وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ارتفاع غير معلن عنه في أسعار الوقود يشهد عودة الإيرانيين إلى الشوارع

Fuel demos iran
إيرانيون يسيرون بالقرب من فرع أحد المصارف المحلية التي تعرضت للتخريب خلال مظاهرات ضد ارتفاع أسعار الوقود في 20 نوفمبر 2019. Photo: ATTA KENARE / AFP

تضاعفت أسعار الوقود في إيران ثلاث مرات في 15 نوفمبر 2019، مما أثار غضباً عارماً وأشعل احتجاجاتٍ واسعة النطاق في البلاد. وعلى الرغم من أن الارتفاع كان متوقعاً منذ شهور وكادت إدارة حسن روحاني تنفيذه في شهر مايو قبل أن تتراجع في اللحظة الأخيرة تحت ضغطٍ برلماني، بيد أنه هذه المرة لم تعلن الحكومة عن القرار مسبقاً، بل استيقظ الناس ليجدوا أن تنفيذ ارتفاع الأسعار قد تم في الليلة السابقة.

يمكن تصنيف الأسباب التي دفعت الحكومة لرفع الأسعار إلى ثلاثة أسباب، أولها معالجة تهريب الوقود من إيران إلى الدول المجاورة، كما أقر المسؤولون مراراً وتكراراً. فنتيجةً للدعم الكبير للوقود، خاصة بعد انخفاض أسعار العملات في العامين الماضيين، أصبحت أسعار الوقود الإيرانية أقل بكثير من معظم جيرانها. وقبل رفع الأسعار، كان سعر البنزين الإيراني أقل من 0,09 دولار، مقارنةً بـ0,40- 1,5 دولار في أماكن أخرى في المنطقة.

فقد أصبح التهريب تجارةً مربحة، حيث يتم تهريب ما بين 20 إلى 40 مليون لتر عبر الحدود يومياً. بالإضافة إلى ذلك، نظراً لأن إيران تحدها 15 دولة، فمن شبه المستحيل تقريباً أن تسيطر الحكومة على جميع الحدود بشكلٍ دائم. وللتغلب على تهريب الوقود، لجأت الحكومة إلى سياسة أخرى: تخفيض الإعانات.

سببٌ آخر قدمه المسؤولون الإيرانيون لرفع الأسعار هو خفض الاستهلاك الداخلي. تتمثل الحجة الأساسية بعدم وجود حافزٍ لأصحاب المركبات للتحكم في استخدام الوقود نتيجة الدعم الكبير للوقود، وعليه، ارتفع استهلاك الوقود بنسبة 7,9% في عام 2017 و14,2% في عام 2018. وبالتالي فإن تخفيضات الدعم تهدف إلى “ترشيد” الاستهلاك.

أما السبب الثالث، والذي يعدّ السبب الرئيسي بالنسبة للكثيرين لارتفاع الأسعار، هو تمكين الحكومة من إصلاح الاقتصاد بطريقة تعزز كلاً من قدرتها المالية على مواجهة حملة “أقصى قدر من الضغط” التي تمارسها الولايات المتحدة ضد إيران، ومن خلال خطة إعادة التوزيع التي أعلنتها الحكومة، وتخفيف الضغط المالي على الفقراء. وكما يجادلون فإن نصف السكان الذين يمتلكون السيارات يحصلون على الدعم بينما لا يستفيد النصف الآخر من هذه الإعانات. وللتغلب على هذا الخلل، قالت الحكومة إنها ستستخدم إعانات الوقود المسحوبة لتوزيعها على المحتاجين، حيث تمت بالفعل الجولة الأولى من هذه التوزيعات في أواخر نوفمبر.

وعلى الرغم من الحجج الرسمية، واجه الشعب صعوبةً في فهم الأسباب الكامنة وراء توقيت وتنفيذ رفع الأسعار. لم يركز الغضب والنقد الذي تلا ذلك بشكلٍ أساسي على زيادة الأسعار نفسها، ولكن على طريقة تنفيذها والإدارة الاقتصادية للحكومة على نطاق أوسع. بالإضافة إلى ذلك، شكك كثير من الناس في أن هذا الارتفاع سيزيد من مرونة الاقتصاد من خلال إعادة توجيه أموال الدولة.

وبالتالي، صبيحة الإعلان عن رفع الأسعار، بدأت الدعوات إلى المظاهرات ضد القرار تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كانت هناك طرقٌ مختلفة للتعبير عن المعارضة. كان الحدث الرئيسي في اليوم الأول من المظاهرات في 17 نوفمبر هو اعتصامات السيارات. ففي طهران، تم إغلاق طريقين سريعين لساعات، وفي مدنٍ أخرى، نظمت مظاهرات سلمية.

ولكن بحلول نهاية اليوم، تحولت المظاهرات إلى أعمال عنفٍ في بعض المدن، حيث اشتعلت النيران في المصارف والمباني العامة ووردت أنباء عن اشتباكاتٍ مع قوات الأمن. وخلال الأيام التالية، انخفض عدد المتظاهرين ولكن ظهرت مجموعات عنيفة صغيرة.

حدثت المظاهرات الأكثر أهمية في المدن الأصغر وضواحي المدن الكبرى. ففي محافظة طهران، على سبيل المثال، كانت المدن الصغيرة حول العاصمة المسارح الرئيسية للمظاهرات. ومن الجدير بالذكر أن السلطات لم تلجأ إلى أساليب غير معتادة أو القوة لقمع الاضطرابات، بخلاف قطع شبكة الإنترنت لمدة أسبوع. بمعنى آخر، كانت الشرطة النظامية ومكافحة الشغب هي القوات الوحيدة التي تم نشرها للتعامل مع المحتجين، على عكس المظاهرات السابقة، ولا سيما الاضطرابات الضخمة التي حدثت في عام 2009 بعد نتائج الانتخابات المتنازع عليها. ووفقاً للسلطات، يعكس هذا الطبيعة الهامشية للمظاهرات الأخيرة.

غير أن قطع الإنترنت أشار إلى قلق السلطات بشأن الاتجاه الذي ستتخذه المظاهرات. ففي حين يشير العنف في أجزاء من البلاد إلى وقوع عددٍ كبير من الإصابات، إلا أن السلطات امتنعت عن الإعلان عن أي أرقام محددة، مشرعةً أبواب التكهنات أمام الأحزاب المختلفة، التي عادةً ما تكون متحيزة. من جهتها، قدرت منظمة العفو الدولية الرقم بـ 208، بينما أفاد موقع إلكتروني للمعارضة أن 366 شخصاً قد قتلوا.

لم تدم المظاهرات التي أطلق عليها اسم “مظاهرات الوقود” طويلاً بعد تصاعد العنف. ويبدو أن هناك ثلاثة أسباب لذلك: الأول هو أن الإيرانيين العاديين فقدوا رغبتهم بالمشاركة بعد رؤية المظاهرات السلمية تتحول إلى العنف. والثاني هو أن الاقتراحات الأولى للحكومة أقنعت العديد من المتظاهرين بأن رفع الأسعار هو جزء من خطة إصلاح اقتصادي حقيقية تهدف إلى إعادة توزيع الإعانات. والثالث هو أن قوات الأمن ألقت القبض على العديد من المتظاهرين، وخاصة في الأماكن التي شهدت عنفاً شديداً. وبالرغم من إطلاق سراح العديد من المعتقلين بعد ذلك بوقتٍ قصير، بيد أن المتهمين بالتحريض على العنف والمشاركة فيه محتجزون في انتظار المحاكمة.

ومن المفارقات أن يكون لارتفاع الأسعار أحد العواقب المحمودة: فقد انخفض استهلاك الوقود بمقدار 23 مليون لتر من أصل 105 مليون لتر التي كان يتم استهلاكها يومياً قبل رفع الأسعار. وشريطة أن تستمر إعادة توزيع الإعانات المسحوبة، يمكن أن تزيد هذه السياسة من الدعم السياسي للنظام بين الفقراء – والذي يبدو أنه أحد الأسباب السياسية الرئيسية لرفع الأسعار – لا سيما في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأمريكية.