
مات ناشد
يواجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صعوباتٍ جمة لإخراج المصريين من فقرٍ مائي، إذ وفقاً للأمم المتحدة، لا ينبغي أن تقل حصة الفرد السنوية، بحسب خط الفقر المائي، عن 1000 متر مكعب، إلا أن نصيب مصر أقل من 600 متر مكعب سنوياً للفرد الواحد.
يمكن القول إن أزمة المياه تُشكل أكبر مصدر قلقٍ لنظام السيسي، إذ يُمثل قطاع الزراعة حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وللحفاظ على هذا القطاع، تشجع الحكومة المزارعين على توفير المياه من خلال اعتماد أساليب الري بالتنقيط. ويقول الخبراء والمسؤولون إن أسلوب الري المذكور أكثر استدامةً من الري بالغمر، وهي طريقة قديمة تعتمد على ري سطح الحقل بالكامل. ومع ذلك، يمثل إقناع المزارعين بإجراء هذا التغيير تحدياً متواصلاً.
وفي هذا الصدد، قال علاء عزوز، مدير الإرشاد الزراعي في وزارة الزراعة المصرية: “نعلم أنهم يريدون رؤية نماذج تنفيذ ناجحة وزيادة الإيرادات التي يقدمونها.”
علاوةً على ذلك، يعدّ معدل المواليد المرتفع قضيةً رئيسية أخرى تتعلق بالأمن المائي. ففي مصر، ينمو عدد السكان بنسبة 2% سنوياً، بينما يهدد تغير المناخ بتقليل كمية المياه المتدفقة من نهر النيل، إذ يمكن لهذه المعادلة أن تزعزع استقرار البلاد وتؤدي إلى الاضطرابات. فقد حذر السيسي الشهر الماضي بالقول، “لن نشعر بتأثير الإنفاق العام على المشاريع الوطنية والبنية التحتية ما لم يتم خفض النمو السكاني السنوي من 2,4 مليون إلى 400 ألف.”
بيد أن القلق الأكبر الذي يُساور السيسي هو التأثير السلبي لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر من مياه النيل. تعتمد إثيوبيا على سد النهضة في إنتاج أكثر من ضعف إنتاجها الحالي من الكهرباء، وهو أمرٌ ضروري لانتشال مواطنيها من براثن الفقر ولتصبح لاعباً اقتصادياً رئيسياً في القرن الأفريقي.
وبعد معارضة بناء السد بدايةً، تقبلت مصر الأمر في نهاية المطاف كونه أمراً لا مفر منه. ومع ذلك، لا تريد القاهرة أن يمتلئ الخزان بسرعة كبيرة لضمان تدفق كمية كافية من المياه في اتجاه مجرى النهر، حيث يرغب السيسي في ملء السد تدريجياً على مدار 12 إلى 21 عاماً، مع إمكانية تمديد المدة إذا واجهت مصر موجات جفاف متتالية. ومع ذلك، تصر إثيوبيا على ملء الخزان في السنوات الست المقبلة.
وعلى الرغم من المخاطر العالية التي تلوح في الأفق لكلا البلدين، إلا أن بعض الدراسات تتوقع أن ملء الخزان بسرعةٍ كبيرة قد يخفض إمدادات المياه في مصر إلى النصف.
ومع تصاعد التوترات، حاولت مصر وإثيوبيا والسودان – التي ستتأثر أيضاً بالسد – التوصل إلى حلٍ وسط، حيث حصل تقدمٌ واضح عندما وقّع البلدان الثلاث إعلان المبادئ في مارس 2015. وعليه، نصت الاتفاقية على أن الخبراء سيجرون تقييماً للأثر البيئي والاجتماعي، الذي يفرضه القانون الدولي لأي مشروع بهذا الحجم. ومع ذلك، ادعت إثيوبيا في وقتٍ لاحق أن إعلان المبادئ انتهك سيادتها وألغت الاتفاقية.
آنذاك، ناشدت مصر الولايات المتحدة للحصول على المساعدة، إذ حذر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من أن القاهرة قد تقصف السد في حال لم تقبل إثيوبيا بالتسوية، حيث انتقد الخبراء التهديد الذي ينذر بتفاقم التوترات بين البلدين.
ومع ذلك، يبدو نهج بايدن أكثر ملاءمةً لإثيوبيا، فقد أعلنت إدارته أن استئناف برامج المساعدات لإثيوبيا لن يكون مرتبطاً بالنزاع حول سد النيل. وعليه، قد يقنع نهج بايدن التصالحي إثيوبيا بأن واشنطن وسيطٌ محايد.
وفي كلتا الحالتين، تبحث مصر عن شركاء عالميين لتنويع إمدادات المياه، حيث لجأت إلى موسكو، التي تتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع والقوات المسلحة المصرية، لتعزيز تحلية مياه البحر. من جهته، صرح رئيس الهيئة العربية للتصنيع، الفريق عبد المنعم التراس، أن الهدف من التعاون مع موسكو هو ضمان امتلاك مصر للأدوات اللازمة لبناء محطةٍ لتحلية مياه البحر، كما ستستفيد روسيا أيضاً من تعزيز شراكتها مع الأنظمة العربية من خلال مساعدتها على معالجة القضايا ذات الأهمية الوجودية.
وفي حديثه للمونيتور، قال أسامة سلام، الخبير الدولي في الموارد المائية في هيئة البيئة في أبو ظبي، إنه ينبغي الإشادة بمصر لاستثمارها في موارد مائية غير تقليدية، وأضاف “سيكون إنجازاً عظيماً إذا تمكنت مصر من تحلية مياه البحر لتلبية احتياجات المحافظات الساحلية وتغطية الطلب المستقبلي على مياه الشرب.”
لتحقيق هذا المسعى، طلبت مصر أيضاً المساعدة من الكويت. ففي سبتمبر 2019، أصدر السيسي المرسوم رقم 83 للحصول على قرض بقيمة 49,5 مليون دولار من الدولة الخليجية الصغيرة، حيث ستستخدم مصر الأموال لبناء أربع محطات لتحلية مياه البحر في محافظة جنوب سيناء.
ورغم هذه المشاريع الواعدة، قال محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، للصحافيين إن تحلية المياه لن تعالج العجز المائي في البلاد، إذ ستوفر، في أحسن الأحوال، مياه الشرب للسكان الذين يعيشون في المدن المشيدة حديثاً أو على طول الساحل.
وبالتالي فإن التوصل إلى اتفاقٍ حول النيل حقيقةٌ مُلّحة، إذ طلبت مصر والسودان مؤخراً مساعدة المجتمع الدولي لإحياء المحادثات مع إثيوبيا، التي تعتزم ملء السد بمزيدٍ من المياه هذا العام. وعليه، ستتخذ الوساطة الدولية شكل رباعي يضم جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي ترأس حالياً الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، قد تلجأ القاهرة إلى القوة في حال فشلت الدبلوماسية. وبالفعل، أجرى الجيش المصري مناوراتٍ مشتركة مع القوات المسلحة السودانية، كما حذر السيسي إثيوبيا من “بسط سيطرتها على النيل من خلال إجراءات أحادية الجانب.” وفي ظل انخراط إثيوبيا في حربٍ أهلية، قد يضطر الرئيس آبي أحمد إلى الانصياع للضغط الإقليمي والتوقف عن ملء السد، أو لربما سيضاعف الرهان من خلال إثارة المشاعر القومية بين شعبه المنقسم.
الزمن وحده كفيلٌ في إثبات ما إذا كان النزاع على المياه سيريق الدماء.