وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حال المهاجرين الأتراك أسوأ من الباقين في تركيا

الأستاذة سينام إروغلو كشفت في دراسة أخيرة أن كثيراً من الأتراك المهاجرين إلى أوروبا يعيشون حالة مادية أسوأ من الباقين في البلاد.

حال المهاجرين الأتراك
صورة تم التقاطها في مايو 1980 لعمال أتراك وهم يجلسون في إحدى الحدائق الموجودة في العاصمة الألمانية برلين. المصدر: CHRIS HOFFMANN / DPA / dpa Picture-Alliance via AFP.

نشر موقع The Conversation مقالة قارنت بين الأوضاع الاقتصادية للمهاجرين الأتراك في أوروبا ونظرائهم ممّن لم يهاجر قط وبقي في تركيا. وتستعرض سيبانم إروغلو، وهي محاضرة بارزة مختصة في السياسات الاجتماعية بجامعة برستل، في مقالتها الدراسة التي أصدرتها في هذا الخصوص مؤخراً. وتكشف أورغلو في مقالتها أن الهجرة إلى أوروبا لم تساعد اللاجئين الأتراك على تحسين مستواهم المادي.

وجرت العادة على أن يهاجر الناس إلى دول أخرى لتوفير دخل جيد وتحسين معيشتهم. لكن الأستاذة سينام إروغلو كشفت في دراسة أخيرة أن كثيراً من الأتراك المهاجرين إلى أوروبا من مختلف المناطق والأجيال يعيشون حالة مادية أسوأ من الباقين في البلاد.

وبصرف النظر عن المنافع غير المادية من البقاء في المهجر، كالعيش في بيئة منظمة، فإن وضع اللاجئين الأتراك في أوروبا يثير تساؤلات أساسية. وأهم هذه التساؤلات هو التالي: لماذا ما يزال 79% من رجال جيل المهاجرين الأول فقراء من حيث الدخل؟ وتجدر الإشارة إلى أن هذا الجيل ساهم في نمو أوروبا بالعمل في أقذر المهن وأخطرها -كالعمل في معالجة مادة الأسبست وفي قنوات الصرف الصحي. ويشير ذلك يُوجد هنا مؤشر واضح على أن أسواق العمل الأوروبية ودول الرفاهية تخذل المهاجرين وأبناءهم.

وقد بحثت إروغلو في كتابها الأخير “الفقر والهجرة العالمية” حالة الفقر في ثلاثة أجيال من المهاجرين الأتراك إلى دول أوروبية عدة منها النمسا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا والسويد وهولندا. وقارنت بينهم وبين “العائدين” الذين رجعوا إلى تركيا و”الباقين” الذين لم يغادروا البلاد قط.

وغطت الدراسة الفترة من بداية الستينيات إلى وقت عقد المقابلات (بين عامي 2010 و2012)، واعتمدت الكاتبة على عينة من 5980 بالغاً من 1992 أسرة. وشملت العينة ممن بقي من الأجداد (وأول من هاجروا كانوا رجالاً في العادة) وأبنائهم وأحفادهم.

وقد حددت الكاتبة في دراستها خط الفقر عند 60% من متوسط دخل الأسرة المتاح (مضبوطاً بحجم الأسرة) لكل بلد محل الدراسة. ومن كانوا تحت خط فقر الدولة، اعتبرتهم الباحثة فقراء الدخل.

واستقت الكاتبة بيانات هذا البحث من مسح “2000 فاميليز” الذي قامت به مع أكاديميين في المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا، وقد نتج عن المسح أوسع قاعدة بيانات عن العمالة المهاجرة إلى أوروبا، وذلك من خلال تتبع الجدود الذين انتقلوا إلى أوروبا من خمس مناطق تركية طاردة للسكان خلال فترة العاملين الزائرين بين عامي 1960 و1974 ونظرائهم الذين لم يهاجروا في ذلك الوقت.

كما يتتبع المسح أفراد العائلة الذين عاشوا في مختلف الدول الأوروبية حتى الجيل الرابع، والذين ظلوا في تركيا كذلك. وكانت هذه الفترة هي فترة دعوة العمال من تركيا للمساهمة في بناء دول أوروبا الغربية والشمالية من خلال اتفاقيات ثنائية بين الدول.

وتظهر النتائج التي يعرضها الكتاب أن 79% من رجال جيل المهاجرين الأتراك الأول الذين قدِموا إلى أوروبا واستقروا هناك يعيشون تحت خط الفقر من حيث الدخل، مقارنةً بنسبة 33% ممّن بقوا في البلاد. وفي الجيل الثالث ظل 49% من الباقين في أوروبا فقراء، مقارنة بنسبة 27% من لم يهاجروا.

وكان المهاجرون من الأجيال الثلاثة المقيمين في الدول المعروفة ببرامج الرعاية الاجتماعية الكبيرة من بين أكثر الفئات فقراً. فقد سُجّلت أعلى معدلات الفقر في بلجيكا والسويد والدنمارك.

فعلى سبيل المثال، في أجيال المهاجرين الثلاثة في السويد، يعاني 60% من فقر الدخل رغم معدل توظيف بنسبة 61%، وكان هذا أعلى معدل توظيف للمهاجرين في الدول محلّ الدراسة. كما كان متوسط المستوى التعليمي للمهاجرين في السويد أعلى ممن يعيشون في بقية دول أوروبا.

كما كشفت النتائج عن أن نسبة إكمال التعليم العالي تخطت 37% بين “الباقين” من الجيل الثالث بينما كانت أقل من 23% بين الجيل نفسه في دول أوروبا.

العائدون أفضل حالاً

اتضح أن الحصول على شهادة جامعية لا يعزز فرص الخروج من الفقر إلا للمستقرين في تركيا. أما حال “العائدين” فكان أفضل ممن هاجروا في أوروبا، ومثله مثل “الباقين” إن لم يكن أفضل.

وعانى أقل من ربع الجيل الأول والجيل الثالث من العائدين (23% و24% على التوالي) من فقر الدخل، وذلك رغم أن 43% من الجيل الثالث كانوا يحملون مؤهلات جامعية. ويبدو أنّ المال الذي جنوه من الخارج ومؤهلاتهم الجامعية أدرّ عليهم منافع اقتصادية في تركيا أكثر مما فعل في بلاد أوروبا.

وترى الكاتبة أننا لا يجب أن نستخلص من نتائج البحث أن الهجرة قرار سيء من الناحية الاقتصادية لأننا لا نعرف مدى فقر هؤلاء المهاجرين قبل هجرتهم. إذ يُقال إن مهاجري الجيل الأول كانوا أفقر ممن قرروا البقاء في فترة العمال الزائرين، وربما استفادوا اقتصادياً من انتقالهم كذلك، ويدعم وضع العائدين الجيد هذا الزعم.

كما لا يجب أن نستنتج من النتائج أن على المهاجرين أن يرجعوا إلى بلدهم ما لم يحصلوا على دخل كافٍ في بلدهم الجديد. وتُظهر النتائج الأولية لبحث آخر تجريه الكاتبة الآن أنه رغم تأثير فقر الدخل على رضا المهاجرين عن الحياة، فإنّ هناك منافع غير مادية من الهجرة لا نعرف نوعيتها على وجه الدقة لكنها من قبيل العيش في بيئة منظمة تسهّل الحياة اليومية.

لكننا ما زلنا نحاول الإجابة على سؤال لماذا ظلّ المهاجرون فقراء. وفي هذا الصدد، تشير الأدلة إلى أن العنصرية الممنهجة الخفية قد تكون سبباً في ذلك. وتؤكد ذلك نتائج دراسة أخرى صدرت مؤخراً وأظهرت أن ما يزيد عن نصف الأوروبيين لا يرحبون بالمهاجرين من الدول الفقيرة خارج أوروبا.

فلو كان المهاجرون محل ترحيب، لوضعت دول المهجر التي تفوق معدلات الرعاية الاجتماعية فيها معدلاتها في تركيا إجراءات تحمي العمال الزائرين من خطر الفقر في الشيخوخة. كما أن بإمكان هذه الدولة أن تحول دون تخلف أطفالهم وأحفادهم عن نظرائهم في تركيا على مستوى إكمال التعليم العالي.

وبحسب الكاتبة، فإن الدول الأوروبية سابقة الذكر لم تكن لتسمح للعمال الزائرين بالاستقرار فيها وعوائدهم لا تتناسب مع مؤهلاتهم التعليمية في أسواق العمل المنظمة. وتضيف: “لن نلاحظ أن أعلى معدلات للفقر هي في دول لها برامج رعاية اجتماعية سخية كالسويد –المصنفة من بين الأفضل بسبب تشريعاتها المناهضة للتمييز المبنية على أساس تكافؤ الفرص”.

وبشكل عام، تبدو صورة المهاجرين “المنبوذين” قاتمة. وما لم تحدث تغييرات هيكلية، فلن تتغير هذه الصورة.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/global في 04 يناير 2023