بعد وفاة الملك عبد الله عاهل السعودية في يناير 2015، كان هناك تكهنات واسعة فيما يتعلق بطفرة البناء التي كان قد أمر بها الملك الراحل. كان من الطبيعي ظهور مثل هذه التكهنات ذلك أنّ أسعار النفط قد تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة كما أن المنطقة بأكملها تواجه الخطر من كل صوب وحدب.
ومع ذلك، وعدت القيادة الجديدة في البلاد بمواصلة وتيرة التنمية وسرعان ما ضخت مليارات الدولارات في القطاع الاقتصادي، إلى جانب مكافأة راتب شهرين تُدفع لجميع موظفي الدولة والمتقاعدين. وفي اجتماع عقد في أوائل شهر مارس 2015 مع كل من الوزراء وأعضاء مجلس الشورى السعودي وكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين وجمع من المواطنين، كشف الملك سلمان جدول أعمال حكومته.
وتعهد الملك بتعزيز تقدم الأمة والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية. حيث خاطب الشعب السعودي قائلاً ” دولتكم ولله الحمد والمنة تسير على خطى النمو والتطور بكل ثبات (…) لقد وضعت نصب عيني مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد (…) وذلك بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة (…) سوف نعمل على بناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل(…) إن ما يمر به سوق البترول من انخفاض للأسعار، له تأثير على دخل المملكة، إلا أننا سنسعى إلى الحد من تأثير ذلك على مسيرة التنمية”. كما تعهد بـ”تطوير أداء الخدمات الحكومية، ومن ذلك الارتقاء بالخدمات الصحية لكل المواطنين في جميع أنحاء المملكة بحيث تكون المراكز الصحية والمستشفيات المرجعية والمتخصصة في متناول الجميع حيثما كانوا” في حين شدد على ” ضرورة وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن”. وأضاف ” وفي مجال التعليم، فقد وجهنا بتطوير التعليم من خلال التكامل بين التعليم بشقيه العام والعالي وتعزيز البنية الأساسية السليمة له بما يكفل أن تكون مخرجاته متوافقة مع خطط التنمية وسوق العمل”.
كما ركز على حالة الاقتصاد الوطني، وصرح بأن السنوات المقبلة ستكون مليئة بالانجازات المهمة وتعزيز قطاعيّ الصناعة والخدمات. من جهةٍ أخرى خاطب رجال الأعمال قائلاً ” ولرجال الأعمال في بلادنا الغالية أقول لهم : أنتم شركاء في التنمية، والدولة تعمل على دعم فرص القطاع الخاص ليسهم في تطوير الاقتصاد الوطني، فأنتم جزء من نسيج هذا الوطن، الذي قدم لكم الكثير من التسهيلات والامتيازات، وينتظر منكم كذلك الكثير، فعليكم واجب الإسهام بمبادرات واضحة في مجالات التوظيف والخدمات الاجتماعية والاقتصادية”.
تعتبر المملكة العربية السعودية في خضّم تطور هائل في البُنية التحتية وغيرها. ومؤخراً، تم تسليط الضوء على قطاعات الرعاية الصحية، والنقل، والتعليم، وغيرها من الخدمات الاجتماعية. ولأن الطرق الحالية بلغت طاقتها الاستيعابية إلى الحدّ الذي بات فيه الازدحام يؤثر على الاقتصاد المحلي ونوعية حياة السكان، وافق مجلس الوزراء في عام 2013 على تطبيق أنظمة للنقل العام في كل من مكة وجدة والطائف بتكلفة إجمالية بلغت قيمتها 30 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يكون برنامج توسيع البُنية التحتية للنقل على الصعيد الوطني الملتزمة به المملكة، وفي حال سارت جميع اللأمور على خير ما يرام، أحد أكثر شبكات سكك الحديد والمترو تطوراً في العالم. ومن المتوقع أيضاً أن يصل الإنفاق على مشاريع السكك الحديدية وحدها فقط إلى حوالي 79 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة.
لكن لا يتعلق الأمر ببساطة بالحدّ من الازدحام وتحسين نقل البضائع، إذ أنّ شبكة السكك الحديدية، وفقاً لتأكيدات القائمين على المشروع، ستعمل على خلق فرص عمل جديدة وتحقيق فوائد بيئية للمنطقة. “تخلق شبكة السكك الحديدية مجتمع أكثر استدامة لا يعتمد على شكل واحد فقط من أشكال نقل الركاب والبضائع. وأيضاً، تم توثيق المزايا البيئية لاستخدام السكك الحديدية على نطاق واسع، كما ستوفر مشاريع السكك الحديدية مجموعة مختلفة من فرص العمل، بما في ذلك المناصب الهندسية ذات التقنية العالية، لأعداد متزايدة من السكان”.
وتم ضخ 18 مليار دولار في مكة المكرمة، المدينة التي تستقبل الحجاج من جميع أنحاء العالم، لتطوير نظام النقل العام في المدينة، والذي يشتمل على إنشاء أربع خطوط للمترو و88 محطة وشبكة حافلات سريعة. ومن المتوقع أن يشّكل هذا علامة فارقة في تحسين عملية نقل الحجاج والمواطنين في المدينة.
أما العاصمة الرياض، التي لا يوجد بها تقريباً وسائل نقل عام، لها نصيبٌ أيضاً في مشروع المترو. ومن المتوقع أن يكلف مشروع النقل العام بالرياض 22,5 مليار دولار والذي سيتشمل على 176,5 كيلومتر من السكك الحديدية و85 محطة، وفقاً لهيئة تطوير مدينة الرياض. وحصلت شركة بكتل، أكبر شركات الهندسة والبناء ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادتها إتحاد للشركات بعقد قيمته 9,4 مليار دولار لتصميم وبناء اثنين من خطوط مشروع الرياض للنقل العام، والذي يبلغ إجمالي طوله 63,3 كيلومتر.
هذا وتتبوأ المملكة العربية السعودية المركز الأول في قيمة وحجم المشاريع الإنشائية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتلتزم بما قيمته تريليون دولار في مشاريع البناء في السكن والرعاية الصحية والتعليم والنقل، وفقاً لتقرير لشركة ديلويت بعنوان “أكبر أسواق البناء في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2014”. ومن التنمية الضخمة متعددة الاستخدامات إلى الملاعب الرياضية، تجذب المملكة كبرى شركات البُنية التحتية والتنمية في العالم.
ولا بد أن تقود المملكة التي تمتاز بسكانها اليافعين، السوق الأكثر ازدهاراً في المنطقة، بما يتماشى مع الخطة العامة للتنمية الاقتصادية. وينبغي أن يساعد قانون الرهن العقاري الذي تمت المصادقة عليه مؤخراً في دفع عجلة النمو في البناء السكني كرد على أزمة السكن الحالية، وخاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط. كما أن الحكومة جدية جداً في توفير السكن بأسعار معقولة لمواطنيها، حيث عمد الملك في مارس 2015، إلى إقالة وزير الإسكان عقب تزايد الشكاوى في وسائل الإعلام الاجتماعية من قبل السعوديين المتباكين على عدم ملكيتهم للمنازل.
كما حصدت بعض المشاريع في المملكة العربية السعودية على الاعتراف العالمي بعد أن ضمنت لها مركزاً في قائمة أكثر 100 مشروع من مشاريع البُنية التحتية الحضرية ابتكاراً وإلهاماً في العالم في الطبعة الثانية لتقرير شركة (كاي بي إم جي) لـ”100 بُنية تحتية”. وتتصدر جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للنساء التي أنجزت مؤخراً فئة البُنية التحتية للتعليم والتي صنفتها شركة (كاي بي إم جي) باعتبارها واحدة من أكبر عشر مشاريع للبُنية التحتية في جميع أنحاء العالم.