وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع انخفاض وتيرة الحرب، مظاهر الحياة الطبيعية تعود إلى أجزاء من سوريا

سوريا
سوريون يحتلفون برفع علم بلادهم في ساحة الأمويين في دمشق في أكتوبر 2017 بعد أن نجح المنتخب الوطني السوري في إحراز هدفٍ في الشوط الأول في التصفيات المؤهلة لكأس العالم لكرة القدم لعام 2018، بين سوريا وأستراليا. Photo AFP

في الوقت الذي تستعر فيه المعارك في دير الزور وحماة ويتواصل الحصار على الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها المتمردون، إلا أنه في أواخر عام 2017، عادت مظاهر الحياة الطبيعية إلى أجزاء أخرى من سوريا.

وبالرغم من انخفاض وتيرة الحرب على ما يبدو، إلا أنه لا يزال هناك 6,5 مليون نازح مشردون داخل البلاد وأكثر من 5 ملايين لاجىء يعيشون خارج البلاد. وقد بدأت بالفعل عملية إعادة الإعمار في بعض المناطق التي تُسيطر عليها الحكومة، إلا أن مساحات شاسعة من البلاد تُركت في حالة خراب، دون وجود حتى البنية التحتية الأساسية.

ومن جهته، بلور صعود المنتخب الوطني السوري لكرة القدم، الذي فشل في التأهل لتصفيات كأس العالم هذا العام بشق الأنفس، الآمال لدى العديدين داخل سوريا وخارجها بالعودة إلى الحياة الطبيعية والوحدة الوطنية. وعم الغضب أرجاء الفيسبوك بوسم# قادرين إن شاء الله، وبالدعوات لـ”نسور قاسيون.” فقد عجت المقاهي في دمشق بالحشود التي حضرت لمشاهدة كل مباراة، إلا أن الآمال بالتأهل لأول مرة في تاريخ سوريا لكأس العالم تحطمت مع خسارة الفريق بهدفين لهدف أمام أستراليا في مباراةٍ حماسية في 10 أكتوبر 2017.

ولكن حتى كرة القدم لم تكن قضية يلتف حولها جميع السوريين، ففي حين أن بعض المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد هتفوا للفريق الوطني، رفضه آخرون باعتباره أداة للمؤسسة السياسية، بل حتى أن بعضهم شجع فوز استراليا.

فقد كانت كرة القدم نموذجاً للحياة اليومية في دمشق والمناطق الأخرى التي لم تتأثر نسبياً بسنوات الحرب السبع، حيث يواصل المدنيون الدراسة، والعمل، والاستمتاع بوقتهم بالرغم من إرتفاع الأسعار، ونقص الغذاء والطاقة، وإندلاع العنف في بعض الأحيان.

وقالت سارة، وهي طالبة من مدينة اللاذقية الساحلية تعمل مع المنظمات غير الحكومية التي توزع المساعدات للنازحين داخلياً، إنه على الرغم من عدم وجود اقتتال حيث تعيش، إلا أن الحياة ليست طبيعية تماماً. فقد توافد النازحون إلى اللاذقية من حلب ومناطق أخرى دمرتها الحرب، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار والمنافسة على الوظائف المتاحة.

إذ قالت لفَنَك “تركت العديد من الأسر منازلها وأتت إلى هنا بحثاً عن الأمن، بحثاً عن حياةٍ أفضل.” وأضافت “تكمن المشكلة في أن الأسر لا تستطيع تحمّل تكاليف المعيشة.” وقالت إن الضغوطات الاقتصادية والقتال المستمر أدى إلى انتشار الاكتئاب بين الشباب، إلا أنهم يواصلون البحث عن متع الحياة البسيطة.

وتابعت القول “يبحث الناس عن الفرح في الأشياء رخيصة الثمن مثل الجلوس في مقهى ولعب الورق مع الأصدقاء، وفي الحقيقة، بالنسبة لغالبية الشباب في اللاذقية، هذا هو نشاطهم الرئيسي.” وأضافت “بهذه الطريقة يشعرون بأنهم يسيطرون على حياتهم.”

وعلى الجانب المشرق، قالت سارة إن العديد من أصحاب المصانع الذين دمرت أعمالهم في حلب أو تخلوا عنها نقلوها إلى اللاذقية، مما أدى إلى خلق فرص عملٍ ونشاطٍ اقتصادي. غير أن معظم العمال الذين يعملون في المصانع هم من مدنهم الأصلية، وبمجرد أن تتحسن الأوضاع في تلك المدن، فإن المصانع والعمال سيعودون على الأرجح إلى ديارهم.

فقد عاودت بعض مرافق التصنيع العمل بالفعل في مدينة حلب، التي كانت قبل الحرب المركز الصناعي في البلاد، بالرغم من أن الأمر لا يخلو من المشاكل. وقد عدد أحد مالكي مصانع النسيج الذي نقل عمله إلى منشآتٍ مؤقتة إلا أنه اليوم يعمل على تنظيف مصنعه القديم من الحطام لإعادة افتتاحه، التحديات الكثيرة التي تواجهه لوكالة أنباء رويترز: “أكبر مشاكلنا هي الكهرباء، كما أن هناك عدد قليل من العمال لأنّ الجميع انضم للجيش. وعلاوة على ذلك، تؤثر العقوبات على العمل، بالإضافة إلى صعوبة حضور العملاء إلى هنا، وصعوبة نقل الأموال، كما أن من الصعب شراء قطع الغيار.” كما يخطط أصحاب العمل الآخرون الذي انتقلوا إلى دولٍ مجاورة للعودة، إلا أنهم ينتظرون إذا ما كانت الأوضاع الأمنية ستتحسن.

سوريا
مباني مدمرة في حلب. Photo AFP

أما العاصمة دمشق، فقد شهدت عودة معرض دمشق الدولي، وهو معرضٍ سنوي للتجارة، هذا الصيف لأول مرة منذ اندلاع الحرب عام 2011. ووصف الحدث، الذي حضره رجال أعمالٍ من أكثر من 45 دولة، بأنه دليلٌ على زيادة الاستقرار في سوريا، إلا أنه لم يمر مرور الكرام دون التذكير بالصراع المستمر، إذ لقي 6 أشخاص حتفهم بقصفٍ بقذيفة هاون على مدخل المعرض.

وعلى صعيدٍ آخر، فإن واحدةً من الدلائل الواضحة على آثار الحرب هي ندرة الشباب، ذلك أن العديد منهم- سواء من المؤيدين أم المعارضين للنظام- فروا خارج البلاد لتفادي التجنيد الإجباري، الذي يُنظر إليه على نطاقٍ واسع باعتباه حكماً بالإعدام، بينما قُتل الآخرون أو لا يزالون يقاتلون في الجيش أو مع الميليشيات.

وبالقليل من الاستثناءات، فإن الخدمة العسكرية إجبارية للرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و42 عاماً، كما أنّ السفر خارج البلاد مقيّدٌ بالنسبة للشبان الذين هم في سن الخدمة العسكرية. وعليه، فإن تأجيل الخدمة متاحٌ للطلاب، مما دفع العديد من الشباب إلى استخدام حيلٍ مبتكرة لإطالة فترة تعليمهم. ومع ذلك، أصدرت المديرية العامة للتجنيد التابعة للجيش العربي السوري مؤخراً قوانين جديدة تلغي التأجيل للرجال الذين يسجلون في دبلوم الجامعة الافتراضية والذي لا علاقة له بالتخصص الذي درسوه في المرحلة الجامعية. وبالتالي، يدفع العديد من الطلاب رسوماً أو رشاوى ضخمة للحصول على التأجيل، بينما يواصل الآخرون، ممن لا يستطيعون الدفع، الفرار من البلاد.

ونتيجةً لتقلص أعداد السكان الذكور، ارتفعت نسبة الشابات العازبات وبحثهنّ عن وظائف. لم يتقبل الجميع هذا التغيير في الأدوار بين الجنسين، كما أشارت منظمة كير الدولية الإنسانية في تقرير صدر مؤخراً عن النساء السوريات في القوى العاملة.

غير أن الجماعات التجارية أخذت بعين الاعتبار هذه التغييرات السكانية، وبدأت ببذل جهودٍ لتطوير المشاريع النسائية. ومن بين هذه، عمدت غرفة تجارة حلب على إقامة معرضٍ عرضت فيه منتجات أكثر من 70 إمرأة عاملة. وفي الوقت نفسه، تنشط منظمات غير حكومية، مثل منظمة النساء الآن، لإيجاد مقعدٍ لهنّ على الطاولة مع البدء بإعمار بلادهنّ.

ومن المرجح أن الشكل الذي ستتخذه إعادة الإعمار هو السؤال الأكبر الذي يواجه السوريين في السنوات المقبلة. وبالفعل، يبدو أن حلفاء النظام هم المستفيدون الرئيسيون من مشاريع إعادة الإعمار، في حين سيتم إقصاء أولئك الذين يدعمون المتمردين، بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية.

فعلى سبيل المثال، أعلنت الحكومة السورية في سبتمبر  2017 عن اتفاقٍ مع إيران لبناء محطة كهرباء جديدة في اللاذقية، وإعادة تأهيل منشآت الطاقة في حلب وغيرها من مشاريع الطاقة. وبالمثل، بحث وزير الكهرباء محمد زهير خربوطلي في أكتوبر 2017 سُبل التعاون لإعادة تأهيل ودعم نظام الكهرباء في سوريا من خلال إنشاء محطات توليد الطاقة ومشاريع مستقبلية مع وفد روسي زائر برئاسة نائب وزير الطاقة كيريل مولودتسوف.