وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

احتجاجات “ذوي السترات الصفراء” السودانيين

Translation- Sudan protests
متظاهرون سودانيون يرددون هتافات خلال مظاهرة مناهضة للحكومة في مدينة أم درمان يوم 31 يناير 2019. وذكر شهود عيان أن الشرطة السودانية أطلقت في هذا اليوم الغاز المسيل للدموع على حشود المتظاهرين في العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن السودانية، بالتزامن مع تنظيم احتجاجات جديدة طالبت بإنهاء إلى حكم الرئيس عمر البشير المستمر منذ ثلاثة عقود. المصدر: AFP.

احتجاجات السودان على سوء الأحوال السياسية والاقتصادية وضعت استقرار بلد شريك مهم للغرب على المحك. الباحثة الألمانية أنيته فيبَر ترى في تحليلها لموقع قنطرة أن للسودان والرئيس البشير ثلاثة سيناريوهات محتملة.

يتجمهر منذ شهر وبشكل شبه يومي معلمون وأطباء وعاطلون عن العمل وأمَّهات غاضبات وطلَّاب مُحْبَطون في شوارع السودان، البلد الذي مزَّقته الحرب الأهلية، من أجل التظاهر ضدَّ سياسة حكومتهم. اجتذبت هذه المظاهرات منذ بدايتها في التاسع عشر من شهر كانون الأوَّل/ديسمبر (2018) عشرات الآلاف، وقتل منهم فيها اثنان وأربعون شخصًا.

إنَّ ما بدأ كاحتجاجات على السياسات الاقتصادية وعلى رفع سعر الخبز ورفع أسعار البنزين والوقود، تطوَّر إلى دعوة للإطاحة بالرئيس عمر البشير. لقد وصل البشير إلى السلطة منذ الانقلاب العسكري في عام 1989 وأصبح منذ عام 1993 رئيسًا للسودان.

ولفترة طويلة كان يُنظر إليه باعتباره القاسم المشترك الأدنى بين النخبة السياسية والعسكر. وكذلك أدَّت مذكِّرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحقّه بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان إلى توحيد الصفوف خلف الرئيس عمر البشير.

سياسة خارجية قوية وأوضاع حرجة في الداخل

لكن مع ذلك يُشْهَدُ للرئيس البشير وحكومته تحقيق عدد من الإنجازات السياسة الخارجية المثيرة للانتباه: حيث تقدَّمت في السنوات الأخيرة عملية تطبيع العلاقات مع السودان من دولة منبوذة إلى شريك للغرب. وبات يوجد – على سبيل المثال – تعاون سوداني ناجح مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الحرب ضدَّ الإرهاب، وكذلك أصبح الاتِّحاد الأوروبي ينظر إلى السودان كشريك رئيسي، وذلك بسبب موقعه كنقطة التقاء للمهاجرين القادمين من كلِّ منطقة القرن الإفريقيي.

وفي المقابل تعتبر الأوضاع في داخل السودان حرجة. ويشير بشكل خاص الوضع الاقتصادي الكارثي إلى ضرورة عدم “بقاء الوضع على ما هو عليه”. بعد الطفرة النفطية القصيرة في مطلع الألفية الثالثة وبعد انفصال جنوب السودان وفقدان مناطق إنتاج النفط، لم يتم تحقيق أي تنويع اقتصادي مستدام، وازدادت مستويات الفساد وفشلت الاستثمارات الضرورية في البنية التحتية. كان النمو الاقتصادي لعام 2018 سلبيًا (2,3- في المائة)، كما أنَّ التوقُّعات لعام 2019 سيِّئة، وقد باتت العملات الصعبة نادرة.

وكذلك لم يتم بعد تحقيق الطموحات، التي أثارها رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن البلاد. تضاف إلى ذلك الظروف المناخية، التي تؤثِّر تأثيرًا سلبيًا على أمن المواطنين الغذائي.

ما الذي يمكن حدوثة؟

لا يوجد في السودان – مثلما هي الحال في فرنسا الآن – شيءٌ أقلّ عرضة للخطر من مستقبل المجتمع وثقافة البلاد السياسية. تخرج إلى الشوارع في السودان أيضًا جميع المجموعات السكَّانية – بما فيها الطبقة الوسطى. ولكن على العكس مما عليه الحال في فرنسا، فإنَّ ردود الفعل أكثر وحشية والعواقب أكثر خطورة.

يبقى تطوُّر الوضع في الأسابيع والأشهر القادمة مرهونًا إلى حدّ كبير بمدى نجاح الحكومة في تحسين ظروف معيشة المواطنين وتنفيذ المطالب السياسية بمصداقية. وسيكون مدى الدعم الذي لا يزال يتمتع به الرئيس – مسألة حاسمة أيضًا. هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة.

أوَّلًا: يراهن عمر البشير على القسوة والعنف ويمكنه الاعتماد في ذلك على ولاء شرائح واسعة من الجيش، تمامًا مثلما فعل حتى الآن. تنقسم الطبقة الوسطى الحضرية بين المؤيِّدين للحكومة والداعمين للمعارضة السياسية. أمَّا أهالي المدن الأصغر سنًا، غير المحسوبين على أية شبكة محسوبية، فيقعون إمَّا في حالة سبات وخمول أو ينضمُّون إلى المعارضة – المسلحة أو غير المسلحة.

ونتيجة لذلك تضاف جبهةٌ حضريةٌ إلى جبهتي الحرب الأهلية القائمة في دارفور وجنوب كردوفان. وطالما لا توجد سوى تحسينات رمزية، سينصبُّ غضب المواطنين على شخص الرئيس. النجاحات الاقتصادية السريعة والمرئية يمكنها وحدها أن تؤدِّي إلى الاستقرار في ظلّ البشير.

ينتج تفاقم آخر في الوضع عندما تنشق عن النظام أجزاء من الأجهزة الأمنية وتشكِّل تحالفات مع المعارضة المسلحة الحالية. يؤدِّي هذا الانشقاق إلى زيادة تصعيد الحرب الأهلية، التي لا يمكن كسبها عسكريًا ولكنها تُقيِّد الموارد. وفي ظلِّ هذه الظروف تتحوَّل الحكومة إلى دولة غير ليبرالية تُموِّل الحرب الأهلية. وهذا سيكون بمثابة السيناريو الأسوأ بالنسبة للمصالح الغربية مثل سلامة الطرق التجارية في البحر الأحمر والتعاون في شؤون الهجرة ومكافحة الإرهاب.

ثانيًا – سيناريو حسني مبارك: تستمر الاحتجاجات وتتصاعد. ويؤدِّي انشقاق الجيش وتكاتف الأحزاب السياسية والمتظاهرين وأجزاء من الأجهزة الأمنية إلى الضغط على رئاسة الحكومة. وينتج عن ذلك انقلاب عسكري أو تغيير في القيادة بسبب ضغط المعارضة. بعد ذلك يجب أوَّلًا تأسيس تحالفات جديدة وتجاوز المصالح المتباينة. تحتاج محاربة عناصر النظام القديم المتمرِّدة طاقة هائلة. وبالتالي يصبح السودان لبعض الوقت عاطلًا عن العمل كلاعب إقليمي وبالنسبة للتعاون مع أوروبا.

ثالثًا – سيناريو رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد: ترسل الحكومة إشارة واضحة بأنَّها مستعدة للتغيير. يعلن عمر البشير عن استقالته القريبة. يتم الإعلان عن انتخابات جديدة وتشكيل حكومة “وحدة وطنية” انتقالية تتكوَّن من الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني من جميع أنحاء البلاد. ويبدأ العمل على إعداد خريطة طريق تُركِّز قبل كلِّ شيء على الإصلاحات الاقتصادية. تحاول عناصر الحرس القديم المُحْبَطة نسف التكتُّل الجديد، غير أنَّها تكون أضعف بكثير مما كانت عليه في السيناريو السابق، وذلك لأنَّ حكومة الوحدة الوطنية أكثر شمولًا وهي بالتالي أقوى. ويبقى السودان لاعبًا إقليميًا ودوليًا يمكن الاعتماد عليه.

يعتبر تحسين الأوضاع الاقتصادية أمرًا حاسمًا من أجل تحقيق الاستقرار المستدام، ومع ذلك فإنَّ العملية السياسية ضرورية أيضًا. ومن أجل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، هناك حاجة إلى مساعدات مالية واستثمارات من الخارج.

وهذا يتطلب مشاركة أقوى من جانب أوروبا، بيد أنَّ المشاركة الأوروبية يمكنها فقط أن تكون مفيدة عندما توجد من الخرطوم مؤشرات تشير إلى التحوُّل والرغبة في التغيير. يمكن لأوروبا أن تعمل كوسيط في أية عملية تغيير سياسي، وذلك بسبب اعتبارها من قِبَل الحكومة والمعارضة على حدّ سواء شريكًا جديرًا بالثقة.

ملاحظة: تم نشر ترجمة هذه المقالة على موقع فنك بعد موافقة موقع قنطرة الذي سبق له ترجمتها على ذلك.