وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحكومة اللبنانية لا تحرك ساكناً في ظل الإنهيار المالي الذي يلوح في الأفق

Lebanon currency crisis
متظاهرون لبنانيون يشتبكون مع رجال شرطة مكافحة الشغب أثناء محاولتهم اختراق الحواجز الأمنية أمام رئاسة مجلس الوزراء خلال مظاهرة في ساحة الشهداء بوسط بيروت في 29 سبتمبر 2019. Photo: ANWAR AMRO / AFP

يواجه لبنان أزمة عملاتٍ في عام 2019 تهدد بإرسال البلاد، التي تعاني بالفعل من وضعٍ اقتصادي متزعزع، إلى الإفلاس التام. فقد اندلعت الاحتجاجات، لكن يبدو أن قادة البلاد لا يرغبون أو لربما غير قادرين على الرد.

لمرتين حتى الآن، خرج الناس إلى شوارع بيروت، وطرابلس، ثاني أكبر مدن لبنان، وبعلبك، مطالبين الحكومة بإيجاد حلٍ للأزمة المالية الوشكية وارتفاع مستويات الفقر.

خلال الاحتجاج الأول في 29 سبتمبر، قال أحد المتظاهرين في بيروت لوكالة رويترز: “خرجنا للمطالبة بالعيش الكريم. نريد أن نقول للنواب والوزراء وجميع الطبقة الحاكمة أنه إذا كانوا لا يريدون رد ما سرقوا، فعليهم على الأقل التوقف عن السرقة حتى يتمكن الناس من العيش.”

فقد كان المتظاهر يتحدث عن الفساد الذي يعزى إلى الطبقة الحاكمة، حيث احتل لبنان المرتبة 143 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2017. كما سجلت البلاد 28 نقطة من أصل 100 فيما يتعلق بمستوى الفساد، إذ كلما اقتربت البلاد من الصفر كانت أكثر فساداً.

هذه السمعة تهم المواطنين اللبنانيين على نحوٍ أكبر، إذ بات العديد منهم يعانون من الحصول على أموالهم. فمنذ أكثر من 20 عاماً، تم ربط الليرة اللبنانية بالدولار لمنع التضخم المفرط والانهيار الاقتصادي بعد نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، ويعادل الدولار الواحد معدلاً ثابتاً قدره 1500 ليرة.

في الأسابيع الأخيرة، تراجع سعر صرف الليرة وتحاول البنوك الاحتفاظ بأي مخزون تملكه من الدولارات، بينما يحاول المواطنون والمقيمون في لبنان سحب العملة من حساباتهم المصرفية.

يتفاقم انهيار العملة بسبب تدابير التقشف الحكومية مثل الضرائب الجديدة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ضعف فرص العمل والنمو الاقتصادي.

وبحسب ما قاله لنا في فَنَك في 6 أكتوبر جاد شعبان، الاستاذ المشارك في الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت، “هناك ركود ناتج عن ارتفاع أسعار الفائدة لجذب الدولار الأمريكي إلى الاقتصاد، وقد أدى هذا الارتفاع إلى تباطؤ الاستثمارات والنمو، وكذلك انخفاض النشاط الاقتصادي بسبب حالة عدم اليقين والاقتتال السياسي.”

وأضاف “ترافق الركود الاقتصادي مع ارتفاع الأسعار والتضخم، وهي ظاهرة تسمى ‘الركود التضخمي.‘ وفي حال لم تقم السلطات بسن إصلاحاتٍ اقتصادية ومالية ونقدية واسعة النطاق، فإن هذا الركود التضخمي سيستمر لفترة أطول من المتوقع ويسبب خسائر في الوظائف والدخل وارتفاع معدلات الفقر.”

وبعبارةٍ أخرى، فإن السكان الذين يعانون بالفعل مهددون بالفقر الذي يلوح في الأفق لأن القيادة لم تتخذ الخطوات الحاسمة والضرورية لحمايتهم اقتصادياً. ومن وجهة نظر شعبان، فإن حلول البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وخبراء الاقتصاد النيوليبراليين ليست السبيل لحل المشكلة.

وقال شعبان أيضاً، “لا تعمل ميزانية التقشف في ظل الركود التضخمي، وبما أن القطاع الخاص لا ينفق على الاستثمارات وخلق فرص العمل- لأن القروض مرتفعة للغاية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير – لذلك تحتاج الحكومة إلى التدخل وزيادة إنفاقها على الكفاءة ومشاريع خلق الوظائف، من خلال السياسات العامة التوسعية وليس الإنفاق المهدر والفاسد،” مضيفاً، “الميزانية اللازمة لتمويل التوسع في الإنفاق العام ستأتي من ضرائب أعلى على الفوائد والعقارات وغيرها من مصادر أخرى للدخل المزعوم في أيدي أقلية من الأفراد الأثرياء للغاية.”

ومع ذلك، لا يبدو أن الحكومة تحرك ساكناً لتهدئة الذعر العام، حيث وصل الحد بـ بالسكان إلى إخفاء ملايين الدولارات في منازلهم. وفي هذا السياق، قال شعبان “تلعب الحكومة لعبة الانتظار والترقب، وتأجيل الحلول الحقيقية إلى أن يتم إنشاء حزمة مساعدات إقليمية – من خلال دول الخليج – أو حتى بدء التنقيب عن النفط والغاز، على الرغم من عدم ضخ هذه المشاريع أي أموال لمدة تتراوح ما بين خمس إلى سبع سنوات.”

فقد تم اكتشاف عدد من حقول النفط والغاز البحرية الكبيرة منذ عام 2009 في المياه القبرصية والإسرائيلية واللبنانية والمصرية. وفي فبراير 2018، وقع لبنان على أول الاتفاقيات لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز في الخارج مع اتحاد شركات توتال- إيني- نوفاتيك للكتلتين 4 و9.

يغطي جزء من الكتلة 9 المياه المتنازع عليها مع إسرائيل المجاورة، التي تخوض حرباً مع لبنان منذ عام 1948، إلا أن اتحاد الشركات سبق وصرّح أنه لا توجد أي خطط للتنقيب في المنطقة المتنازع عليها.

على الرغم من وصفه بالحل المعجزة للانتعاش الاقتصادي في لبنان، إلا أنه لربما لن يكون هناك أي تأثيرٍ يذكر لاكتشافات النفط والغاز هذه في السنوات القليلة المقبلة، واعتماداً على كيفية إعادة توزيع هذه الموارد، ربما لن يشعر السكان بأي تأثير فعلي.

وعلى صعيدٍ متصل، تحول الشعور باليأس إلى غموضٍ في أعقاب الخبر الذي كشفته ونشرته صحيفة نيويورك تايمز في 30 سبتمبر ومفاده أن رئيس الوزراء سعد الحريري قدم أكثر من 16 مليون دولار لعارضة ملابس البحر الجنوب أفريقية، كانديس فان دير مروي، التي ذكر التقرير أنه جمعتها علاقة رومانسية بالحريري بعد أن التقيا في أحد المنتجعات الفاخرة في جزر السيشيل، وذلك وفقاً لوثائق من إحدى محاكم جنوب إفريقيا التي حصلت عليها الصحيفة.

ووفقاً للمقال، “لم يكن رئيس الوزراء سعد الحريري في منصبه عندما أرسل الأموال لعارضة الأزياء ابتداءً من عام 2013. لذلك، لا يبدو أن التحويل قد انتهك أي قوانين لبنانية أو قوانين دولة جنوب أفريقيا. إلا أن كشف إحدى القضايا هذا العام من محكمة في جنوب إفريقيا عن الهدايا الضخمة التي تلقتها العارضة الشابة يتزامن مع أوقاتٍ صعبة للغاية للسيد الحريري، السياسي السُني الأهم في لبنان والحليف الأمريكي.”
بعد نشر المقال، قال الحريري في تعليقاتٍ أصدرها مكتبه، إنه “مهما شنوا من حملات ضدي ومهما قالوا أو كتبوا أو فعلوا سأستمر في العمل ولن أتوقف. صحيح أننا نمر بأوضاع اقتصادية صعبة ولهذا علينا اتخاذ قرارات جريئة وهذا أمر غير قابل للنقاش. كلما قمنا بإنجاز ما، يأتي من يهاجم هذا الإنجاز.”

فقد كشفت تعليقاته أن الطبقة الحاكمة بعيدة كل البعد عن واقع أولئك الذين من المفترض أنها تمثلهم.

وقال أحد العاملين في مجال الإعلام في منصة يمولها الحريري لموقع ميدل إيست إي الإخباري، “الجميع محبطون، وقلقون، خاصة بالنظر إلى الوضع الاقتصادي.” وأضاف، “[هذا] علاوة على القلق بشأن ما إذا كنا سنحصل على أموالنا أو متى […] ومع ذلك، كانت رؤية الأخبار التي تتحدث عن إنفاق 16 مليون دولار على شيء مريبٍ للغاية بمثابة الصفعة على الوجه في الوقت الذي لم يحصل فيه الناس على رواتبهم منذ شهور.”

وعلى الرغم من الإحباط المنتشر على نطاقٍ واسع والمخاوف بشأن المستقبل، فمن غير المرجح أن تؤدي إلى تحوّل مباشر لمسار الحكومة، أو حتى تغيير النظام بسبب التمرد.

وفي هذا السياق، قال شعبان: “الشعب اللبناني منقسم على أسسٍ طائفية، كما أنه دائماً ما يكون رهناً للطبقة الحاكمة التي توفر الخدمات الأساسية كشريان حياة.”

ويبقى أن نرى ما إذا كان الحفاظ على شريان الحياة هذا سيستمر لفترةٍ أطول أم لا.