وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأسواق السورية تكتوي بنيران الحرب الأوكرانية

الأسواق السورية
صورة تم التقاطها يوم ١٤ إبريل ٢٠٢٢ للناس في منطقة حلب الجديدة شمال سوريا وهم يتسوقون في سورقٍ خيري يوفر أسعار مخفضة عقب الإفطار في ذلك اليوم من أيام شهر رمضان المبارك. المصدر: AFP.

حسين الزعبي

منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا أواخر فبراير 2022، بدا الملف السوري حاضرا من جديد في تقارير وسائل الإعلام العربية والأجنبية وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي. وكان ذلك من خلال التركيز على نقاط التشابه بين الحربين. وفي سياق المقارنة بين المشهدين، تم تداول صور للدمار واستهداف المستشفيات والمدنيين، من منطلق أن الحروب تتشابه غالبا في صنع المآسي، وللتذكير بأن هناك رابطا مشتركا واحدا على الأقل، هو روسيا.

وعلى الرغم من بُعد المسافة بين البلدين، إلا أن تأثيرات الحرب الأوكرانية ظهرت بسرعة على جوانب متعددة من القطاعات الاقتصادية في سوريا، لتتعالى على إثر ذلك صيحات خبراء الاقتصاد من كوارث جديدة على بلدهم “المنهك اقتصاديا” والذي يعتمد في الغالب على الدول الأخرى لاستيراد معظم احتياجاته الأساسية.

القادم أسوأ

خلال حديث لإذاعة “ميلودي اف إم” المحلية، حذّر الخبير الاقتصادي عامر شهدا من تأثير الحرب الأوكرانية على سوريا، خاصة فيما يتعلق بعملية التحويلات المالية. وردّ شهدا ذلك إلى وجود ارتباطات مع مصارف روسية. كما لفت إلى أن هذه الحرب ستؤثر على المشتقات النفطية، وعمليات استيراد الأعلاف والقمح، سيّما وأن تعطل عمليات الاستيراد سيؤدي إلى تضاعف الأسعار.

وتوقع شهدا أن يتوقف قطاع الدواجن عن العمل، بسبب إيقاف استيراد الذرة من أوكرانيا. وأكد أن فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، سينعكس سلباً على سوريا قطعاً، ناهيك عن رفعه لبقية أسعار السلع المستوردة من دول أخرى، نظراً لارتفاع أسعار المشتقات النفطية وارتفاع أسعار النقل.

وبحسب شهدا، فإنّ المرحلة القادمة ستؤدي إلى تأثر القطاعات الإنتاجية المعتمدة على الاستيراد من أوكرانيا وروسيا. وفي هذا السياق، يقول شهدا: “إذا استمرت الحرب طويلاً فنحن قادمون على الأسوأ. وإذا توقفت الحرب خلال أسبوع، فسنحتاج 6 أشهر حتى نعود للوضع الذي نحن عليه قبل بدء الحرب”.

ارتفاعات جديدة في الأسعار

بعد ساعات قليلة من إعلان موسكو بدء قواتها عملية عسكرية في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المواد تدريجيا في الأسواق السورية. وتطور الأمر بعد ذلك إلى غياب بعض السلع الأساسية وخاصة الزيوت النباتية، في ظل ارتفاع غير مسبوق بأسعار المواد الغذائية. وتجاوز سعر طبق البيض 14 ألف ليرة في المحال. أما سعر الفروج فتراوح ما بين 12 ألف وما فوق لكيلو الفروج المذبوح، و22 ألف ليرة وما فوق للفروج المشوي، حسب نوعه ووزنه.

الارتفاع طال أيضا أسعار اللحوم، إذ وصل سعر الكيلوغرام من لحم الضأن إلى 42 ألف ليرة، أي ما يعادي 10.7 دولاراً، بعدما كان سعر الكيلو 14 ألف ليرة العام الماضي. كما تخطى سعر لتر زيت الذرة في العاصمة دمشق 18 ألف ليرة (11.5 دولاراً). وبلغ سعر كيلو الرز 9 آلاف ليرة (2 دولار)، فيما كان سعره العام الماضي 3500 ليرة. ووصل سعر ربطة الخبز المدعومة حكومياً 1300 ليرة (0.3 دولار).

مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، شهدت أيضا ارتفاعا واضحا في أسعار المواد الأساسية. ووصل سعر لتر زيت الذرة إلى أكثر من 10 آلاف ليرة سورية (2.5 دولاراً)، بعد أن كان 5 آلاف ليرة العام الماضي. وبلغ سعر كيلو الرز 4600 ليرة (دولاراً واحداً)، بعد أن كان 3200 ليرة. وارتفع سعر كيس الطحين، وزن 50 كيلوغراماً إلى 125 ألف ليرة (32 دولاراً)، بعدما كان يباع العام الماضي بمبلغ 50 ألف ليرة.

بالإضافة إلى ذلك، انخفض سعر صرف الليرة السورية أمام العملة الأجنبية، حيث وصل الدولار الواحد إلى عتبة أربعة آلاف ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.

تبرز سوريا اليوم كأكثر البلدان العربية تأثرًا بالحرب الروسية على أوكرانيا، لأنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصادين الروسي والأوكراني. وتعتاش الحكومة بجزء لا بأس به من المساعدات الروسية والسلع الأساسية التي تأتي من أوكرانيا. ويقول الصحفي والمحلل الاقتصادي فؤاد عبد العزيز لـ “فنك” إن هبوط الليرة وارتفاع أسعار السلع نتيجة الحرب لم يكن مفاجئاً، بل نتيجة منطقية مرتبطة بالدرجة الأولى بارتفاع أسعار النفط العالمية من نحو 85 إلى أكثر من 120 دولاراً للبرميل، ما يعني بأن موازنة النظام السوري المخصصة لاستيراد المشتقات النفطية، سوف تزيد نفقاتها بنسبة لا تقل عن الـ 50 بالمئة.

ويشير عبد العزيز إلى أن روسيا وأوكرانيا تشكلان ما نسبته نحو 50 بالمئة من حجم التجارة الخارجية للنظام السوري، إذ يستورد من هاتين الدولتين جل احتياجاته من القمح والسكر والزيت والأعلاف وغيرها من المواد الأساسية التي تدخل في الصناعة. وبحسب عبد العزيز، فإنه من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد السوري نظراً للمخاوف من عدم إيجاد أسواق بديلة، بسبب العقوبات والحصار، وشح الموارد من العملة الصعبة.

بناء على ذلك، يشدد عبد العزيز على أن سوريا على أعتاب مرحلة خطيرة جداً فيما يتعلق بواقع ومستقبل الاقتصاد، خاصة أن حكومة النظام أعلنت صراحة أن مخزوناتها من المواد الغذائية المستوردة من روسيا، وعلى رأسها القمح والسكر والزيت، قد تكفي لمدة شهرين فقط. وبكلماتٍ أخرى، فإن استمرار الحرب أكثر من هذه المدة سيؤدي إلى مصائب كبيرة إذا لم يتم إيجاد البدائل وبسرعة.

وسبق السفير الروسي لدى سوريا ألكسندر يفيموف الإعلان في العاشر من فبراير 2022 عن أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا قد زاد عام 2021 3 مرات مقارنة بعام 2020. ولفت يفيموف إلى أن بلاده تواصل مساعدة السوريين بعدة طرق في استعادة الاقتصاد، وضمان استقراره وكفاءته.

وبلغ حجم التبادل التجاري السوري مع روسيا لأول 9 أشهر من عام 2021 حوالي 185 مليون يورو، فيما وصل عام 2020 إلى نحو 63 مليون يورو، حسبما ذكرت معاونة وزير الاقتصاد لشؤون التنمية الاقتصادية رانيا أحمد. وبحسب أحمد، فإن التركيز مع الجانب الروسي ينصب على موضوع تصدير الحمضيات والتفاح والرمان إلى القرم، أو إلى روسيا الاتحادية عبر القرم، وكذلك التباحث من أجل توريد الحبوب من روسيا إلى سوريا.

أما بالنسبة لأوكرانيا، فقد كشفت بيانات المجموعة الإحصائية لعام 2020، أن قيمة المستوردات السورية من أوكرانيا بلغت حوالي 81.6 مليار ليرة، ما يعادل 186.9 مليون دولار، وفقاً لسعر الصرف الرسمي للمستوردات. في المقابل، فإن الصادرات السورية زادت بقليل عن المليار ليرة، أي ما يعادل 2.5 مليون دولار، وفقاً لسعر الصرف الرسمي للصادرات.

وفي تركيبة السلع المستوردة من أوكرانيا، تأتي البضائع المصنّعة أولاً من حيث القيمة، والتي بلغت قيمتها في عام 2018 حوالي 35.245 مليار ليرة، تليها المواد الخام عدا الوقود بقيمة 18.979 مليار ليرة، ثم جاءت الأغذية والحيوانات الحية بقيمة 14.114 مليار ليرة، فالزيوت والشحوم الحيوانية بقيمة 2.558 مليار ليرة.

تكاليف معيشية أضعاف الحد الأدنى للأجور

بعد مرور قرابة شهرين على بدء الحرب في أوكرانيا، وتحديدا مع بداية شهر رمضان، تجاوز وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد حاجز 2.8 مليون ليرة سورية، في ارتفاع غير مسبوق خلال فترة قياسية. وشكلت هذه الفجوة اتساعاً كارثياً بين تكاليف المعيشة والحد الأدنى لأجر العامل السوري الذي لا يزال عند عتبة 92,970 ليرة سورية، أي أقل من نصف تكلفة الحد الأدنى لغذاء الفرد العامل لوحده.

وبحسب موقع قاسيون المحلي، فقد شهد متوسط تكاليف معيشة الأسرة في مارس 2022 ارتفاعاً غير مسبوق بلغ نحو 833,405 ليرة سورية عن التكاليف التي تم تسجيلها في بداية العام الجاري. وارتفعت التكاليف من 2,026,976 ليرة سورية في يناير إلى 2,860,381 ليرة في مارس. يأتي ذلك في الوقت الذي تراوح فيه الأجور بمكانها، إذ لا تمثّل في حسابات اليوم إلا 3.2 بالمئة من وسطي تكاليف المعيشة في مارس.

الارتفاعات طالت مكونات سلة الغذاء كلها، ولا سيما الخضروات التي ارتفعت من 430 ليرة سورية للفرد يومياً إلى 955 ليرة، بارتفاع يزيد عن 122%.

وينطبق الأمر على الفواكه التي ارتفعت من 260 ليرة إلى 767 ليرة، أي بما يزيد عن 195%.

اقتصاد منهار ومستويات فقر قياسية

يشهد الاقتصاد السوري منذ أكثر من عقد انهيارا ملحوظا، جراء تسخير النظام لموارد الدولة في خدمة آلة الحرب، وتوقف الإنتاج الصناعي، وموجة الجفاف التي تضرب المنطقة، والتي أثرت على مستويات الإنتاج الزراعي، حسبما يقول خبراء الاقتصاد.

كما أسهمت تداعيات فيروس كورونا في اشتداد الأزمة الاقتصادية على السوريين خلال العامين الماضيين. وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط الأجور في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام الـ 32 دولارا أمريكيا رغم الزيادات على الرواتب. وهنا تجدر الإشارة إلى دراسات تقدّر الحد الأدنى الشهري للمعيشة بما لا يقل عن 250 دولارا للعائلة الواحدة.

وبحسب أرقام نشرتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2020، فإن خسائر الاقتصاد السوري بلغت خلال السنوات الثمانية الأولى من عمر الحرب نحو 442 مليار دولار.

ويُجمع الخبراء على أن الاقتصاد السوري يسير من سيء إلى أسوأ، مُرجعين ذلك إلى سيطرة روسيا وإيران على الجزء الأكبر من الاستثمارات السيادية مثل الغاز، الفوسفات، الكهرباء، وإلى غياب الحل السياسي بفعل تعنت النظام، واستمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام السوري، وكبحها لأي تقارب اقتصادي وسياسي مع النظام السوري.

وبحسب أرقام نشرها برنامج الأغذية التابع لمنظمة الصحة العالمية في سبتمبر 2021، يعيش نحو 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، فيما يفتقر 9 ملايين و300 ألف شخص إلى الغذاء الكافي. يأتي ذلك في الوقت الذي ارتفع فيه عدد من يفتقر إلى الغذاء إلى مليون و400 ألف خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2021.