وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الغموض يكتنف مستقبل قطر مع استمرار الخصام الدبلوماسي

Qatar- Sheikh Tamim bin Hamad Al Thani
قطريون يكتبون تعليقاتٍ على جدارية تحمل صورة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في الدوحة. Photo AFP

تمكنت دولة قطر الغنية حتى الآن من تجاوز الحصار الاقتصادي المستمر منذ 6 أشهرٍ تقريباً والذي فرضته عليها دول الحصار بقيادة السعودية في يونيو 2017 من خلال صرف احتياطاتها المالية وتوسيع نطاق تعاملاتها مع إيران وتركيا. ولكن مع استمرار الأزمة، يبدو مستقبل البلاد غامضاً على نحوٍ متزايد.

فقد قطعت المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، واتهمت الدولة الخليجية برعاية الإرهاب، كما تم إغلاق الطرق الجوية والبحرية والبرية إلى قطر، على الرغم من أن مصر لم تقطع الوصول إلى قناة السويس.

وإلى الآن، لا تلوح في الأفق أي مؤشراتٍ على نهايةٍ فورية للأزمة. بل في الواقع، وسعت دول الحصار في نوفمبر 2017 القائمة السوداء للجماعات والأفراد ممن لديهم علاقاتٍ إرهابية مزعومة لتشتمل على منظمتين إضافيتين، وهما الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، و11 فرداً بمن فيهم مدير إدارة الإغاثة والتنمية الدولية بالهلال الأحمر القطري. ويُزعم أن جميعهم “نفذوا عملياتٍ إرهابية مختلفة تلقوا فيها دعماً قطرياً مباشراً.”

وعليه، تقدمت قطر بشكوى ضد دولة الإمارات العربية المتحدة لدى منظمة التجارة العالمية بشأن الحصار. وافقت منظمة التجارة العالمية على تشكيل لجنة للبت في القضية، بيد أن العملية قد تستغرق شهوراً أو حتى سنواتٍ للتوصل إلى حل.

وقد أثارت القيود التجارية في البداية مخاوف من نقصٍ وشيك في الغذاء في قطر، التي تستورد حوالي 40% من غذائها عبر المملكة العربية السعودية، والباقي من خلال موانىء دولة الإمارات العربية المتحدة. ولكن تبيّن أن الوضع أقل سوءاً، فقد أشار صندوق النقد الدولي في أكتوبر أن “الاقتصاد القطري والأسواق المالية تعمل على التكيف مع الصدمة من الإجراءات المفروضة منذ 5 يونيو الماضي إثر الأزمة الدبلوماسية”. وبالمثل، لاحظ البنك الدولي أن قطاع النفط والغاز، الذي يمثل 80% من الصادرات و90% من الإيرادات الحكومية، لم يتأثر بشكلٍ كبير من الحصار.

في حين تأثرت القطاعات الأخرى بشدة، أبرزها شركة الخطوط الجوية القطرية. وقال الرئيس التنفيذي للشركة أكبر الباكر لـبلومبرج نيوز، إنه يتوقع أن يُعلن عن خسارة سنوية بسبب الحصار الذي أجبر الشركة على إلغاء بعض المسارات وإعادة توجيه رحلات أخرى إلى طرقٍ أطول، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الوقود.

وعلى المدى القصير، اتجهت قطر لخطوط الشحن عبر سلطنة عُمان والكويت، وأكملت ميناء حمد الجديد بتكلفة 7,4 مليار دولار لدعم طرق التجارة البديلة وزيادة وارداتها من تركيا وإيران لتعويض التجارة المفقودة من جيرانها الخليجيين. وفي أغسطس 2017، ارتفعت الواردات غير الغذائية من إيران بنسبة 60% عن العام السابق.

فاعتماد قطر المتزايد على إيران نتيجة يمكن التنبؤ بها، إلا أنها نتيجةٌ تهكمية للحصار، ذلك أن واحدةً من الشكاوى الرئيسية للمملكة العربية السعودية هي علاقة قطر بطهران. ومن بين المطالب الـ13 الصادرة عن دول الحصار قطع قطر لعلاقاتها مع ايران واغلاق شبكة الجزيرة الفضائية التى تعتبرها أداة دعائية للإسلاميين.

Qatar- Blockade of Qatar
قطيع من الأبقار تم نقله جواً من بودابست، في مزرعة بلدنا للإنتاج الحيواني في منطقة الخور، شمال شرق قطر. ستكون قطر مكتفية ذاتياً من الحليب بحلول يوليو المقبل، وذلك بفضل الأبقار التي خرقت المقاطعة جواً لدعم الإمدادات بعد أن قطعت دول الخليج المجاورة علاقاتها مع الدوحة. Photo AFP

وتحتل قطر اليوم موقعاً أفضل من غالبية البلدان في تحملها للتبعات الإقتصادية للحصار: فهي أكبر مصدّر للغاز الطبيعي وواحدة من أغنى البلدان من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. واعتباراً من يوليو 2017، كان لدى قطر حوالي 340 مليار دولار من الاحتياطيات تحت تصرفها – 40 مليار دولار في البنك المركزي و300 مليار دولار في صندوق الثروة السيادية لدى جهاز قطر للاستثمار، وفقاً لما ذكره محافظ البنك المركزي عبد الله بن سعود آل ثاني. ومع ذلك، ذكرت وكالة التصنيف الائتماني، موديز، أن قطر أنفقت 38,5 مليار دولار من الاحتياطيات لدعم اقتصادها في الشهرين الأولين من الحصار. وبالإضافة إلى ذلك، أربكت الأزمة المستمرة المستثمرين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن قطع التجارة لا يضر قطر فحسب بل أيضاً البلدان التي تنفذ الحصار.

وقال ستيفن ديك، نائب رئيس موديز، عقب إصدار تقريرٍ وجد أن النزاع قد يضر بالتصنيف الائتماني لجميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وهو تحالفٌ سياسي واقتصادي يضم المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان، “إن خطورة النزاع الدبلوماسي بين دول الخليج غير مسبوقة، مما يزيد من عدم اليقين بشأن التأثير الاقتصادي والمالي والاجتماعي في دول مجلس التعاون الخليجي.”

وقد قام المستثمرون من بلدان الحصار بالفعل بسحب الأموال من قطر، مما أدى إلى انخفاض مؤشر الأسهم بنسبة 22%. وعلى الرغم من ذلك، تبنى المسؤولون القطريون لهجةً متفائلة. ففي كلمة القاها الرئيس التنفيذي لبورصة قطر راشد بن علي المنصوري في 21 نوفمبر 2017، قال: “تخطينا صدمة الحصار ونعمل بشكلٍ طبيعي.” وأضاف المنصوري أنّ أكثر من 100 صندوق أجنبي جديد استثمروا في قطر منذ فرض الحصار، على الرغم من أنه لم يذكر أياً منها.

كما تجاهل الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الآثار بقوله “كانت الآثار الاقتصادية السلبية مؤقتة، واستوعب اقتصادنا معظمها بسرعة فائقة، وتكيف وطور نفسه من خلال إدارة الأزمة.”

وفي الوقت نفسه، تتطلع قطر إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم للعام 2022، التي ستستضيفها، ويبدو أنها تأخذ في عين الاعتبار إمكانية عدم سد الفجوة السياسية بحلول ذلك الوقت. وقد حث مسؤولوها دول الحصار على السماح لمواطنيها بحضور هذا الحدث في العاصمة الدوحة.

غير أن قطر تواجه في المستقبل القريب أزمةً محتملةً أخرى مع البحرين، التي تهدد بمقاطعة قمة مجلس التعاون الخليجي المزمع عقدها في ديسمبر 2017 في الكويت في حال حضور قطر.