إسرائيل على الشروط اللبنانية، إلا أن مفاوضات الحدود البرية قد تكون مجرد واجهة. ففي مقابلةٍ مع الجزيرة، قال الدكتور مكرم رباح، الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت، إن “الحكومة اللبنانية تقول أنهم سيخوضون محادثاتٍ حول النزاع البري فحسب، إلا أن هذا مستحيل دون السوريين. أضافت وزارة الخارجية هذا الأمر في البيان كإجراء لحفظ ماء وجه حركة أمل وحزب الله.”

وأخيراً، في حين أن إسرائيل كانت في الأصل راغبة في تحديد فترة ستة أشهر للتوصل إلى اتفاق، ضغط لبنان من أجل مفاوضاتٍ مفتوحة.

فقد بدأت إسرائيل التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط منذ 20 عاماً، ووفقاً لتحليل أجرته أورنا مزراحي وعوديد عيران لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن أكثر من ثلثي الكهرباء المنتجة في إسرائيل تأتي من الغاز الطبيعي. وبالتالي، فمن غير المرجح أن يؤدي حل النزاع مع لبنان إلى تغيير إمدادات الغاز الطبيعي لإسرائيل. الكمية الحالية تكفي لتلبية الاحتياجات المحلية وكذلك عقود توريد الغاز مع السلطة الفلسطينية والأردن ومصر.

كما أفادت صحيفة ميدل إيست آي عن مصادر سياسية مطلعة قولها إنه ينبغي قراءة مرونة إسرائيل الواضحة في السياق الأوسع لما يسمى بـ “صفقة القرن،” التي من المفترض أنها تهدف إلى تسوية النزاع بين إسرائيل ومعظم الدول العربية.

تزعم مزراحي وعيران أنه إذا توصل لبنان وإسرائيل إلى اتفاقٍ بشأن حدودهما، فمن المحتمل أن يخلق التنقيب عن الغاز مصالح اقتصادية مشتركة بين البلدين، على الرغم من أنهما في حالة حرب منذ عام 1948 ولا تربطهما أي علاقاتٍ دبلوماسية.

وبحسب صحيفة ميدل إيست آي، فإن الوضع الاقتصادي الجديد الذي قد ينجم عن التنقيب عن الغاز قد يؤثر سلباً على تصور ترسانة حزب الله العسكرية في لبنان وخارجه، مع وجود أصواتٍ أعلى تدعو إلى تطوير استراتيجية دفاعية من شأنها دمج ترسانة الحزب ضمن هيكلٍ قانوني يعتمد على الدولة اللبنانية.