لا يتطلب الأمر رأي خبير لإدراك إمكانات الطاقة الشمسية في مصر، إذ تتعرض بعض المناطق في البلاد إلى أكثر من 4,000 ساعة من أشعة الشمس سنوياً، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم. وبما أن ما نسبته 95% من الـ91 مليون نسمة في مصر يسكنون 5% فقط من مساحة اليابسة، تمتلك البلاد مساحات شاسعة من الصحراء الخالية.
أضف إلى ذلك الإرتفاع في الطلب على الطاقة النمو السكاني الحاد، وسلسلة من انقطاع التيار الكهربائي خلال ذروة أشهر الصيف الناجمة عن عدم كفاية الإمدادات، إذ يبدو أن مصر باتت مستعدة لازدهار الطاقة الشمسية.
ولكن، هل يحصل هذا؟ حالياً، يتم إنتاج أقل من 1% من الكهرباء في مصر عن طريق الطاقة الشمسية. تأتي الطاقة الشمسية المتوفرة في الغالب من المشاريع الصغيرة، على سبيل المثال على أسطح المنازل. أما المشاريع الكبيرة، التي تصل طاقتها الإنتاجية إلى 10 ميجاواط، فتندرج فحسب تحت عدة حلولٍ هجينة بين الطاقة الشمسية والديزل المستخدمة في الزراعة والمنتجعات، والتي طورتها شركة مصدر من الإمارات العربية المتحدة.
“لا تزال في مرحلة الطفولة،” هذا ما قاله لنا أليكس وارن، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمجموعة «فرونتير» الاستشارية ومقرها المملكة المتحدة، التي تراقب سوق الطاقة المصري.
وأضاف “هناك العديد من المشاريع الصغيرة الجارية اليوم، إلا أنها لا تتمتع بتأثير كبير على مزيج الطاقة الكلي.”
وتأمل الحكومة بتغيير هذا الوضع، وذلك لأسبابٍ بيئية ولجذب الاستثمارات الأجنبية على حد سواء. وبحلول عام 2020، تخطط لتوليد 20% من احتياجاتها من مصادر الطاقة المتجددة، 2% منها من الطاقة الشمسية، و12% من الرياح، و6% من الطاقة المائية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أطلقت الحكومة برنامجاً تحفيزياً في نوفمبر 2014، حيث عرضت ما يصل إلى 0,142 سنتاً لكل كيلوواط ساعي كتعرفة لإمدادات الطاقة المتجددة لمشاريع الطاقة الشمسية والرياح التي تتراوح قدرتها ما بين 25 ميجاواط إلى 50 ميجاواط. أدى هذا إلى إدراج حوالي 40 مشروعاً في مدينة أسوان جنوب البلاد، فضلاً عن عدة مواقع أخرى، ليتم تطويرها من قِبل الشركات المحلية والعالمية للطاقة المتجددة.
ووفقاً لوارن، فإن إمكانات الطاقة الشمسية ضخمة، وأضاف أنه إلى جانب وفرة أشعة الشمس في البلاد، فإن نوع الصحراء مناسبٌ لألواح الطاقة الشمسية حيث أن طبقات الصخور المانعة للانجراف تمنع هبوب الرمال على الألواح.
وعلاوة على ذلك، فإن البُنية التحتية اللازمة لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية واسعة النطاق موجودة بالفعل، كما أن هناك سهولة في الوصول للمواد المطلوبة من الصين عن طريق الموانئ في خليج السويس، ويتم حالياً بناء خطوط نقل جديدة للمساعدة في تحمّل قدرة إضافية.
وفي ضوء ذلك، منحت الشركات مهلة حتى أكتوبر 2016 لوضع اللمسات الأخيرة على التمويل وعقود المشاريع.
ومع ذلك، فقد تعرضت المشاريع في ظل إطار مخطط تعرفة إمدادات الطاقة المتجددة لضربة في يونيو 2016. ففي المراحل النهائية من المفاوضات، أدرجت وزارة الكهرباء بنداً جديداً في اتفاقية شراء الطاقة الكهربائية، والذي تصّر فيه على التحكيم المحلي فحسب (وليس الدولي) في حال المنازعات.
أدى هذا الشرط إلى انسحاب المؤسسات المالية الدولية بصورة عامة من المشاريع.
ويقول وارن، “يكمن التحدي الرئيسي الآن في الإطار التنظيمي والمالي.” وأضاف “قبل شهرين، كان هناك زخم كبير لإنطلاق مشاريع تعرفة إمدادات الطاقة المتجددة، إلا أنّ الشكوك حول اتفاقية شراء الطاقة الكهربائية ساهمت في إبطائها.”
وبحسب ما ورد فقد أخطرت العديد من الشركات الوزارة بعدم قدرتها على تأمين التمويل للمشاريع بسبب شرط التحكيم المحلي. كما قدمت العديد من الشركات المشاركة في البرنامج مقترحاً للحكومة من أجل التوصل إلى حل وسط للمضي قُدماً بالمشاريع، ولكن دون تحقيق أي نجاحٍ يُذكر حتى الآن.
ويبقى أن نرى ما إذا كان متعهدي الطاقة الشمسية، الذي قدموا بالفعل استثماراتٍ كبيرة، سينتظرون تعرفة إمدادات الطاقة المتجددة للجولة الثانية، والتي سيُعلن عنها في خريف 2016، ليقرروا ما إذا كانوا سيواصلون مشاريعهم أم لا.
وقد يكون أحد أسباب التغيير في اللحظة الأخيرة أنّ الحكومة أرادت الحدّ من تعرضها المالي لتعرفة الجولة الأولى، الذي كان مرتفعاً نسبياً. ويقول وارن “هناك دول أخرى تدفع أسعارا أقل بكثير للكهرباء، لذا ربما أن مصر تعتقد أنها قدمت معدلاً سخياً جداً.”
وأحد الأمور التي قد تكون لعبت دوراً أيضاً بناء ثلاث محطات لتوليد الكهرباء بالغاز بقدرة 4,800 ميجاواط من قِبل شركة سيمنس الألمانية، والتي سيبدأ عملها مع نهاية عام 2016. ومن المتوقع أن تلبي هذه المحطات معظم احتياجات مصر الفورية من الكهرباء.
وتوقع وارن “أن يكون لدى مصر فائض من الطاقة النظيفة بحلول بداية عام 2017.”
وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يبدأ حقل الغاز الضخم الذي تم اكتشافه في البحر المتوسط قبالة السواحل المصرية في أغسطس 2015، انتاجه في عام 2017، إلى جانب العديد من الاكتشافات الكبرى الأخرى. ويبدو أن مصر، في الوقت الراهن على الأقل، تُعطي الأولوية لتحقيق مكسبٍ من إنتاج حقل الغاز هذا من خلال المحطات التي تعمل بالغاز على إمكاناتها من الطاقة الشمسية.
وعلى صعيدٍ متصل، فقد دفعت الشكوك التي تحوم حول الاتفاقيات مع الحكومة باختيار المتعهدين سلوك مسارٍ آخر: تطوير أنظمة الطاقة الشمسية المنفصلة عن الشبكة (الفردية).
أحد اللاعبين في هذا المجال، شركة كرم للطاقة الشمسية (KarmSolar). تتمثل مهمة هذه الشركة التي تأسست عام 2011، بتمكين الأفراد ودمج المجتمعات من خلال أنظمة الطاقة الشمسية المنفصلة عن الشبكة، حيث بدأت بتقديم أنظمة الضخ الشمسية للمزارعين في الصحراء الغربية.
وكان أحمد زهران، الرئيس التنفيذي ومؤسس الشركة قد أخبر Fanack أن استهداف سوق أنظمة الطاقة الشمسية المنفصلة عن الشبكة “منطقي أكثر،” إذ يخلق استقلالية في مجال الطاقة ويتجنب الاضطرار إلى التعامل مع البيروقراطية الحكومية.
وإلى جانب الزراعة، تقوم شركة كرم للطاقة الشمسية ببناء محطاتٍ للطاقة الشمسية للمنتجعات في جنوب مصر (150 كيلوواط و75 كيلوواط). وفي الشهر المقبل، ستبدأ بتشغيل محطة بقدرة 1 ميجاواط في اتفاقٍ مباشر مع شركة منتجات الألبان، جهينة.
ومع العديد من المشاريع الكبيرة (ما يصل إلى 10 ميجاواط) مع الشركات الخاصة في خطوط الأنابيب، لدى شركة كرم للطاقة الشمسية خططٌ للتوسع في السنوات القليلة المقبلة. وعلى الرغم من أنّ عدد المشاريع لا يزال صغيراً، إلا أنّ زهران يرى أنّ مستقبل الطاقة الشمسية يكمن في تغيير السوق إلى سوق يعتمد على الطاقة الشمسية المنفصلة عن الشبكة؛ سوق مستقل عن الحكومة ويركز على الابتكار.
ويقول “أريد على المدى الطويل أن تكون أنظمة الطاقة الشمسية المنفصلة عن الشبكة قادرةً على منافسة الأنظمة المتصلة بالشبكة.”
العقبات الأخيرة التي تواجه مشاريع الطاقة الشمسية الكبرى المتصلة بالشبكة تدعم رؤيته.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حالياً عدد قليل من الحوافز للأفراد والجهات الخاصة لتثبيت ألواح أنظمة الطاقة الشمسية المتصلة بالشبكة، على أسطح المنازل على سبيل المثال، إذ أن من الصعب على أنظمة الطاقة الشمسية المتصلة بالشبكة المنافسة اقتصادياً مع الكهرباء المدعومة إلى حدٍ كبير من الشبكة.
يعترف وارن أن شركاتٍ مثل شركة كرم للطاقة الشمسية تنمو بسرعة كبيرة وتستفيد من حاجة السوق، إلا أنه يرى أنّ مشاريع أنظمة الطاقة الشمسية الكبرى المتصلة بالشبكة ضرورية ليكون للطاقة الشمسية تأثيرا حقيقيا على خليط الطاقة الكلي في البلاد.
“جل ما يحتاجون إليه هو جولة أولى ناجحة لمشاريع الطاقة الشمسية المتصلة بالشبكة لتزدهر فعلاً الطاقة الشمسية في البلاد.”
تحدٍ آخر يواجه هذه المشاريع هو الإنخفاض الأخير في سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، مما يرفع من تكلفة استيراد المواد اللازمة. وعلاوة على ذلك، أصبح من الصعب إرسال الدولارات خارج البلاد.
ومع ذلك، لا يزال وارن متفائلاً. “الطاقة الشمسية مرحلة غاية في الأهمية في الوقت الراهن. عليهم إيجاد وسيلة لمواصلة العمل على مشاريع تعرفة إمدادات الطاقة المتجددة الكبرى هذه.”