منذ ثورة 2011 في مصر، يعاني إقتصاد أكثر الدول العربية اكتظاظاً بالسكان من الإضطرابات، إذ يعتمد البلد اعتماداً كبيراً على السياحة كمصدر رئيسي للعملة الأجنبية، حيث تمت خسارة ما نسبته الثلث خلال عام 2011 فقط. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الأسواق انسحاب العديد من المستثمرين الأجانب وسط مخاوف بشأن حالة عدم التيقّن السياسي التي لم تُظهر أي دلائل على اتحاد الآراء.
كانت المشاكل الاقتصادية التي تُثقل كاهل الفقراء أحد العوامل الرئيسية التي دفعت الناس إلى الخروج إلى الشوارع ضد محمد مرسي، أول رئيس منتخب بحرية في مصر، بعد أقل من عام على توليه منصبه. شكّل هذا ضغطاً هائلاً على خليفته، عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق الذي قاد انقلاباً مدعوماً بسلطة الشعب الذي أطاح بالرئيس عام 2013، يستدعي السرعة في التخفيف من بعض المشاكل التي يواجهها الشعب.
لم تكن خطط السيسي الإقتصادية واضحةً قط، ويُعزى ذلك إلى التصريحات المتضاربة التي غالباً ما صرّح بها سواء في خطاباته أو في المناسبات العامة أو حتى عبر التسجيلات المسربة. كان بعضها يدعم بقوة السوق الحرة، كما هو الحال عندما اقترح دفع ضرائب على مكالمات الهاتف المحمول في حال إجراء أو تلقيّ المكالمات، بينما اتخذ بعضها منحنى أكثر اشتراكية، عندما دعا لعكس اتجاه الخصخصة الذي بدأ في عهد مبارك.
خلال حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية، تعرّض السيسي في كثير من الأحيان لإنتقادات حادة من المعارضين والناشطين لفشله في تقديم برنامج رئاسي يتضمن خطة اقتصادية واضحة. وعندما سئل عن ذلك في مختلف لقائاته التلفزيونية أثناء فترة الترشح، تجنب دوماً إعطاء إجابات واضحة، مما أثار العديد من المخاوف. ومع اقتراب السباق الرئاسي على نهايته، أصدر مكتب حملته أخيراً برنامجاً موجزاً على شبكة الانترنت، يذكر بعض الحلول الممكنة التي تتضمن رفع الضرائب وإعادة توزيع الدعم لخدمة من هم في أمس الحاجة إليه، ولكن دون تقديم أي تفاصيل حول خطط تحقيق ذلك.
ومع ذلك، فإن عدم وجود رؤية واضحة، وبعض التصريحات التي أدلى بها السيسي، مثل اقتراحه توفير الناس للمال عن طريق المشي أو ركوب الدراجات الهوائية عند التوجه إلى العمل أو الجامعة لتوفير المال للبلاد، أثار السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي بسبب عرضه حلولاً محدودة للغاية. كما أدت تعليقات أخرى، مثل تلك التي تحث الشباب على اعتماد تدابير تقشفية صارمة “للمساعدة في بناء مصر” إلى شعور الشباب الذين كانوا يعانون بالفعل من ارتفاع معدل البطالة والإنحدار السريع في نوعية الحياة إلى الشعور بالإحباط.
وبعد عام من الإطاحة بمرسي، كان الشيء الوحيد الذي ساعد الاقتصاد المصري على مواصلة الوقوف على قدميه، التبرعات السخية، التي بلغ مجموعها 12 مليار دولار أمريكي من قِبل دول الخليج الغنية من مؤيدي الانقلاب، ولكن في نهاية المطاف، توقفت هذه التبرعات. طالبت حكومات هذه البلدان الحصول على ضمانات من السيسي، بعد أن أصبح رئيسا، بالعمل على تحسين الاقتصاد، مقابل دعمها المستمر.
الرئيس السيسي
خلال فترة ترشحه للإنتخابات الرئاسية، وعد السيسي بأنه لن يعمد إلى رفع أسعار المواد الغذائية أو الوقود، متعهداً بزيادة الدخل و”جعل الناس أكثر ثراءً” قبل خفض الدعم، لكنه تراجع عن هذا الوعد في غضون أشهر قليلة.
بعد فوزه بالرئاسة، واجه السيسي التحدي المتمثل في محاولة تلبية مطالب ملايين الشباب المحرومين الذين عانوا منذ ثورة 2011. وعندما حاولت حكومته تمرير الميزانية السنوية مع وجود عجز بنسبة 12 في المئة، رفض الموافقة عليها؛ مما أدى إلى سلسلة من القرارات التي لم تحظى بشعبية والتي تهدف إلى إعادة الميزانية تحت السيطرة.
شملت هذه التدابير رفع بعض الدعم على الوقود، مما أدى إلى رفع سعر البنزين والديزل بنسبة تصل إلى 78%. كما أعلنت الحكومة عن خطط لزيادة أسعار الوقود بشكل منتظم على مدى السنوات القليلة المقبلة، بهدف رفع الدعم بشكل كليّ عن الوقود في غضون خمس سنوات.
وارتفعت أسعار الكهرباء والغاز بشكل حاد، فضلاً عن فرض ضرائب مبيعات جديدة على الكحول والسجائر. أدى ارتفاع الوقود إلى تبعات اقتصادية أخرى القت بظلالها على كل شيء بدءاً من المواد الغذائية وصولاً إلى وسائل النقل، مما أثقل كاهل الأسر ذات الدخل المنخفض. وفي حين وعدت الحكومة في الحفاظ على الأسعار تحت السيطرة، إلا أنها كانت ولا تزال غير قادرة على ذلك إلى حدٍ كبير.
دافع بعض الإقتصاديين بحجة أنّ هذه التدابير ضرورية للحفاظ على العجز في حدوده الدُنيا، في حين أدانها البعض الآخر لأنها تؤثر على الفقراء أكثر من الأغنياء.
وفي ظهور تلفزيوني، وعد السيسي بالتبرع بنصف ثروته ونصف راتبه لصندوق دعم مصر. ومن ثم دعا رجال الأعمال فعل الشيء ذاته، وطلب من المصريين شد أحزمتهم واعتماد تدابير تقشفية لخفض الإنفاق الحكومي.
الحاجة إلى الإصلاح
تحت ضغط من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تشعر بالقلق حيال كيفية استخدام القيادة المصرية للمساعدات التي تتلقاها من الجهات المانحة لغايات النمو الاقتصادي المستدام، توجهت الحكومة إلى طلب المساعدة من مستشارين غربيين في محاولة لوضع خطة اقتصادية من شأنها درء الأضرار التي لحقت بها منذ عام 2011.
اقترح هؤلاء الخبراء أن البلاد بحاجة إلى ما لا يقل عن 60 مليار دولار في مجال الاستثمار لتصل إلى نمو بنسبة 5 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2018 و60 مليار دولار إضافية لتعزيز احتياطي العملات الأجنبية، والتي قد تتضاءل إلى ما يقرب نصف ما تم التحفظ عليه قبل ثورة 2011.
ووفقاً للعديد من الإقتصاديين، يعدّ قرار رفع الدعم، الذي لم يحظى بقبول شعبي، إحدى توصيات المستشارين. وتأمل الحكومة المصرية أن يساعدها هذا على استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي (IMF)، والتي توقفت في وقت سابق خلال رئاسة مرسي. يمكن لهذا أن يزيد ثقة المستثمرين، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والاستراتيجيات الاقتصادية المبهمة بعد خلع مبارك.
وقال رجل الأعمال والملياردير المصري سميح ساويرس، أنه وبالرغم من ذلك، لن يستثمر في بلده في الوقت الراهن، مشيراً إلى القمع السياسي، وفشل الحكومة في اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة، والنظام القانوني الذي لا يحمي المستثمرين.