أحمد عابدين
في أبريل من عام 2018، أعلنت الحكومة المصرية على لسان وزيرة التخطيط والإصلاح الإداري، هالة السعيد، عن إنشاء صندوق مصر السيادي تحت اسم ” صندوق مصر” وذلك على الرغم من وضع مصر السيء اقتصادياً في حين أن الصناديق السيادية يتم انشاؤها أساساً لاستثمار فوائض الدول الغنية، إلا أن الحكومة بررت ذلك بهدف استغلال أفضل لأصول الدولة وخاصة الأصول غير المستغلة.
وفي أغسطس من نفس العام صدر قانون إنشاء الصندوق والذي تأسس برأس مال 200 مليار جنيه (12.8 مليار دولار) ورأس ماله المصدر خمس مليارات (320.5 مليون دولار)، يُسدد منه مليار جنيه (64.1 مليون دولار) من الخزانة العامة للدولة عند التأسيس، وأعطى الحق لرئيس الجمهورية وحكومته في نقل ملكية أي من الأصول المملوكة للدولة غير المستغلة أو المستغلة إلى ملكية الصندوق، ثم أعطاه الحق في شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول والانتفاع بها، وزيادة موارده عن طريق الاستدانة أو بيع الأصول أو التأجير أو التأجير المنتهي بالتملك، وإصدار الأسهم والسندات المالية، كما أعفى القانون وتعديلاته معاملات الصندوق والكيانات المشارك فيها من جميع الضرائب والرسوم.
كيف يُدار الصندوق
حدد قانون إنشاء الصندوق كيفية تشكيل كُل من مجلس ادارته وجمعيته العمومية، وكلاهما يتم تشكيله بموجب قرار من رئيس الجمهورية ويضم أعضاء من بين حكومته ومعاونيه، حيث يتشكل مجلس الادارة وفق القانون من وزير التخطيط كرئيس مجلس إدارة غير تنفيذي، وخمسة أعضاء من المستقلين، وممثلين عن وزارات المالية، والتخطيط، والاستثمار. وتكون مدة عضوية المجلس أربع سنوات. ويتولى وضع المجلس الرؤية والاستراتيجية العامة للصندوق، ومتابعة الأداء، والموافقة على الموازنة السنوية.
أما الجمعية العمومية فتضم وزيري المالية والاستثمار، ووزيرين معنيين بالشؤون الاقتصادية يحددهما رئيس الوزراء، وسبعة أعضاء من ذوي الخبرة. وتبلغ مدة عضوية الجمعية العمومية ثلاث سنوات. وتتولى الجمعية مسؤولية إقرار القوائم المالية، وإبراء الذمة المالية لأعضاء المجلس ومتابعة أداء الصندوق.
وقد اختار مجلس الإدارة في أكتوبر من عام 2019، أيمن محمد سليمان، مديراً تنفيذياً للصندوق لمدة ثلاث سنوات، وكان قد شغل قبل ذلك منصب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة جیمیناي ھولینج Gemini Holding، التي تستثمر في مجالات مختلفة، وذلك بعد أن كان يرأس فريق التخطيط الاستراتيجي لشركة أوراسكوم تیلكوم القابضة.
الاستحواذ على أصول الدولة
وبموجب قانون إنشاؤه استحوذ الصندوق سريعاً على عدد ضخم من أصول الدولة المصرية كان من بينها 126 شركة قابضة وتابعة كانت تتبع وزارة قطاع الأعمال العام، كما تم الاستحواذ، وفق قرار من رئيس الجمهورية، على عدد كبير من المباني والأراضي ذات القيمة العالية مادياً وتاريخياً مثل أرض ومبنى مجمع التحرير في ميدان التحرير بوسط القاهرة، أرض الحزب الوطني الحاكم سابقاً على كورنيش النيل بجانب المتحف المصري القديم بميدان التحرير، أرض ومباني الديوان العام لوزارة الداخلية بالقرب من ميدان التحرير، وأرض ومباني المدينتين الاستكشافية والكونية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض ومباني ملحق معهد ناصر الطبي بشبرا مصر على النيل، وأرض حديقة الأندلس بطنطا.
ووفق القانون، أصبحت كل أصول الدولة المصرية قابلة للانتقال إلى الصندوق بموجب قرار من رئيس الجمهورية فقط ومن ثم يمكن للصندوق التصرف بها كما يشاء، حيث يشمل ذلك كل القطاعات والخدمات وهو ما يتضح من بدء الصندوق بيع محطات توليد الكهرباء المملوكة للشركة القابضة لكهرباء مصر، والتي كانت قد شيدتها شركة سيمنس الألمانية بموجب اتفاق حجمه ستة مليارات يورو (6.6 مليار دولار) جرى توقيعه عام 2015، وهي ثلاث محطات تقع في العاصمة الإدارية الجديدة وبني سويف والبرلس، وكانت نسبة اسهامها من إجمالي الطاقة المولّدة في مصر26% العام الماضي، وتحقّق وفرًا سنويًا في استهلاك الوقود، بنحو 10.7 مليار جنيه (685.9 مليون دولار).
كما قام الصندوق مؤخراً بمشاركة مجموعة هيرميس بعملية الاستحواذ على 76 بالمائة من بنك الاستثمار العربي حيث ستصبح هيرميس القابضة مالكة لنسبة لا تقل عن 51% وصندوق مصر السيادي مالكا لنسبة لا تقل عن 25% من رأسمال البنك، بينما يحتفظ بنك الاستثمار القومي واتحاد الجمهوريات العربية بالنسبة المتبقية.
وخلال فترة قصيرة احتل الصندوق المصري المرتبة الـ 43، بين صناديق الثروة العالمية وفق تصنيف معهد صناديق الثروة السيادية العالمية الذي شمل 93 صندوقا، بإجمالي أصول 8.229 تريليون دولار، حيث قدرت أصول الصندوق وفقا لبيانات المعهد بـ 11.959 مليار دولار، مستحوذا بذلك على 0.14% من إجمالي أصول الصناديق السيادية العالمية.
رقابة غير كافية
وفق قانون إنشاء الصندوق فإن الرقابة المالية عليه تقتصر على مراجعة حساباته من خلال مراقبان للحسابات، أحدهما من الجهاز المركزي للمحاسبات وهو جهاز رقابي يتبع مباشرة لرئيس الجمهورية، وآخر يختاره مجلس إدارة الصندوق من المراقبين المقيدين لدى البنك المركزي أو الهيئة العامة للرقابة المالية.
وخلال المداولات البرلمانية الخاصة بالموافقة على قانون إنشاء الصندوق طالب بعض النواب بوضع رقابة برلمانية على أداء الصندوق، وقامت لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان بإدخال تعديلًا على القانون يقضي بعرض القوائم المالية، وتقرير مراقبي الحسابات، والتقرير السنوي التفصيلي عن نشاط الصندوق وخطته، على مجلس النواب، إلا أنه تم رفض هذا المقترح ليبق الصندوق وأعماله وقوائمه المالية خارج رقابة أو مراجعة البرلمان المصري.
منع الرقابة الشعبية
كما حدد القانون الأطراف التي يجوز لها الطعن في عمليات الصندوق بداية من نقل أصول الدولة وحتى عمليات التصرف فيها، وقد اقتصرت هذه العملية على طرفين فقط وهما الجهة المالكة للأصل والجهة المنقول له الملكية، وذلك طبقاً لقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، وبذلك تم إلغاء الرقابة الشعبية والأهلية على أصول الدولة، والتي كان لها أثر كبير سابقاً حيث أبطل القضاء المصري عدد من عقود بيع أصول وشركات مملوكة للدولة بموجب قضايا قام برفعها مواطنين أو مراكز حقوقية مثلما حدث مع شركات طنطا للكتان والزيوت، النيل لحلج الأقطان، الشركة العربية للتجارة الخارجية، شركة المراجل البخارية، والتي كانت المنتج الوحيد للغلايات البخارية في الشرق الأوسط وكان تم بيعها لشركة بابكوك الكندية قبل أن تبطل عقد البيع محكمة القضاء الإداري المصرية.
يقول الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق نحن إزاء صندوق سوف توضع فيه كل الأصول المتبقية للدولة المصرية من أراض، شركات، مشروعات وغيرها بهدف جعلها محل الرهن والضمان من أجل الحصول على مزيد من القروض الأجنبية والمحلية، كما إن للصندوق وفق قانونه موازنة مستقلة ويتم ترحيل الفائض من عام إلى أخر، بما يعنى أنه خارج الموازنة العامة للدولة تماما ولن يطل الخزانة العامة منها مليما واحدا.
ويضيف رئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية في تعليقه على قانون الصندوق “سوف يجرى تسريب الأصول المتبقية المملوكة للدولة والمجتمع المصري إلى أطار قانوني وتنظيمي جديد، في شراكة مع المؤسسات والبنوك والشركات الأجنبية، تكرارا لتجربة القانون رقم (203) لسنة 1991، المسمى قانون قطاع الأعمال العام الذى جرى في ظله أكبر وأخطر عملية لنهب وإهدار الأصول الانتاجية المملوكة للدولة والمجتمع المصري، والتي أضاعت على الدولة المصرية ما يربوا على 150 إلى 200 مليار جنيه (9.6 – 12.8 مليار دولار )، كما نصت المادة (42) على عدم التقيد بالقواعد والنظم الحكومية بشأن مراجعة حساباتها أو الحد الأقصى للأجور وغيرها من القواعد، وإذا جاز لنا أن نصف هذا القانون بصفة عامة، فهو أكبر مثال على الفساد بالقانون، وإهدار الموارد والقدرات الوطنية بالقانون.
ويكمل فاروق الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاقتصادية قائلاً “بجانب أن المادة (12) من القانون قد أقرت مبدأ في غاية الخطورة وهو أن يدير الصندوق أمواله وأصوله بذاته، كما له أن يعهد بإدارتها كلها أو بعضها إلى شركات ومؤسسات متخصصة في إدارة الأصول، ومثل تلك المؤسسات والشركات المتخصصة في إدارة الأصول لا توجد سوى لدى الشركات والمؤسسات والبنوك الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية، برغم أن تلك الصناديق ومنها صناديق التحوط – التي كان يدير أحداها د. محمد العريان -خبير اقتصادي مصري-أمريكي والرئيس التنفيذي لمؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية، التي تدير أصولا تزيد قيمتها على 1100 مليار دولار أمريكي – لم تنجح في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي خصوصا والغربي عموما من الكارثة التي حلت به في الأزمة العاصفة عام 2008، والتي ما زالت أثارها وتداعياتها قائمة حتى يومنا.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.