وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاحتجاجات في إيران تُشير إلى مأزقٍ اقتصادي

Iran- Protests in Iran
طلاب إيرانيون يحتجون في جامعة طهران خلال المظاهرات التي اندلعت بدافع الغضب من المشاكل الاقتصادية، في العاصمة الإيرانية، طهران، في 30 ديسمبر 2017. Photo AFP

في الأيام الأخيرة من عام 2017، أدى ارتفاع الأسعار والمشاكل الاقتصادية المستمرة في إيران إلى إشعال شرارة احتجاجاتٍ وطنية واسعة النطاق مما شكل صدمةً للمؤسسة السياسية. وعلى الرغم من أن غالبية المتظاهرين رددوا شعاراتٍ مناهضة للمؤسسة، إلا أن الوضع الاقتصادي المتردي وراء هذه الاضطرابات.

وبالرغم من انخفاض وتيرة الانتفاضة إلى حدٍ كبير، إلا أن السبب الرئيسي للإنتفاضة لم ينتهِ بعد. واليوم، مع تركيز جميع الأضواء على الرئيس حسن روحاني لإيجاد حلٍ اقتصادي سريع، ما مدى واقعية فرصه بتوفير سبلٍ لمعالجة مشاكل البلاد الاقتصادية؟

ورث روحاني اقتصاداً مدمراً من الرئيس محمود أحمدي نجاد في عام 2013. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط خلال فترة حكم أحمدي نجاد، إلا أن الاقتصاد أصيب بالشلل بسبب سنواتٍ من العقوبات الدولية، والفساد المستشري، والتضخم المفرط وسوء الإدارة.

ومنذ انتخاب روحاني في عام 2013، انخفض التضخم السنوي من 34% إلى 10%. وعلاوة على ذلك، عاد النمو للارتفاع، حيث أشارت منظماتٌ مثل صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد – الذي شهد انكماشاً منذ خمس سنوات – سيتحسن بنسبة 4,2% في الأشهر الثلاثة الأولى، حتى مارس 2018. ومع أن هذه الأرقام ليست إلا آمالاً على الورق، إلا أن أحداً لم يستشعر حقيقتها على أرض الواقع في أرجاء البلاد.

وتعتبر البطالة من التحديات الرئيسية التي تواجه روحاني، إذ يبلغ معدل البطالة، رسمياً، حوالي 12,5%. ومع ذلك، فإن معدل البطالة بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً يزيد عن 24%، بل يرتفع أيضاً بين الشباب والنساء في المناطق الحضرية. وعليه، وصف صندوق النقد الدولي المرأة الإيرانية بـ”المصدر غير المستغل للنمو والإنتاجية.” وتشكّل بطالة الشباب مشكلةً متعددة الأبعاد، إحداها هجرة الأدمغة التي تكلف البلد أكثر من 150 مليار دولار سنوياً. وفي المتوسط، يغادر البلاد نحو 150 ألف إيراني من المتعلمين كل عام، مما يترتب عليه عواقب قصيرة الأجل وطويلة الأجل، على حد سواء، على الاقتصاد.

كما تعرضت العملة الإيرانية، الريال، لضغوطٍ شديدة في عام 2017، حيث انخفض سعر الصرف إلى 42,900 ريال مقابل الدولار الواحد من 36,000 ريال في نهاية عام 2016. ويمكن لروحاني دعم العملة من خلال إنفاق المزيد من احتياطيات إيران الخارجية، إلا أن هذا قد يُعرّض الاستثمار الأجنبي للخطر، الذي يرزح بالفعل تحت الضغوطات بسبب العقوبات الجديدة التى تهددها الولايات المتحدة الأمريكية بفرضها. كما أن الحكومة واجهت بالفعل صعوباتٍ بجذب الاستثمارات الأجنبية. وعقب الاتفاق النووي في عام 2015، قال روحاني إن بلاده تهدف إلى جذب ما لا يقل عن 30 مليار دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية.

فقد بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2016 ما يزيد قليلاً عن 3,4 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 64% مقارنةً بعام 2015، بيد أنها أقل بكثير من المبلغ الذي تحتاجه إيران لتحقيق أهدافها الاقتصادية.

وفي ديسمبر 2017، عرضت الحكومة ميزانية السنة الإيرانية ابتداءً من 21 مارس 2018 أمام البرلمان، حيث ارتفعت الميزانية البالغة 104 مليار دولار بنحو 6% عن السنة السابقة، إلا أن قيمتها الحقيقية انخفضت بسبب معدلات التضخم الحالية. وفي الميزانية، اقترحت الحكومة خفض الدعم عن السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء، والخدمات المقدمة للفقراء، فضلاً عن رفع أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 50%. ومع ذلك، لن تطبق تدابير التقشف هذه على المؤسسات الدينية، التي لا تبسط الحكومة سيطرةً كافيةً عليها.

ويؤكد هذا التفاوت أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الإيراني: فجماعات المصالح الاقتصادية القوية غير مسؤولة أمام الحكومة. هذه الجماعات، والتي وفقاً لبعض التقديرات تسيطر على 60% من الأصول في إيران، لا تدفع، بشكلٍ عام، الضرائب وتُعيق المنافسة أمام الشركات الخاصة الصغيرة، مما يحدّ من خلق فرص العمل.

فالاقتصاد الإيراني مبنيّ على ثلاثة قطاعات: العام والخاص وشبه الحكومي. ويشتمل القطاع شبه الحكومي على المؤسسات والتعاونيات الثورية والعسكرية والدينية، وصناديق الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية. ونتيجةً لعمليات الخصخصة المعيبة في العقود الأخيرة، تحولت ملكية العديد من مؤسسات الدولة والأعمال التجارية إلى القطاع شبه الحكومي. ولذلك، أصبح القطاع شبه الحكومي تدريجياً أكبر دائرة اقتصادية. وبالتالي، عندما لا يكون جزء كبير من الاقتصاد مسؤولاً أمام الحكومة ولا يُسهم بما فيه الكفاية في خزائن الدولة، يحدّ هذا من التحسينات الاقتصادية التي يمكن أن تقوم بها الحكومة.

وعلاوة على ذلك، يستشري الفساد في البلاد، ففي عام 2016، صنفت منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة عالمية تُعنى بالمجتمع المدني، إيران في المرتبة 131 من أصل 176، مما يجعلها واحدةً من أكثر بلدان العالم فساداً. وتعترف الحكومة والهيئات العامة الأخرى بالمشكلة، إلا أنها لم تتوصل إلى اتفاقٍ حول كيفية معالجتها.

إذاً، ما هي خيارات روحاني؟ حقق روحاني انتصاراً ساحقاً في الانتخابات بناءً على وعوده بتغيير الوضع للأفضل، بيد أنه يفتقر إلى القوة اللازمة لإجراء أي تغييراتٍ جذرية. وبالتالي، ليس من المستغرب اليوم ندم الكثير من الناس الذين صوتوا له على اختيارهم له، فهذا الشعور بخيبة الأمل لا يؤثر فحسب على الحكومة، بل يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على بقية النظام.

وعلى الرغم من خلافاتهم، عندما يتعلق الأمر ببقاء النظام على قيد الحياة، نجد أن الاصلاحيين والمتشددين لديهم الكثير من القواسم المشتركة. في الواقع، هُزت جميع الفصائل بحجم الانتفاضات الأخيرة، ذلك أنهم يعرفون تماماً أن الغضب الشعبي يتزايد رغم استعادة النظام.

في نهاية المطاف، يتطلب إيجاد حلٍ اقتصادي جذري للتوصل إلى تفاهمٍ جديّ بين جميع قطاعات المؤسسة- وهو تفاهمٌ من غير المحتمل أن يقبل به أولئك الذين يستفيدون حالياً من النظام الفاسد. ومن المؤكد أن الوضع الراهن، الذي دفع بالعديد من الإيرانيين إلى اليأس، سيمهد الطريق أمام تكرار انتشار المعارضة، التي يمكن أن تخرج عن السيطرة في أي وقت.

المصادر: IMF, World Bank Data, OPEC Annual Statistical Bulletin, Bloomberg.com and Cordesman: The Crisis In Iran: A Broader Perspective. @Fanack