حصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على طوق نجاةٍ من ذهب فيما يتعلق بجهوده لإعادة انعاش الاقتصاد المصري المضطرب.
ففي أغسطس 2015، أعلنت شركة الطاقة الإيطالية إيني اكتشاف حقل غاز بحري “عملاق،” الذي يعتبر أكبر حقلٍ معروف للغاز في البحر المتوسط. تُقدر احتياطيات الغاز الطبيعي في الحقل الذي سُمي بحقل ظُهر، 30 تريليون قدم مكعب، أي ما يُعادل تقريباً 20 ضعف استهلاك مصر السنوي للغاز.
وعليه، سرعان ما شرعت شركة إيني بحفر الآبار للاستكشاف، ومن المتوقع أن يبدأ الحقل إنتاجه في أواخر عام 2017. إلا أن هذا الاكتشاف ليس الوحيد؛ فقد أعلنت أيضاً شركتي بي بي وشل عن اكتشافاتٍ ضخمة للغاز أيضاً.
تعتبر هذه الاكتشافات ثورةً في سياسات الطاقة الإقليمية. فقد اضطرت مصر، التي كانت مُصدراً صافياً للغاز قبل ثورة عام 2011، إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال في عام 2015 لتلبية الطلب المحلي. وقد دفعت سنواتٌ من الاضطرابات السياسية والانخفاض اللاحق في السياحة والاستثمارات الأجنبية، الاقتصاد إلى حافة الهاوية، مما أدى إلى نقصٍ حاد في العملات الأجنبية.
فقد كانت مصر تواجه حلقةً مفرغة، إذ لم تعد قادرةً على تسديد ديونها لشركات النفط والغاز العالمية، التي علقت بدورها استثماراتها في البلاد، مما أثر بشكلٍ سلبي على إنتاج النفط والغاز وزيادة العجز في الطاقة. كما فاقم ارتفاع الطلب المحلي بسبب النمو السكاني هذا العجز.
وعلاوة على ذلك، تم إغلاق خط أنابيب الصادرات إلى إسرائيل عبر سيناء في عام 2012 بعد تفجيرات متكررة قامت بها جماعة جهادية مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية. وقد سلمت محكمة سويسرية شركات النفط والغاز في مصر غرامة بقيمة ملياري دولار في مايو 2017 لعدم التزامها باتفاقية تصدير الغاز مع إسرائيل.
وقد شكل استيراد الغازالطبيعي المسال عبئاً ثقيلاً على الموارد المالية في مصر، وبخاصة أن إمدادات النفط السخية من المملكة العربية السعودية، التي بدأت بعد تولي السيسي السلطة في عام 2013، قد توقفت في خريف عام 2016. وبالإضافة إلى ذلك، اقتطعت الإعانات على الكهرباء والوقود والسلع الغذائية الأساسية مثل الخبز حصةً كبيرة لا يمكن الاستهانة بها من ميزانية الدولة. ومع ذلك، كانت هناك مخاوف من أن الحد من الإعانات قد يُشعل اضطرابات اجتماعية متجددة.
وبحلول أواخر عام 2016، خرجت الأزمة الاقتصادية عن نطاق السيطرة، ولم يكن أمام الحكومة خيار سوى التوقيع على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. جاء القرض بشروط مثل تخفيض الإعانات وتعويم الجنيه المصري وإصلاح الاقتصاد.
إلا أن اكتشافات الغاز الأخيرة، وبخاصة حقل ظُهر، تُغير الآفاق الاقتصادية للبلاد. فقد بدأت مصر في تقليل شحنات الغاز الطبيعي المسال في عام 2017 وتلك المخطط لها لعام 2018. وبحلول أوائل 2019، تأمل مصر بالاستقرار، وتعتزم في السنوات التالية في أن تصبح مُصدراً صافياً للغاز مرة أخرى.
وقال أليكس وارن، مدير خدمة معلومات السوق في Egypt Energy Monitor لفَنَك ”الى حد ما، يمكن اعتبار الاستكشافات منقذاً للاقتصاد المصري.”
وأضاف “ان التأثير على الاقتصاد مفيد للغاية، ذلك أن العجز في الغاز كان مساهماً رئيسياً في الأزمة.” وأوضح وارن أن الأثر المباشر لحقل ظُهر وغيرها من الاستكشافات ستساهم في خفض مصر لوارداتها من الغاز، وتحرير الاموال لسداد الشركات الاجنبية التى من المتوقع ان تبدأ الاستثمار مرة أخرى مما يولد المزيد من الاموال. وبحلول يونيو 2017، حصلت بالفعل الشركات الدولية على مستحقاتها المتأخرة، إذ قال وارن “الحلقة المفرغة بدأت تتحول إلى حلقة فعالة.”
وعلاوة على ذلك، فإن اكتشافات الغاز في مصر إلى جانب الحقول الكبيرة في قبرص وإسرائيل قد يكون لها تأثيرا جيوسياسي مهما. وتمتلك مصر مرافق لتحويل الغاز إلى غاز طبيعي مسال يمكن تصديره، وهو ما تفتقر إليه إسرائيل وقبرص. ويمكن لمصر استيراد الغاز من إسرائيل وقبرص عبر خطوط الأنابيب، وتحويله إلى الغاز الطبيعي المسال وإعادة تصديره.
وقال وارن “هناك اتفاق مبكر مع قبرص. يمكن أن تتحول مصر إلى مركز هام للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومن المحتمل ان يؤدي ذلك الى علاقات أوثق مع اسرائيل حيث ان هناك مصلحة تجارية مشتركة.”
ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف. فمنذ أن تلقت مصر قرض صندوق النقد الدولي وعومت الجنيه في نوفمبر 2016، أظهر الاقتصاد علامات انتعاش. غير أن معدل التضخم المرتفع الذي يزيد على 30% على أساس سنوي، يشكل عبئاً إضافياً على الشريحة الفقيرة من المجتمع التي تعاني بالفعل.
وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن القرض قد عزز احتياطيات مصر من النقد الأجنبي، إلا أنه زاد أيضاً من ديونها الخارجية التي بلغت اليوم نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال وارن “بسبب اكتشافات الغاز، أصبحت مصر تثق بقدرتها على سداد القروض.”
ومع الدخل المحتمل بوجود الغاز الجديد، فإن وارن مهتم بمعرفة ما إذا كانت مصر ستواصل برنامج الاصلاح الاقتصادي، مثل خفض الدعم. ويقول بهذا الشأن “غيرت [اكتشافات الغاز] الوضع المالي، ولكن ليس الاقتصاد ككل،” مُشيراً إلى أن السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة تلعب دوراً أيضاً.
كما أعرب مصدر في قطاع الصناعة، طلب عدم ذكر اسمه، عن شكوكه، إذ قال لفَنَك: “بالطبع، ستساعد اكتشافات الغاز مصر على الخروج من الازمة، لكنها لن تحلها تماماً.” وأضاف أن هناك حاجة أيضاً إلى إحياء السياحة، إذ كانت تمثل أكبر مصدرٍ للعملة الأجنبية قبل الثورة.
وأضاف المصدر أن مصر ستحصد ثمار اكتشافات الغاز بعد عام 2022 فحسب، إذ قال “في السنوات الأربع الأولى من الإنتاج، ستذهب نسبة كبيرة من الغاز مباشرةً إلى الشركات لتغطية التكاليف [لتعويض الاستثمارات الحاصلة]. وبعد هذه الفترة فحسب، ستمتلك مصر حصتها الجوهرية لبيعها.”
كما أن هناك أيضاً قطاعات من الاقتصاد تبدو مصر أقل استعداداً لإصلاحها. فمنذ نوفمبر 2016، نشط الجيش على وجه الخصوص في إنشاء مشاريع جديدة وزيادة الإنتاج للسوق المدنية، وذلك بهدفٍ واضح ألا وهو تعزيز قبضته الاقتصادية.
وتعتبر هذه الأنشطة التجارية التي يمكن أن تشكل ما نسبته 40% من الاقتصاد وفقاً لأعلى التقديرات، رادعاً للمستثمرين الأجانب، إذ تتمتع الشركات العسكرية بميزة تنافسية على القطاع الخاص من خلال الحصول على العمالة الرخيصة في شكل مجندين واحتكار استخدام الأراضي.
قد تحل اكتشافات الغاز أزمة مصر المالية الحالية، إلا أنها ستحتاج إلى المزيد من الوقت لبناء اقتصادٍ سريع الاستجابة للمتغيرات.