وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السلطة الفلسطينية تواجه أزمةً مالية

Palestine- PA crisis
نساء فلسطينيات يحرقن صورة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مظاهرة للاحتجاج على سياسة ترامب ، خارج مكتب تابع للقنصلية الأمريكية في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة ، في سبتمبر / أيلول 4 ، 2018.
Photo AFP

بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي لعام 1994 -التابع لاتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الاتفاق التعاقدي الذي يحكم العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والفلسطينيين- تجمع إسرائيل الجمارك والضرائب بالإنابة عن الفلسطينيين، والتي تقدر شهرياً بحوالي 220 مليون دولار، وتحصل إسرائيل على عمولة اثنين في المئة من قيمة المبلغ.

على الرغم من انتهاء صلاحية البروتوكول بشكل رسمي منذ ما يقرب من عقدين، أصرت إسرائيل ان تبقى الصادرات والواردات الفلسطينية عبر البوابة الإسرائيلية لعدم إضفاء صفة السيادة على الحدود للسلطة الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية أخرى من اجل التحكم في الجزء الأكبر من الموارد المالية الفلسطينية.

وعليه، صادق الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 3 يوليو 2018 على قانونٍ لمعاقبة السلطة الفلسطينية مالياً على خلفية دفعها رواتب لعائلات المعتقلين في السجون الإسرائيلية وعائلات الشهداء الفلسطينيين الذين قتلوا على أيدي القوات الإسرائيلية. وبموجب القانون، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بحجب مبلغ 138 مليون دولار على شكل تحويلات ضريبية للسلطة الفلسطينية بتاريخ 17 فبراير 2019. هذا المبلغ هو ما قدرته الحكومة الإسرائيلية قيمة الرواتب المدفوعة سنوياً لعائلات الاسرى والشهداء الفلسطينيين، حيث يقبع في سجون الاحتلال هذه الأيام ما يقارب من 5700 فلسطيني وفلسطينية.

يأتي هذا التجميد في الوقت الذي واجه فيه الفلسطينيون تخفيضات كبيرة في الميزانية العام الماضي بعد أن جمدت الولايات المتحدة المخصصات المالية السنوية للسلطة الفلسطينية وكذلك تمويل برنامج وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا). في عام 2018 وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانون تايلور فورس، الذي يطالب الحكومة الامريكية بقطع مساعداتها الاقتصادية للسلطة الفلسطينية طالما استمرت في دفع مبالغ للأسرى الفلسطينيين الحاليين او السابقين، وكذلك لعائلات الشهداء الفلسطينيين.

على مر الاعوام، استخدمت الحكومة الإسرائيلية اتفاق أوسلو كقوةٍ سياسية على السلطة الفلسطينية، حيث تم تجميد عائدات الجمارك والضرائب الشهرية كوسيلة للضغط أو العقاب للتأثير على السياسة الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، أثناء الانتفاضة الثانية (2000-2005)، وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006، وكردة فعلٍ من قبل إسرائيل بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لرفع السلطة الفلسطينية لتصبح دولة مراقبة دائمة في الأمم المتحدة في عام 2012.

لهذا السبب تعالت الأصوات الفلسطينية بأن هذه الممارسات وصفت بالسرقة والقرصنة من قبل الدولة الإسرائيلية على حساب التنمية الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية.

Palestine Revenues 3000
Source: Palestine Monetary Authority Depending on PCBS and MOF Data. Click to enlarge. @Fanack.com ©Fanack CC BY 4.0

تدابير التقشف

تعتمد السلطة الفلسطينية على مجموعة من القنوات للإيرادات السنوية، حيث بلغت في العام 2018 ما يقارب 3.8 مليار دولار، أهمها مقاصة الجمارك والضرائب على الواردات الخارجية والتي تبلغ حوالي 60-65% من اجمالي الإيرادات السنوية، بالإضافة الى إيرادات ضريبة القيمة المضافة للسلع والخدمات، وضريبة الدخل السنوية، وجباية الرسوم على الخدمات العامة للوزرات المختلفة والتي تبلغ حوالي 20-25% سنوياً، بالإضافة الى الدعم الخارجي للميزانية العامة وللمشاريع التنموية والتي تبلغ حوالي 15% سنوياً.

بعد صدور القرار الإسرائيلي باقتطاع أموال من المقاصة، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه سيعطي أوامره لوزارة المالية بأن الأولوية بدفع المخصصات الشهرية لذوي الاسرى والشهداء كاملة وبعد ذلك تدفع أجزاء من الرواتب الشهرية للموظفين الحكوميين.

وعليه، أعلن وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة، عن آلية صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية لشهر مارس، حيث أشار إنه سيتم صرف الرواتب كاملة، لكل من راتبه أقل من 2000 شيكل (550 دولار). وهذا يعني أن 40% من الموظفين ستصرف رواتبهم كاملة. وأضاف أن الحد الأعلى لصرف الرواتب سيكون 10 آلاف شيكل (2,755 دولار)، ومنهم الوزراء. أي انه تمت حماية الرواتب المتدنية والتوفير كان باتجاه ذوي الرواتب العالية.

وأثناء كلمته في القمة العربية في تونس في 31 مارس، نوه الرئيس عباس إلى الازمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، ودعا الى تفعيل قرارات القمم السابقة بتوفير شبكة أمان مالية والوفاء بالالتزامات المالية بدعم موازنة دولة فلسطين. حيث سارعت السعودية بدفع مبلغ 40 مليون دولار لدعم الميزانية الفلسطينية، وهو ما يعتبر إشارة الى باقي الدول العربية بالتضامن مع السلطة الفلسطينية.

مستقبلٌ يشوبه الضباب

في الأعوام الماضية تقلصت أموال الدعم الدولي الخارجي للسلطة الفلسطينية، حيث بلغت ما يقارب حوالي 520 مليون دولار امريكي فقط، أي ما يقارب 15% من اجمالي الإيرادات السنوية. وفي ضوء العلاقة السياسية المتأزمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفي ضوء العجز الكبير في الميزانية، فإن المستقبل القريب يشير الى ان السلطة الفلسطينية بالكاد ستستطيع ان تغطي جزءاً من النفقات العامة، بما في ذلك دفع تكاليف النفقات الجارية للوزرات الخدماتية المختلفة، مثل الصحة والتعليم. الحلول التي لجأت اليها السلطة الفلسطينية باقتراض جزء من الأموال من البنوك الفلسطينية، وباقتطاع جزء من مرتبات الموظفين، تعتبر حلولاً قصيرة المدى، ويمكن ان تعتمد عليها لبضعة شهور فحسب.

ومما لا شك فيه، فإن العجز المالي الكبير سيحد من مساحة المناورة السياسية لدى السلطة الفلسطينية وسيضعها على حافة الانهيار المالي. هناك اجماعٌ فلسطيني بأنه لا يمكن التضحية بأولئك الذين ضحوا بأنفسهم وضحوا بحريتهم ويقبعون في السجون من اجل القضية الفلسطينية.

وهنا سوف يجد الرئيس الفلسطيني نفسه بين أمرين احلاهما مر. فقد لوح عباس عدة مرات بأنه سيوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وعلى الرغم من أنه لم ينفذ تهديده هذا قط، إلا أن هناك مخاوف متزايدة من أن الأمن سيتعرض للخطر إذا ما تلاشى عدم الرضا عن السلطة الفلسطينية وتحوّل إلى غضب.

كما أن غياب التنسيق الأمني يعني أن ساحة الضفة الغربية ستصبح ساحة اقتتال بين النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية والمستوطنين الإسرائيليين.