عانى الاقتصاد الأردني، الذي تنخره البطالة وارتفاع عجز الموازنة، في السنوات الأخيرة، إذ لم تحظى تدابير التقشف التي أدخلتها الحكومة مقابل المساعدات الدولية بشعبيةٍ كبيرة، مما أثار فتيل الاحتجاجات في جميع أرجاء البلاد.
فالأردن من بلدان الشريحة العليا من فئة الدخل المتوسط، إذ تشتمل صناعاته الرئيسية على التعدين، والمنسوجات، وتصنيع الملابس والسياحة. ومع ذلك، فإن الاعتماد الكبير على الطاقة المستوردة، ونقص الموارد الطبيعية والاضطرابات في المنطقة منذ الربيع العربي في عام 2011، جعل اقتصاده غير مستقر. ويبلغ العجز في الميزانية حالياً نحو 1,2 مليار دولار. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في خفض العجز، يتواصل ارتفاع نسب البطالة والديون. كما أن النمو الاقتصادي بطيء، حيث انخفض إلى 2% في عام 2016، وإن كان من المتوقع أن يزداد بشكل طفيف في الفترة ما بين عام 2017 إلى عام 2019.
ومنذ عام 2011، تضخمت نسبة الدين إلى الدخل من 57% من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 90%. وعزا تقريرٌ صادرٌ عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي هذه الزيادة إلى حدٍ كبير إلى ديون شركة الكهرباء الوطنية. يستورد الأردن جميع احتياجاته تقريباً من النفط والغاز – أي 96% من إجمالي إحتياجاته، وفقاً للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، “معظمها بأسعار السوق العالمية، في الوقت الذي يسعى فيه في ذات الوقت إلى توسيع خدماته من الطاقة لسكانه واقتصاده المتناميين.” وأشارت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى أن إجمالي تكلفة واردات الطاقة يبلغ نحو 19% من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن.
فقد أدت الاضطرابات في المنطقة إلى ارتفاع تكلفة الطاقة المستوردة. وحتى عام 2011، كان الأردن يعتمد اعتماداً كبيراً على الغاز المستورد من مصر، مع تجميد الأسعار على أسعار منخفضة نسبياً. بيد أن تقرير كارنيغي ذكر أنه بعد الهجمات التخريبية على خط انابيب النفط المصري في عام 2011، انخفضت امدادات الغاز من مصر، مما اضطر الاردن إلى “اللجوء الى استيراد طارىء واستخدام بدائل باهظة الثمن.”
وفي العام الماضي 2016، وقّع الأردن صفقة غاز بقيمة 10 مليارات دولار مع موردين إسرائيليين، مما أدى إلى احتجاجاتٍ من أردنيين معارضين لممارسة أي أعمالٍ تجارية مع إسرائيل، على الرغم من أن الحكومة الأردنية إدعت أن الصفقة يمكن أن تخفض من تكاليف الكهرباء في البلاد بما يصل إلى 600 مليون دولار سنوياً.
وبصرف النظر عن مشاكل الطاقة، فإن الصراعات في سوريا والعراق المجاورين قد ألقت بثقلها على قطاع السياحة في الأردن. ففي الماضي، توافد الزوار لرؤية الآثار في البتراء وأماكن أخرى، واستكشاف الصحراء في وادي رم والاستجمام في البحر الميت. ويشكل قطاع السياحة ثاني أكبر مشغل في القطاع الخاص ويُسهم بأكثر من 800 مليون دولار في الاقتصاد الأردني كل عام، وهو ما يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ومنذ اندلاع الحرب في سوريا، عانى قطاع السياحة في الأردن، بالرغم من معاناة الأردن نفسه من بعض المشاكل الأمنية القليلة. ومن الاستثناءات الجديرة بالذكر اقتحام قلعة الكرك الأثرية في مدينة الكرك الجنوبية من قِبل مسلحين في ديسمبر 2016، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص، بما في ذلك عناصر من قوى الأمن، ومدنيين وسائحة كندية. ومع ذلك، كان العديد من السياح يتجنبون الذهاب إلى الأردن حتى قبل تلك الحادثة. ففي عام 2010، قبل عامٍ من اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، زار 8,2 مليون سائح البلاد، ووذلك وفقاً للبنك الدولي. وبحلول عام 2013، انخفض هذا الرقم إلى 5,4 مليون زائر.
ويشير مسؤولون أردنيون أيضاً إلى تدفق اللاجئين السوريين – أكثر من 650 ألف لاجىء مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، ومن المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك- كأحد أسباب استنزاف الاقتصاد، على الرغم من أن بعض الروايات تُشير إلى أن تكلفة استضافة اللاجئين يتم تعويضها من المساعدات الدولية التي تلقاها الأردن بديلاً لوجودهم في البلاد.
كما أن البطالة في الأردن آخذةٌ في الارتفاع. فقد بلغت ما نسبته 15,8% عام 2016، لترتفع مما نسبته 14% في العام السابق. وتواجه النساء والشباب، على وجه الخصوص، صعوباتٍ في ايجاد وظائف. وتلقي مؤسسة كارنيغي، جزئياً، باللائمة في مشكلة التوظيف على “النموذج الاجتماعي – الاقتصادي المثقل بعقودٍ من التوظيف المفرط في القطاع العام، والاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية المنخفضة الأجر كبديلٍ عن اليد العاملة الأردنية والنظام التعليمي المعروف بإنتاجه الكمي عوضاً عن النوعي.”
وخلص التقرير إلى أنه “حتى وإن اختفت الأزمة الأمنية الإقليمية بطريقةٍ أو بأخرى في المستقبل القريب، فإن ضعف الحوافز المقدمة للمانحين الأجانب لتقديم المساعدات لتغطية تكاليف اللاجئين، سيترك الأردن بأزمة ديونٍ جديدة.” فقد عانى الأردن بالفعل من خسارة أموال المساعدات من دول الخليج، التي منحته حزمة مساعداتٍ بقيمة 5 مليارات دولار عام 2011. انتهت المساعدات مع نهاية عام 2016، مع عدم اتخاذ أي خطوة لتجديدها، على الرغم من نداءات المسؤولين الأردنيين.
ولا تزال البلاد تعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات الأمريكية التي ازدادت في السنوات الأخيرة. وسيحصل الأردن على ما لا يقل عن 1,28 مليار دولار هذا العام من الولايات المتحدة، وقد يحصل على مساعداتٍ إضافية للجيش. وفي العام الماضي 2016، وقعت الحكومة الأردنية اتفاقاً لثلاث سنوات مع صندوق النقد الدولي، حيث سيتم منح البلاد أكثر من 700 مليون دولار على شكل قروض. وفي المقابل وافقت الحكومة على اتخاذ خطواتٍ لخفض العجز في ميزانية البلاد.
وحتى قبل ذلك، اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات التي لم تحظى بشعبيةٍ للحدّ من الدعم الحكومي على الوقود. وفي عام 2012، أدى خفض الدعم على الوقود إلى زيادة أسعار اسطوانات الغاز بنسبة تتجاوز الـ50%، وارتفاع أسعار الديزل والكاز بنسبة 33%، والبنزين المنخفض المرتبة الحرارية بنسبة 14%. وقد أثارت هذه الزيادات احتجاجاتٍ في جميع أنحاء البلاد.
كما شهدت الاحتجاجات ضد البطالة في بلدة ذيبان، جنوب العاصمة عمّان، اشتباكاتٍ عنيفة بين المتظاهرين والشرطة. فقد قامت الشرطة بتفريق المتظاهرين، الذين أقاموا خيمةً في ساحة المدينة الرئيسية لاستخدامها كمقرٍ أثناء تفاوضهم مع المسؤولين، بالقوة. وفي شهر فبراير من هذا العام 2017، وفي أعقاب قرارٍ حكومي برفع الضرائب على السلع الغذائية والخدمات، اندلعت الاحتجاجات مجدداً في البلاد، بدءاً من مدينة الكرك، حيث طالب مئات الأشخاص باستقالة رئيس الوزراء هاني الملقي. كما انتشرت احتجاجات مماثلة في مدنٍ جنوبية أخرى. وتهدف ميزانية عام 2017 التي أقرها البرلمان الأردني إلى جمع 643 مليون دولار من خلال الضرائب والتعريفات الإضافية.