وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حماس تبيع أراض حكومية لحل أزمة الرواتب في قطاع غزة

فلسطين,غزة
فلسطينين في وقفة تنديدية امام رئاسة الوزراء الفلسطينية للمطالبة برواتبهم. مدينة غزة – 31 ديسمبر 2014. Photo: Ashraf Amra

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، خلّفت الحرب الأخيرة على غزة، في عام 2014، ما يصل إلى أكثر 2,250 شهيد فلسطيني وأكثر من 10,800 جريح. وبالإضافة إلى العديد من القتلى والجرحى، دُمرت الكثير من البُنى التحتية والممتلكات. وعلى الرغم من إنعقاد مؤتمر إعادة الاعمار في القاهرة في سنة 2014 والتعهدات الضخمة من الدول المانحة، وعلى الرغم من التقارير الدولية التي أعقبت الحرب ومنها تقرير الأمم المتحدة الذي نادى برفع الحصار بدون أي شرط أو قيد عن قطاع غزة، إلا أن إعادة الإعمار لم تبدأ بالشكل المطلوب، ومازال هناك الآلاف من الأسر بلا مأوى أو يعيشون في كرافانات لا تحمي برد الشتاء ولا حر الصيف.

وفي عام 2015، توالت الأزمات الإجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة تباعاً، حيث وصلت إنعكاساتها إلى حد عدم قدرة عدد كبير من العائلات الغزاوية تدبر أمرها المعيشي. ووفقاً للتقارير الدولية، ارتفعت نسبة الفقر في قطاع غزة لتتجاوز حاجز 80%، وبذلك تكون قد وصلت لدرجة لم يعيشها القطاع من قبل. فمن مشكلة إنقطاع التيار الكهربائي الذي يصل لأكثر من 12 ساعة في اليوم، إلى مشكلة ندور فتح معبر رفح وعدم القدرة على التواصل مع العالم الخارجي، فضلاً عن تفاقم أزمة الرواتب المتمثلة بعدم قدرة حكومة الأمر الواقع في غزة على دفع مرتبات الموظفيين الحكوميين، ناهيك عن الأزمات الأخرى مثل مشكلة ملوحة المياه المنزلية، وإنقطاع غاز الطهي والبنزين والسولار بين الحين والأخر.

الحصار الاسرئيلي واقتصاد الانفاق

أصل الأزمة يرجع لسنوات للوراء، عندما فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 وشكلت حكومة لم تعترف بها إسرائيل والاتحاد الأوروبي وأمريكا بسبب تصنيف حركة حماس على قائمة المنظمات الارهابية. من ناحيتها أعلنت إسرائيل قطاع غزة كيان معادي فرضت عليه منتصف عام 2007، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، حصاراً سياسياً واقتصادياً، وحدّت بشكل كبير من حركة المواطنين والتجارة من وإلى قطاع غزة وفرضت طوق بري وبحري وجوي. ومما لا شك فيه أن الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة منذ 2007 قد ضرب جميع مناحي الحياة الاقتصادية في قطاع غزة.

في السنوات الاولى من الحصار وجدت حماس حلاً بديلاً عن طريق بناء عشرات بل مئات الانفاق التي تربط بين الحدود الفلسطينية والمصرية، حيث كانت تشكل الشريان الحقيقي لتعويض ما يعانيه القطاع من نقصان في البضائع والاحتياجات من المعابر الرسمية بسبب الحصار. وعليه كانت الحكومة الفعلية في غزة تجبي الرسوم والجمارك على جميع الصادرات والواردات التي كانت تسمى بتجارة الانفاق. ولا توجد احصاءات رسمية لتجارة الأنفاق، إلا أنها قُدرت بما قيمته 1,5 مليار دولار سنوياً. وقد شكّل إغلاق الانفاق وتدميرها من قِبل مصر ضربة موجعة للاقتصاد الغزي وللدخل الحكومي، حيث كانت تشير بعض الدراسات بأن مجموع الاقتصاد غير الرسمي (اقتصاد الانفاق) كان يشكل اكثر من ثلثي مجموع الحركة الاقتصادية في قطاع غزة.

حكومة وفاق فلسطينية

لم يكن أمام حركة حماس مفر الا التوجه الى المصالحة الفلسطينية، التي عرفت فيما بعد باسم إعلان الشاطئ بتاريخ 23 أبريل 2014. ونتيجةً لذلك، تم تشكيل حكومة وفاق فلسطينية تحت رئاسة رامي الحمدلله، لكي تتحمل المسوؤلية في قطاع غزة بتاريخ 2 يونيو 2014، ولكي تعمل على رفع الحصار وإدماج الموظفين الذين تم تعينهم بعد الانقسام الفلسطيني بالاضافة الى إعادة إعمار قطاع غزة. إلا أنّ الهجوم الإسرائيلي المباغت، أو ما سميت فيما بعد بالحرب الثالثة على قطاع غزة في غضون ست سنوات، والتي بدأت يوم 8 يوليو 2014 واستمرت لأكثر من 50 يوماُ، عرقلت إمكانية إستلام حكومة التوافق لقطاع غزة. المتابع للشأن الفلسطيني في قطاع غزة يعلم بأن الثقة بين طرفي الصراع الفلسطيني تكاد تكون معدومة، حيث أن الإقتتال على الصلاحيات واتهام الآخر، والمماطلة من قبل الطرفين على البدء بخطوات تسليم وتسلم المهام الإدارية الحكومية هي سمة الفترة الحالية.

تراكم الأزمات الخانقة وأهما كما ذُكر في بداية المقالة هو الإغلاق المستمر لمعبر رفح، حيث تم فتح المعبر للحالات الإنسانية فقط لمدة 19 يوما طيلة عام 2015، مما أدى إلى حدوث إنزعاج قوي داخل المجتمع الغزي، وبدأ بحملة إعلامية إجتماعية عنوانها “سلموا المعبر،” للضغط على القائمين في حكومة غزة، الموالين لحركة حماس، بتسليم المعبر لحكومة التوافق في رام الله لكي توافق الدولة المصرية بفتح المعبر بشكل طبيعي. ولغاية الآن لا حل يلوح في الأفق فيما يتعلق بأزمة فتح معبر رفح لأن حركة حماس تصر على أن يكون لها وجود في معبر رفح، والدولة المصرية ترفض بشكل كامل أي وجود لحركة حماس.

الأزمة الكهربائية

أما الازمة الاخرى المستمرة منذ سنوات طويلة وهي أزمة إنقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر، حيث يتم منذ سنوات طويلة وصل الشبكة الكهربائية لمناطق سكنية بشكل متوالي لمدة ثماني ساعات ويتبعها فصل لمدة ثماني ساعات آخرى. هذه الآلية التي تأقلم معها المجتمع الغزي بشكل إجباري، متّبَعة منذ الحرب الاولى على قطاع غزة نهاية عام 2008 عندما تم تدمير محطة الكهرباء الوحيدة وتم تصليحها بشكل جزئي. لغاية يومنا هذا يعاني القطاع من أزمة كهرباء مزمنة، حيث يحتاج قطاع غزة ما يقارب من 380 ميغا وات، بينما يتوفر لقطاع غزة فقط حوالي 210 ميغا وات، منهم 120 ميغا وات يتم تغذيته من قبل الجانب الإسرائيلي، وحوالي 65 ميغا وات من محطة توليد الكهرباء، وحوالي 25 ميغا وات من الجانب المصري. تتفاقم الأزمة عندما لا يتم توريد سولار صناعي لمحطة توليد الكهرباء بغزة وبالتالي يكون مجموع ما يتم تغذيته أقل من 145 ميغا وات وهو ما يعادل ثلث احتياجات السكان في غزة، وبالتالي يكون هناك 6 ساعات وصل كهرباء يتلوها 18 ساعة فصل في اليوم، وهو ما يوجد إرباك كبير لدى المجتمع.

لهذه الازمة لا يوجد أيضا افق قريب للحل، ولم تفلح المحاولات لتحسين او زيادة تغذية الكهرباء لقطاع غزة على مدى السنوات الماضية ويعود ذلك إما لاسباب سياسية تتعلق برفض السُلطة الفلسطينية التعامل مع حماس، أو لأسباب تتعلق بالتغطية المالية للتكلفة وخاصة فيما يتعلق بشبكة الكهرباء الداخلية المهترئة.

أزمة رواتب الموظفين الحكوميين

لعل أزمة رواتب الموظفين الحكوميين في قطاع غزة من أهم الأزمات التي يعاني منها جزء كبير في المجتمع. بعد الإنقسام الفلسطيني منتصف عام 2007، أصدرت الحكومة في رام الله قراراً يقضي بمنع الموظفين من مزاولة عملهم في قطاع غزة وطلب منهم الإستنكاف في بيوتهم. هدفت حكومة رام الله إلى إفشال مساعي الحكومة في غزة من القيام بمهامها. الجزء الأكبر من الموظفين، وهم من الأجهزة الأمنية والشرطة، وجميع الوزارات عدا الصحة والتعليم، آثروا الإنصياع إلى القرار والبقاء مستنكفين في البيت، وعليه استمرت الحكومة في رام الله بدفع رواتبهم.

الجزء الاصغر من الموظفين، وخاصة من قطاع التعليم والصحة، لم ينصاع الى القرار لدواعي أخلاقية، حيث لا يعقل ترك المريض في المستشفى بدون علاج، أو التلاميذ بدون تعليم، ومارسوا عملهم بشكل طبيعي، وعليه قررت حكومة رام الله قطع رواتب الموظفين الذين استمروا بالعمل، فاصبحت القاعدة: من يعمل لا راتب له ومن لا يعمل له راتب”.
من ناحيتها تولت حركة حماس أمر الموظفين ممن قطعت رواتبهم، ووظفت بدلاء لمن قاطعوا العمل، حيث بلغ عدد الموظفين الحكوميين في القطاعين الاداري والعسكري ما يقارب 42.000 موظف. وبعد تردي الايرادات المالية من قبل حكومة غزة خاصة بعد إغلاق الانفاق وعدم وجود جباية جمركية كافية، اضطرت حكومة غزة دفع حوالي 40% من قيمة الرواتب شهريا فقط، وهو ليس بالحل الجيد على المدى الطويل.

وعليه اتجهت حركة حماس للمصالحة، لكي تتولى حكومة رام الله أمر التكاليف الحكومية في قطاع غزة، ومنها الموظفين العموميين. يرى ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس الذي تم إعلانه في الشاطئ بتاريخ 23 أبريل 2014، بدمج الموظفين القدامي مع الموظفين الجدد، إلا أنّ الرئيس عباس رفض إضفاء صفة الشرعية على الموظفين في غزة، حيث طلب عودة جميع الموظفين القدامي وبعد ذلك إملاء الشواغر إن وجدت من الموظفين الجدد. حركة حماس اتهمت الرئيس الفلسطيني بأنه يعمل بسياسة إقصاء للموظفين حسب الرأي الحزبي.

ارض مقابل الراتب

وبحلول شهر يناير 2016، لم يتم تنفيذ أي من بنود إعلان المصالحة، على الرغم من مرور عام ونصف على إعلانها. حاولت حركة حماس إيجاد أي مخرج من أجل حل ملف أزمة الموظفين الذين تراكمت ديونهم على الحكومة، فكان الإعلان من قبل زياد الظاظا عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الذي كان يشغل منصب وزير المالية في حكومة غزة، بتاريخ 21 نوفمبر 2015 إعتزام حركة حماس توزيع “أراضٍ حكومية” على موظفي حكومة غزة، مقابل “مستحقاتهم المالية.” وبحسب تصريحات الظاظا، فإن مساحة الأراضي التي سيتم توزيعها على شكل جميعات إسكانية للموظفين تبلغ نحو 1200 دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، ووفق تصريحات سابقة لنائب نقيب الموظفين العموميين في قطاع غزة، إيهاب النحال، فإن إجمالي مستحقات الموظفين على حكومة غزة السابقة، بلغت نحو 500 مليون دولار أمريكي، موزعةً على نحو 40 ألف موظف مدني وعسكري.

هذا الإعلان أثار جدلاً فلسطينياً عارماً، فهناك من يصفها بالخطوة الإضطرارية ومنهم من يصف إنعكاس نتائجها بالكارثية وتشبه حدة الإنقسام السياسي نفسه بين حركتي فتح وحماس. كان من المعتقد بأن سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة تلوح بإسلوب التهديد فقط، إلا أن مصادقة المجلس التشريعي الفلسطيني في قطاع غزة، والذي تهيمن حركة حماس على أغلبية مقاعده، جعل الأمر ينتقل من خانة التلويح الى خانة تنفيذ القرار.

البيان الذي صدر من قبل المجلس التشريعي بخصوص مشروع تخصيص “جمعيات إسكانية على أراضٍ حكومية” للموظفين، علق عليه عضو المجلس التشريعي عن حركة حماس، عاطف عدوان، بأنه “قانوني،” ولا يتعارض مع مواد القانون الفلسطيني، مضيفاً: “لا يحق لحكومة التوافق التي تخلت عن مسؤولياتها تجاه قطاع غزة، وتنصلت من حقوق الموظفين أن تعترض على هذا القرار.” حكومة التوافق الوطني الفلسطينية في رام الله رفضت مشروع القرار المعلن من قبل حركة حماس لتوزيع أراضٍ على موظفي حكومتها السابقة بدلاً عن أجورهم ومستحقاتهم المالية. وزير الأشغال والإسكان في حكومة التوافق الفلسطينية الذي يقطن في غزة اعتبر أن “حركة حماس تقوم بإجراء خطير وغير قانوني، وهذا القرار يعزز الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة.”

وعلى صعيدٍ آخر، رفضت القوى الفلسطينية الأخرى القرار أيضاً، حيث وصفته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأنه “خاطئ، ولا يخدم المصلحة العامة، ويصب في تعزيز الانقسام،” وطالبت حركة حماس بالعدول الفوري عنه.

إذا ما تم جدلاً تعويض الموظفين بجمعيات إسكانية في هذه المرحلة، ماذا سوف تفعل حركة حماس مع الموظفين بعد عامين او ثلاث؟ هل ستوزع حماس مزيداً من الاراضي في قطاع غزة؟ في حقيقة الأمر، يتفهم الجميع بأنه من غير المعقول التنكر لحقوق آلاف الموظفين، وعدم الشعور بمعاناتهم الإنسانية التي تتفاقم يوما بعد يوم. ولكنه في نفس الوقت فإن الأراضي الحكومية ليست ملك لأي فصيل سياسي يتحكم بها كما يشاء، وإنما هي ملك ومقدرات الشعب الفلسطيني بأكمله. المساحة الجغرافية لقطاع غزة صغيرة جداُ وهناك نمو سكاني سريع، وهناك حاجة ماسة للتطوير المدني والإنشاءات العامة مثل المدارس والمستشفيات والشوارع وحتى المقابر.