اعتبر الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية الست- الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وروسيا، وفرنسا، والصين، وألمانيا- نقطة تحولٍ لإيران ومركزها على الساحة العالمية. وتعهد الإتفاق بتعزيز الاقتصاد الايراني وذلك برفع العقوبات التي شلّت حركته مقابل الحدّ من القيود المفروضة على برنامج الطاقة النووية المثير للجدل في البلاد. وعقب الاتفاق، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن بلاده تهدف إلى جذب ما لا يقل عن 30 مليار دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية.
وفي أعقاب تصريحات روحاني، تدفق الزوار الأجانب إلى البلاد، ففي عام 2016، دخل إيران 400 ألف زائر ضمن رحلات الأعمال التجارية و300 وفد من المستثمرين الأجانب. غير أن آخر تقريرٍ سنوي صادرٍ عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) حول الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، والذي نُشر في يونيو 2017، يُشير إلى أنه بالرغم من وعود الاتفاق النووي، إلا أن حجم الاستثمارات الأجنبية يتخلف كثيراً عما تحتاجه إيران لتحقيق أهدافها الاقتصادية. ووفقاً للتقرير، فإن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2016 تخطى بقليل حاجز الـ3,4 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 64% مقارنةً بعام 2015. ومع ذلك، فإن هذا الرقم أقل بكثير من عام 2012، عندما بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر 4,7 مليار دولار.
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تفسر عدم إحراز تقدمٍ يُذكر، أولها وأهمها أن سياسات إدارة ترامب العدوانية تجاه إيران قد خلقت تحدياتٍ جديدة كبيرة. ومع ذلك، وحتى قبل انتخاب ترامب، كان هناك عدم يقين حول توفير وزارة الخزانة الأمريكية الإرشادات للمصارف الدولية حول التعامل مع إيران. وبالتالي، إلى جانب الغموض القانوني فيما يتعلق بحجم القيود المتبقية، تجد الشركات الأجنبية صعوبةً في تمويل استثماراتها في إيران من خلال المصارف الدولية الكبرى.
ومما زاد من تعقيد الوضع قرار ترامب في أكتوبر 2017 بعدم التصديق على التزام إيران بالاتفاق. وادعى ترامب أن الشروط متساهلة جداً وبأن إيران أخلّت بأجزاء من الإتفاق، بما في ذلك الحدّ من استخدام المياه الثقيلة ووصول المفتشين الدوليين.
وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة لم تنسحب رسمياً من الإتفاق، إلا أن المؤشرات من واشنطن تثير قلق المستثمرين الأجانب المحتملين. كما أن هناك أيضاً عوامل داخلية تُعيق الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك الفساد الواسع الانتشار، والشقاق السياسي، وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة. بيد أن ترامب يبقى التحدي الرئيسي، سيما بعد أن دعا إلى فرض عقوباتٍ جديدة على إيران وأحال الإتفاق إلى الكونغرس لإجراء تغييراتٍ على شروط الولايات المتحدة.
ولكن، على الرغم من هذه التحديات، إلا أن قطاعاً واحداً في إيران يشهد إزدهاراً: قطاع الطاقة المتجددة. فإيران واحدة من أكثر الدول تطوراً في المنطقة في مجال تنمية الطاقة المتجددة، وبخاصة مشاريع الطاقة الكهرومائية. وقد استطاع القطاع جذب بعض الاستثمارات الأجنبية الكبيرة، أضخمها عقدٌ بقيمة 2,9 مليار دولار لشركة ساغا إنيرجي النروجية، من خلال اتفاقٍ تم إبرامه مع شركة أمين الإيرانية، المملوكة للدولة للتطوير في حقل الطاقة، لبناء محطة للطاقة الشمسية بطاقة توليدية تصل إلى 2 جيجاواط خلال السنوات الخمس المقبلة.
وعلاوة على ذلك، تجرى حالياً محادثات بين إيران وشركة سكاتيك سولار النرويجية، المهتمة ببناء محطة تعمل بالطاقة الشمسية بقدرة 110 ميجاواط. ويمكن توسيع الصفقة، التي تبلغ قيمتها نحو 132 مليون دولار، إلى 500 ميجاواط في وقتٍ لاحق. وعلاوة على ذلك، أعلنت السلطات الإيرانية أن الشركات الدنماركية مستعدة لاستثمار مليار دولار إضافي في هذا القطاع.
يذكر أن منتجي الطاقة من المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا والهند وكوريا الجنوبية واليابان وإسبانيا والصين وسويسرا زاروا البلاد لتفحص مجالات الاستثمار. وقد أبدت شركة كيركوس البريطانية اهتماماً بتوريد 600 ميجاواط من الطاقة الشمسية بتكلفة إجمالية قدرها 500 مليون يورو. وفي الوقت نفسه، تبحث مجموعة من المستثمرين الايطاليين تمويل مشروعاتٍ في مجال الطاقة المتجددة في محافظة هورموزجان الجنوبية بعد زيارة موقعٍ للطاقة الشمسية بالقرب من بندر عباس.
وبحلول أبريل 2017، استثمرت بلدان الاتحاد الأوروبي ما قيمته 3,6 مليار دولار في مجال الطاقة المتجددة في إيران، مما خلق بعض التفاؤل بشأن مستقبل القطاع، الذي يتمتع بإمكاناتٍ كبيرة للنمو والتطور. وتجدر الإشارة إلى أن إيران تمتاز بأكثر من 300 يوم مشمس وما متوسطه 2800 ساعة من أشعة الشمس سنوياً. وتتطلع طهران إلى تعزيز قطاع الطاقة المتجددة الناشئة الذي تبلغ طاقته الإنتاجية حالياً 240 ميجاواط – وهو ما يقل بكثير عن إجمالي الطاقة الإنتاجية المركبة البالغة 75 ألف ميجاواط.
كما تقدم الحكومة الإيرانية شروطاً استثمارية مواتية. وقال محمد خازاي، رئيس المنظمة الإيرانية للاستثمار والمساعدة الاقتصادية والتقنية، في أبريل 2017، متحدثاً في أول منتدى للأعمال التجارية بين إيران والاتحاد الأوروبي بشأن الطاقة المستدامة، إن الشركات التي تستثمر في مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن تحصل على إجازة ضريبية تصل إلى 13 عاماً اعتماداً على مواقع محطاتها، وأن الحكومة ستضمن إبرام اتفاقاتٍ لشراء المنتج لـ20 عاماً.
وعلى الرغم من أنه يتعين على المرء التفاؤل بحذرٍ بشأن الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة، إلا أن الاقتصاد الإيراني بحاجة ماسة للاستثمار. ولكن كالمعتاد، فإن السياسة الخارجية لطهران والبيئة الدولية تطغى على الاقتصاد. ومع وجود ترامب في البيت الأبيض، من المرجح أن تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وسيكون الاقتصاد الإيراني الضحية الرئيسية لهذا التصعيد.