وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تراجع الاستثمارات الأجنبية في السعودية وسط استمرار الاضطرابات السياسية

Saudi Arabia- The MiSK Global Forum
سعوديون يقومون بالدردشة والتحقق من هواتفهم أمام ملصق لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال “منتدى مسك العالمي” الذي أقيم تحت شعار “مواجهة تحدي التغيير” في الرياض في 15 نوفمبر 2017. يضم منتدى مسك العالمي المديرين التنفيذيين العالميين وصناع السياسات الدولية ورؤساء عمالقة التكنولوجيا تحت سقفٍ واحد. Photo AFP

بفضل قدرتها على استغلال الثروة النفطية المتعثرة، تسعى المملكة العربية السعودية إلى جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتعزيز اقتصادها والمساعدة في تطوير صناعاتها الأخرى.

غير أن الاعتقالات الجماعية لأبرز الشخصيات السعودية في حملة مكافحة الفساد المزعومة في نوفمبر2017، فضلاً عن الأسئلة التي تطرح حول دور المملكة في الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ألقت بالوضع السياسي إلى حالة من عدم اليقين وسببت القلق للمستثمرين.

ففي الماضي، كان يمكن للمملكة الاعتماد على ثروتها النفطية للحفاظ على الاكتفاء الذاتي لإقتصادها وضمان استقرارها السياسي، غير أن الوضع تغير في السنوات الأخيرة مع ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي بفضل تقنيات الاستخراج الجديدة واكتشاف احتياطيات جديدة، وبالتالي انخفضت أسعار النفط.

وفي عام 2016، وجد تقديرٌ مستقل للاحتياطيات النفطية العالمية من قبل شركة ريستاد إنيرجي أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك احتياطيات نفطية أكثر قابلية للاسترداد من كلٍ من المملكة العربية السعودية وروسيا. وعلى الرغم من أن تقديرات السنة التالية أظهرت أن المملكة العربية السعودية تستعيد المكانة الأولى، أشار التقرير إلى أنه “إذا ما أدرجت سوائل الغاز الطبيعي في مراجعة التقرير، فإن الولايات المتحدة ستتجاوز المملكة العربية السعودية بأكثر من 50 مليار برميل من النفط القابل للاسترداد والسوائل البترولية.”

وقال ادولفو لورنت، وهو عالم اقتصاد عالمي في بنك جاي سافرا ساراسين ايه جي، إن الزيادة فى انتاج النفط الامريكي “حددت حقاً سقف أسعار الطاقة بشكلٍ عام والنفط بشكلٍ خاص.” ويتراوح المستوى المستدام حالياً بين 50 و60 دولاراً للبرميل، مقارنةً بأكثر من 100 دولار للبرميل خلال الزيادات السابقة في الأسعار.

وبالنسبة لبلدان الشرق الأوسط المنتجة للنفط والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، قال لورنتي إن الأسعار الحالية “غيرت تماماً المعادلة السياسية والاقتصادية… [الدول المنتجة للنفط] بحاجة إلى التوصل إلى مصدرٍ بديل للإيرادات أو إصلاح الاقتصاد ليصبح أكثر شمولاً.”

وقد اتخذت المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، خطواتٍ منذ عام 2015 لتنويع الاقتصاد واجتذاب المستثمرين الأجانب. كما تشكل الخطة الاقتصادية التي أطلقت عام 2016، رؤية 2030، إحدى الركائز التي تجعل من المملكة العربية السعودية “قوة استثمارية عالمية،” وعلى وجه التحديد زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من ما نسبته 3,8% من الناتج المحلي الإجمالي إلى المستوى الدولي البالغ 5,7% بحلول عام 2030. وقد قدر البنك الدولي في عام 2016 أن الاستثمار الأجنبي المباشر لا يمثل سوى 1,2% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي.

وفي عام 2015، بدأت المملكة السماح لكبار المستثمرين الأجانب بالإستثمار مباشرة في سوق الأسهم. وفي العام التالي، ألغى مجلس الوزراء السعودي شرط بأن تكون حصة 25% من شركات التجزئة والبيع بالجملة في المملكة مملوكة لسعوديين، مما يسمح بملكية أجنبية كاملة لتلك الشركات. كما اتجهت الحكومة نحو خصخصة الكيانات المملوكة للدولة في قطاعات تشمل الطيران والتعليم والطاقة والرعاية الصحية.

وفي عام 2017، أعلنت المملكة العربية السعودية عن خططٍ لإتاحة الفرصة للمستثمرين الأجانب للوصول الكامل إلى سوق نمو، وهو سوق مالي تم إطلاقه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما قالت المملكة إنها تعتزم طرح جزء من شركة النفط التابعة للدولة، أرامكو، للتداول في العام المقبل، وهي خطوة تأمل أن تجمع نحو 100 مليار دولار، على الرغم من أن بعض التقارير أشارت إلى من المرجح أن يتأخر الطرح حتى عام 2019، ويرجع ذلك جزئياً إلى الإنخفاض الحالي في أسعار النفط العالمية.

وركزت الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، التي أنشئت أصلاً كهيئةٍ تنظيمية، بشكلٍ متزايد على تعزيز الاستثمار ومساعدة المستثمرين المحتملين. ويروج موقعها الإلكتروني لـ”الفوائد الاستراتيجية” للاستثمار في المملكة بما في ذلك الوصول إلى سوق كبيرة، إذ يبلغ عدد سكانها 30,7 مليون نسمة، وقوة عاملة متعلمة، و”توفير الأراضي الصناعية، والعقارات التجارية والمرافق بأسعار تنافسية للغاية،” و”بيئة تنظيمية ايجابية” وحوافز بما في ذلك”بيئة ضريبية مواتية جداً.”

كما أن الخطوات الأخيرة لفتح القوى العاملة أمام المرأة وتحسين حركة المرأة برفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات وإصلاح نظام الوصاية للذكور على الإناث، قد يكون هدفها أيضاً تحسين صورة المملكة بين المستثمرين الأجانب.

وعلى الرغم من هذه التغيرات، شهد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية اتجاهاً تراجعي، وذلك وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن بوابة سانتاندير ترايد الالكترونية. ففي عام 2016، انخفض تدفق الاستثمار بنسبة 8,5% مقارنةً بالعام السابق إلى 7,45 مليار دولار. وأشار التقرير إلى أن “التوترات السياسية والاجتماعية، وانخفاض فرص الحصول على الائتمان، وسياسة” السعودة،” التي بدأت في عام 2011 وتفضيل القوى العاملة المحلية،” قد وقفت في طريق الاستثمار الأجنبي.

وبهدف الحد من البطالة بين السعوديين، استحدثت المملكة متطلباتٍ برفع نسبة توظيف المواطنين السعوديين – وبصفةٍ عامة بأجورٍ أعلى من العمال الأجانب الذين يشكلون بشكلٍ تقليدي جزءاً كبيراً من القوى العاملة – كما فرضت قيوداً أكثر صرامة على سياسة التأشيرات للعمال الأجانب. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على المستثمرين الأجانب الآن التعاقد من الباطن بنسبة 30% من أي عقود حكومية تتلقاها الشركات المحلية.

من جهته، شهد الاستثمار الأجنبي اتجاهاً تصاعدياً مرةً أخرى في الربع الثاني من عام 2017، ولكن يبقى أن نرى رد فعل المستثمرين على التطورات السياسية. وقد أدى الاضطراب السياسي الذي شهد اعتقال العشرات من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال في ما تم عرضه كحملة لمكافحة الفساد بقيادة ولي العهد، إلى زيادة أسعار النفط، إلا أنها لربما أقلقت أيضاً مستثمرين محتملين.

وبالمثل، أدى الرحيل غير المتوقع لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي أعلن استقالته من المملكة العربية السعودية في خطابٍ يحمل نبرة مناهضة لإيران ومناهضة لحزب الله، إلى اتهاماتٍ من بعض اللبنانيين، بمن فيهم الرئيس ميشال عون، بأن السعوديين يحتجزون الحريري كسجين.

ووفقاً لورنتي، من السابق لأوانه القول كيف ستؤثر التطورات السياسية على الاستثمار على المدى الطويل. وقال إن عملية التطهير يمكن أن تكون جزءاً من عملية “توطيد السلطة،” الأمر الذي أدى الى زيادة اهتمام القيادة بتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية التى من شأنها جذب المستثمرين الاجانب.

وقال “إذا كان لديك المزيد من الاستقرار السياسي بسبب توطيد السلطة، وإذا كان لديك دينامية اقتصادية أكبر، واقتصاد أكثر تنوعاً، أعتقد أن هذه ستشكل فرصة كبيرة للمملكة العربية السعودية لتصبح فعلياً وجهة جذابة للاستثمار.”

ومن ناحيةٍ أخرى، من المرجح أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي المطوّل أو تصاعد التدخل في الصراعات الإقليمية إلى ثنيّ هذا النوع من الاستثمار الأجنبي المباشر اللازم لتطوير الصناعة السعودية خارج قطاع النفط.