وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مقامرة تركية لمنافسة الصين على موقعها كعقدة أساسية في سلاسل التوريد الدولية

Erdogan Trump
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (يسار) ورئيس تركيا رجب طيّب إردوغان (يمين) وهما يغادران منصة التقاط الصور لحضور الجلسة العامة لقمة حلف الناتو التي أقيمت في فندق غروف في واتفورد شمال شرق العاصمة البريطانية لندن يوم ٤ ديسمبر ٢٠١٩. المصدر: PETER NICHOLLS/ POOL/ AFP..

نشر الصحفي البارز جميس دورسي على مدونته مقالة سلط فيها الضوء على ما تقوم به تركيا من جهود لمزاحمة الصين على موقعها في سلاسل التوريد الدولية. ويقوم دورسي، وهو باحثٌ بارز في كلية راجاراتنام للعلاقات الدولية بسنغافورة، بتناول العوامل المختلفة التي تقف في وجه الطموحات التركية ومنها توتر العلاقات مع أوروبا وأمريكا ودور تركيا في سوريا.

ويبدأ دورسي مقالته بالإشارة إلى دراسة أخيرة تناولت الانخفاض الحاد المتوقع في التجارة بين الولايات المتحدة والصين في العامين المقبلين. ويرى دورسي أن الانخفاض المتوقع والخطوات الراهنة لتنويع سلاسل التوريد قد تضع تركيا إلى جانب فيتنام والمكسيك وتايوان وبولندا كمنافسين في إطار الجهود الرامية للحد من الاعتماد على الصين.

وبحسب الدراسة التي أعدتها مجموعة بوسطن الاستشارية لصالح مجلس الأعمال التركي الأمريكي، فإنه ينبغي على تركيا الواقعة على الخط الفاصل بين أوروبا وآسيا التمتع ببعض المتطلبات الأساسية للظفر بهذه الفرصة، سيّما وأن أنقرة تستثمر في قطاعاتها الرقمية والإلكترونية والمعدات.

ويُعد مجلس الأعمال التركي الأمريكي من الهيئات التابعة لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا، وهو أقدم وأكبر اتحادات الأعمال في البلاد.

وتحدّد الدراسة إفريقيا كإحدى المناطق التي استطاعت من خلالها الشركات الأمريكية والتركية توفير بعض الأصول التكميلية على الطاولة. وشهدت السنوات الأخيرة سعي تركيا بشكلٍ حثيث إلى توسيع حضورها الدبلوماسي والسياسي والعسكري والاقتصادي في إفريقيا.

وكانت الصين قد حققت هي الأخرى نجاحات كبيرة في إفريقيا وهو ما يؤهلها لأن تصبح قوة مهيمنة هناك، خاصة في الدول التي تواجه خطر الانهيار الاقتصادي كمصر.

أما وأن هذه الدراسة قد صدرت قبل أسابيع من الموعد المقرر لتولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه، فإنها على ما يبدو تهدف إلى التأكيد على الأهمية الاستراتيجية لتركيا في ظل توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

فقد فرضت الولايات المتحدة مؤخرًا عقوبات على تركيا بعد شرائها نظام الدفاع الصاروخي الروسي “S-400”. من جانبٍ آخر، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أخرى على أنقرة عقب قيام هذه الأخيرة بعمليات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.

ويرى صاحب المقالة أن تنامي دور تركيا في حركة التجارية العالمية من شأنه تحقيق عدة أهداف تركية. وتتضمن قائمة الأهداف تعزيز اقتصاد البلاد المعرض للخطر بسبب الوباء وكساد الاقتصاد العالمي ومشاكله الهيكلية. وإلى جانب ذلك، تسعى تركيا للاستفادة من الانتصارات الجيوسياسية الأخيرة التي تحققت عبر التدخل العسكري في ليبيا ودعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، واستغلال قدراتها التكنولوجية محلية الصنع لاسيما الطائرات غير المأهولة.

وفي إطار الجهود المبذولة لتصبح قوة رئيسية بديلة ومُورداً موثقاً، فقد حاولت تركيا نفي وسمها بالدولة المخربة عبر تحسين العلاقات المتوترة مع قوتين رئيسيتين على المستوى الإقليمي وهما السعودية وإسرائيل. يأتي ذلك بالتزامن مع الضغط على إيران في إطار المساعي الرامية لإرضاء أوروبا وبايدن.

ويرى دورسي أن تحوّل تركيا إلى بديل رئيسي في سلاسل التوريد التي تسيطر عليها الصين يعزز من طموحها لاستغلال الفراغ الناتج عن تراجع الحضور الأمريكي ويساعدها في تأمين مكانتها الخاصة في عالم يعاد فيه رسم خارطة التوازنات نتيجة التنافس بين القوى الكبرى.

وينقل دورسي عن أحد رجال الأعمال الأتراك ما يلي: “إن الشقاق القائم بين الولايات المتحدة والصين فرصةٌ كبيرة للتعاون الجيوسياسي. ولسوف تستفيد تركيا والولايات المتحدة على حد سواء من هذه الشراكة الاقتصادية”.

وتوقعت الدراسة أن تنخفض التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنحو 200 مليار دولار أمريكي في العامين المقبلين. وبحسب نفس الدراسة، فإن تركيا قادرة على تعزيز علاقتها بالاقتصاد العالمي بشكلٍ كبير عبر الاستفادة من قاعدتها الصناعية، إذ ينبغي على تركيا الاستفادة من الإمكانات غير المستغلة للشركات الناشئة العاملة في قطاع الخدمات التكنولوجية والبرمجيات. كما بإمكان أنقرة الاستثمار في تصنيع الإلكترونيات والمعدات الرائجة في مجالاتٍ مختلفة مثل المدن الذكية وإنترنت الأشياء والأتمتة.

وحذرت الدراسة من أن دولاً مثل فيتنام وتايوان والمكسيك قد أثبتت حتى الآن أنها أكثر قدرة من تركيا على التأقلم واستغلال الفرص الناشئة. وبحسب الدراسة، فإن قطاعات الإلكترونيات والمركبات والزراعة في الدول الثلاث سابقة الذكر نمت بنسبة 11٪ خلال عام 2020.

وكانت شركة ميركوري بابليك أفيرز التابعة لمجلس الأعمال التركي الأمريكي، قد وزعت هذه الدراسة على صنّاع الرأي والسياسة الأمريكية، سعياً لتغيير تصورات واشنطن عن تركيا ورئيسها الحازم رجب طيب إردوغان.

يأتي ذلك في الوقت الذي قام فيه مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا ومجلس الأعمال التركي الأمريكي بتنظيم لقاء عبر الإنترنت الأسبوع الماضي لتسليط الضوء على مساهمات العاملين في قطاع الصحة في الحرب ضد فيروس كورونا ممن لديهم جذور تركية أو روابط مع حلفاء تركيا.

وشارك في اللقاء سينه آكتن، نائبة رئيس الجمعية الطبية التركية الأمريكية، وعصام عميش، وهو جراحٌ مقيم في فرجينيا ورئيس التحالف الليبي الأمريكي ويعتقد أنه من مؤيدي حكومة الوفاق الوطني في ليبيا المدعومة من تركيا. كما تضمنت قائمة المشاركين سامية بيراتشا، رئيس فرع واشنطن لجمعية الأطباء من أصل باكستاني في أمريكا الشمالية.

كما نظّم مجلس الأعمال التركي الأمريكي بدعم من إردوغان ندوة عبر الإنترنت في يونيو بعنوان “آن الأوان ليتحد الحلفاء: سلسلة التوريد العالمية التركية الأمريكية”، والتي تحدث خلالها السيناتور الجمهوري الأمريكي المؤثر والحليف الوثيق لترامب ليندسي غراهام.

وأقرّ غراهام في الندوة بأهمية تركيا، مرجحاً في الوقت نفسه ارتكاز مستقبل علاقة تركيا والولايات المتحدة على التكامل الاقتصادي من خلال اتفاقية تجارة حرّة.

وتوقع غراهام أن تكون إفريقيا “جائزة القرن الحادي والعشرين”. وقال إنه يأمل في أن تكون الولايات المتحدة وحلفائها هم القائمون على البنية التحتية والتكنولوجيا في إفريقيا وليس الصين.

ومع ذلك، حذر غراهام من وجود عدة أسباب تقف عائقاً أمام تحقيق تركيا لسعيها في أن تصبح قوة رئيسية في سلاسل التوريد الأمريكية المعاد تكوينها. ومن أهم هذه الأسباب صفقة صواريخ “S-400” التي أبرمتها تركيا مع روسيا، وإلغاء الولايات المتحدة لصفقة طائرات “F-35” المتطورة مع تركيا، والتدخل العسكري التركي في شمال سوريا.

وقال غراهام إن “آفاق هذه العلاقة لا حدود لها، لكن علينا تجاوز نقاط الاختلاف. ولن تتحقق هذه العلاقة دون حل مشكلة منظومة صواريخ S-400 وطائرات F-35 والتوصل إلى حل أكثر استدامة في ملف سوريا. وكلما أسرعنا في تجاوز هاتين المسألتين، زاد احتمال تحوّل كلّ الآمال إلى حقيقة. وإن ما أسعى هو الخروج بتدابير لبناء الثقة”.

وبحسب دورسي، فإن إردوغان قد يعتبر نجاحاته الجيوسياسية ومحاولة التقارب مع السعودية وإسرائيل كمؤشرات تبعث الثقة لدى الإدارة الأمريكية. بيد أنه من المستبعد أن تكون تلك هي نظرة الفريقين المنقسمين في واشنطن.
في الوقت نفسه، يبدو أن منافسي تركيا يتقدمون عليها رغم اتهام الولايات المتحدة لفيتنام بأنها تتلاعب بالعملات.

وحتى الآن، لم يظهر من إردوغان سوى القليل المؤشرات التي توحي باستعداده لتقديم تنازلات في سوريا أو المخاطرة بعلاقته المعقدة مع روسيا والتراجع عن صفقة صواريخ “S-400”.

وفي خطاب ألقاه هذا الأسبوع أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية في البرلمان، وصف إردوغان الخلافات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالـ “مصطنعة”. وأضاف قائلاً إن “تركيا تواجه سياسة الكيل بمكيالين فيما يتعلق بمسألتي شرق المتوسط وصفقة S-400. إننا مع بداية العام الجديد نتطلع إلى فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “يبدو أن الرئيس التركي يراهن على عزم إدارة بايدن خفض الاعتماد على الصين. وبكلمات خبير الشؤون الدولية آرون ل. فريدبيرغ، فإن هذا الأمر سيكون عبر تبني سياسات هي على أفضل تقدير “لا تتأثر بالضغوط السياسية اليومية”. إلا أن هذا الرهان قد يكون محفوفاً بالمخاطر”.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 24 ديسمبر 2020.