وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أوبك تُعيد إحياء نفسها من جديد

Specials- OPEC
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح (يسار) يتحدث إلى الصحفيين أثناء حضوره المؤتمر الوزاري الـ175 للدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، في فيينا- النمسا، في السادس من ديسمبر عام 2018. Photo AFP

منذ أن أعلنت قطر نيتها الإنسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط بحلول بداية العام المقبل، باتت التكهنات بموت أوبك اللغة الغالبة مرةً أخرى، مما أثار مخاوف بأن تحذو دولٌ أعضاءٌ أخرى حذوها.

ففي نهاية المطاف، كانت قطر واحدةً من أولى الدول الشرق أوسطية التي تنضم إلى المنظمة في عام 1961. آنذاك، كان العالم يفعل المستحيل للحصول على النفط، في حين كان لدى قطر مصادر أخرى قليلة للثروة. وبينما كانت المملكة العربية السعودية تُسيطر على أوبك، كانت المنظمة ككل تتمتع بالقوة لإغراق العالم بالركود بقرارٍ منفرد.

فقد كان خبير النفط الأمريكي موريس أدلمان واحداً من العديد من الأشخاص الذين كانوا ينظرون في الماضي إلى منظمة أوبك على أنها منظمة كارثية واتحاداً احتكاري يهدف لخدمة نفسه. وكلما بدا أن المنظمة تفقد أهميتها، سارع أدلمان إلى التنبؤ بموت أوبك.

ففي عام 2001، كتب أن المنظمة فشلت في التنبؤ بدقة بطلب السوق أو إنتاج النفط، مما جعل بعض أعضائها يتصرفون من جانبٍ واحد خلف الأبواب الموصدة. وأشار إلى أن النتيجة تمثلت بالتغير المفاجىء وغير المتوقع في أسعار النفط العالمية.

وبعد مرور 15 عاماً، بدا أن توقعات أدلمان تعكس المستقبل. ففي يونيو 2016، التقى أعضاء أوبك في فيينا، بيد أنهم فشلوا في الاتفاق على إجراءاتٍ من شأنها دعم سعر النفط وتخفيف المشاق الاقتصادية لمنتجي النفط الرئيسيين. والأسوأ من ذلك، لم تصل المنظمة إلى توافقٍ حول السقف الإجمالي أو حدود موارد كل عضو.

وبحسب جيريمي وارنر، كاتب عمود في صحيفة ذا تليجراف البريطانية: “فقدت منظمة أوبك السيطرة على أسواق النفط ولا تظهر أي علامة على الانضباط الجماعي اللازم لاستعادتها.”

كانت حقيقة أن كل عضو في المنظمة يعاني مشكلةً اقتصادية مختلفة أصل المُعضلة. بل إن العلاقة التجارية بين المملكة العربية السعودية وإيران – اللتان تعتبران غريمتين متنافستين في الشرق الأوسط – مثالاً جيداً في هذا الصدد. فقد أرادت السعودية السماح لقوى السوق بإملاء سعر النفط للقضاء على منافسيها، بينما كانت إيران تدفع باتجاه زيادة إنتاجها النفطي لإحياء الاقتصاد المتعطش للنقد الناتج عن سنواتٍ من العقوبات.

وعلى الرغم من التوترات، ونبوءات اقتراب نهاية المنظمة التي لا حصر لها والتي تلت ذلك، تمكنت أوبك من إعادة إنعاش نفسها في مارس 2018 من خلال توقيع اتفاقٍ مع روسيا لخفض إمدادات النفط. وبينما ساعد الانهيار التام لصناعة النفط في فنزويلا على تقليص إنتاج النفط، أصبح من الواضح أن هناك الآن تعاوناً أكبر بين أوبك والبلدان غير الأعضاء في منظمة أوبك، وبشكلٍ أكثر من أي وقتٍ مضى.

ومع ذلك، تخاطر الصفقة مع روسيا بإثارة عداء الرئيس دونالد ترمب، الذي طلب من أعضاء أوبك، بشكلٍ خاص، رفع الإنتاج لخفض الأسعار العالمية.

يكمن قلق أوبك الأكبر في ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي منذ عام 2011 بسبب التكسير الهيدروليكي، وهي عملية تنطوي على تفجير الصخور تحت الأرض بسوائل ذات ضغط مرتفع للاستفادة من النفط والغاز داخلهما. يعرف هذا النفط غير التقليدي بالصخر الزيتي، الذي توقعت أوبك أن ينضب، ولكن مع انخفاض الأسعار بين عامي 2014 و2016، قررت منظمة أوبك أخيراً الحد من العرض.

تسببت هيمنة الصخر الزيتي، إلى جانب الإنقسامات التي عصفت بأعضاء أوبك وحلفائهم من خارج أوبك، بتوقع بعض الخبراء فشل المنظمة. حتى أن أحد المعلقين البارزين في صحيفة فاينانشيال تايمز صرح أن اعتماد أوبك على الدول الرئيسية المنتجة للنفط ينذر بزوالها.

من الواضح الآن أن جميع هؤلاء الخبراء كانوا على خطأ. ففي حين أن منظمة أوبك قد لا تكون تتمتع بالقوة التي كانت عليها في السابق، إلا أنها لا تزال على قيد الحياة إلى حدٍ كبير، ويمكّن تحالفها مع روسيا المنظمة من التعاون مع 10 دولٍ أخرى من غير الأعضاء، وهو أمرٌ غاية في الأهمية للحد من أسعار النفط العالمية، حيث أن منظمة أوبك لا تمثل سوى 40% من إجمالي إمدادات العالم.

ويؤكد جيسون بوردوف، وهو مديرٌ سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، على أن تعاون الرياض مع موسكو يضمن حصول الأخيرة على صوت مسموع في تنظيم أسعار النفط لسنواتٍ قادمة.

ومع ذلك، لا تزال السعودية تتمتع بأكبر قدرٍ من القوة، ففي 10 ديسمبر، أقنعت المملكة 24 شركة منتجة للنفط بخفض إمداداتها.

وتوقع معظم الخبراء أن تقوم السعودية بخفض الإنتاج، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المملكة تحتاج إلى رفع سعر النفط لموازنة ميزانيتها، وفقاً لصندوق النقد الدولي. كما كان واضحاً أن السعودية ستسعى إلى تخفيض أكبر قدرٍ من الإمدادات، ذلك أن إنتاجها للنفط يبلغ ضعفي إنتاج ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك.

وبحسب ما كتب بوردوف في مجلة فورين بوليسي، “على الرغم من الحديث عن ارتفاع الطلب على النفط وهيمنة الولايات المتحدة على الطاقة، فإن الأثر المباشر لهذه الصفقة على أسعار البنزين الأمريكية هو بمثابة تذكير بأن النفط لا يزال يشكل نقطة ضعفٍ جيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة وأن الحديث عن ‘هيمنتها على الطاقة‘ كان مبالغاً فيه.”

ومع ذلك، يبدو أن ترمب على أتم الاستعداد للقيام بكل ما يلزم لخفض أسعار النفط. بل إن هناك تقارير تفيد بأن هناك اهتماماً متجدداً بمشروع قانون نوبك (لا لإنتاج وتصدير النفط)، وهو تشريعٌ تمت صياغته خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش.

إن مثل هذا القانون من شأنه أن يُعرّض أعضاء أوبك للدعاوى القضائية الأمريكية. وعلى وجه الخصوص، بموجب مشروع القانون، سيصبح من غير القانوني على أعضاء أوبك حجب النفط أو الغاز أو تحديد الأسعار. وعليه، تضغط المملكة العربية السعودية على إدارة ترمب لعرقلة مشروع القانون، في حين تحذر شركات النفط الكبرى من أن دولاً أخرى قد تنتقم من الولايات المتحدة في حالة تمرير مشروع القانون.

وخلافاً لرؤساء الولايات المتحدة السابقين، يمكن أن يدعم ترمب مشروع القانون لكسب شعبية قبل الانتخابات القادمة. ومن شأن هذه الخطوة أن تخفض أسعار النفط وتسمح لترمب بتصوير نفسه كرجلٍ قوي يضغط على السعوديين والروس.

وقال جو مكمونيجل، كبير محللي سياسات الطاقة في مركز هيدجاي بوتوماك للأبحاث، لرويترز: “تُثير أوبك حفيظة [ترمب].” وأضاف “يعتقد الجميع أن بإمكانه دعم مشروع قانون نوبك بسهولة.”

ولكن حتى في حال الموافقة على مشروع القانون، الذي يقول معظم المعلقين أنه أمرٌ غير محتمل، لن تموت منظمة الأوبك. ومع مشاركة روسيا الآن، قد يخلق الاتحاد الإحتكاري سيء السمعة مزيداً من الصداع للولايات المتحدة أكثر من أي وقتٍ مضى.