أعلنت شركة الطاقة اليابانية، سوفت بنك، في 27 مارس 2018، استثمارها في أكبر مشروعٍ للطاقة الشمسية في العالم في المملكة العربية السعودية. ومن المتوقع أن ينتج المشروع ما يصل إلى 200 جيجاواط بحلول عام 2030.
فقد وضعت المملكة العربية السعودية الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة على قائمة الأهداف منذ عام 2012، عندما أعلنت خطتها الاقتصادية الجديدة، رؤية 2030. وقال الخبير في المجال البيئي ومؤسس جمعية إكو مينا، سلمان ظافر، في لقاءٍ أجريناه معه في فَنَك ” في عام 2012، كشفت الحكومة السعودية عن خططٍ لاستثمار أكثر من 100 مليار دولار في مشاريع الطاقة النظيفة حتى عام 2030 من أجل توليد 41 جيجاواط، أي ما يعادل ثلث احتياجاتها من الطاقة، من مصادر الطاقة المتجددة، والطاقة الشمسية في المقام الأول.” وأضاف “ومع ذلك، خفضت الحكومة بشكلٍ كبير من البرنامج في يناير 2015 ووضعت هدفاً أكثر واقعية للطاقة المتجددة لما نسبته 14% من طاقة التوليد الحالية، أي 9,5 جيجاواط، بحلول عام 2030.”
ستستثمر سوفت بنك مبلغاً يُقدر بحوالي 200 مليار دولار اللازمة لتوليد 200 جيجاواط، بما في ذلك الألواح الشمسية، ووحدات تخزين البطارية، ومرافق تصنيع الألواح في المملكة العربية السعودية. وستأتِ بقية الموارد المالية من تمويل المشروع. وبالنسبة للمرحلة الأولى من القدرة البالغة 7,2 جيجاواط، تبرز الحاجة إلى استثمار 5 مليارات دولار، منها مليار دولار من سوفت بنك. سيتم إطلاق المشروع هذا العام، ومن المقرر أن يبدأ توليد الكهرباء بحلول عام 2019. وستغطي المحطة النهائية للطاقة الشمسية مساحة 5000 كيلومتر مربع، أي ما يعادل مدينة بحجم باريس أو شيكاغو.
وفي الوقت الراهن، يوجد في المملكة العربية السعودية محطة واحدة ضخمة للطاقة الشمسية قيد الإنشاء، حيث فازت شركة أكوا باور المحلية بعطاء مشروع محطة سكاكا بسعة إنتاجية تصل إلى 0,3 جيجاواط، في فبراير 2018 بتكلفة 302 مليون دولار. ستقوم المحطة بتوليد ما يكفي من الكهرباء لتشغيل حوالي 40000 منزل. وقالت جيني تشايس، المحللة في شركة بلومبيرج نيو إنيرجي فاينانس، وهي شركة أبحاث تسويقية، لصحيفة نيويورك تايمز في ذلك الوقت “جميع المطورين الكبار يراقبون السعودية.” وأضافت “لقد وضعت البلاد خططاً كبيرة وأدلت بتصريحاتٍ ضخمة، إلا أن العديد من الهيئات داخلها فشلت في التوافق على سبيلٍ جديد للمضي قدماً.”. وبالنسبة لشركة تشايس، يعدّ إرساء العطاء على شركة أكوا “الخطوة الأولى نحو إنشاء ما يتوقع على نطاقٍ واسع أن يكون سوقاً رئيسية.”
واليوم، يبلغ الطلب على الطاقة في أوقات الذروة في المملكة حوالي 75 جيجاواط، وهو ما يمثل نسبة استهلاكٍ مرتفعة للغاية من الطاقة الأولية للفرد الواحد. وباستهلاك ما يقرب من 8 مليون طن نفط مكافىء في عام 2015، يعتبر هذا أعلى خمس مراتٍ من متوسط الإستهلاك العالمي البالغ حوالي 1,5 مليون طن نفط مكافىء.
ففي المملكة، تتكون مصادر الطاقة الأولية من الفحم، والطاقة المتجددة، والطاقة الكهرومائية، والطاقة النووية، والغاز الطبيعي والنفط. ففي عام 2015، كانت المملكة العربية السعودية رابع أكبر منتج للطاقة الأولية العالمية ليبلغ متوسط الإنتاج 648,61 مليون طن نفط مكافىء، أي في المرتبة الثانية بعد الصين (2,50 ألف مليون طن نفط مكافىء) ، ولكن في مرتبة تسبق الهند (554,39 مليون طن نفط مكافىء). ومع زيادة استهلاك المملكة بمعدل 6% سنوياً، تبرز الحاجة للاستثمار في الطاقة المتجددة.
تتماشى هذه المحطة الضخمة مع طموحات المملكة في أن تصبح أكبر مصدرٍ للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط. ويقول ظافر في هذا الصدد، “من المتوقع أن تلعب رؤية 2030 دوراً رئيسياً في هذا تحقيق هذا الهدف،” وأضاف “في إطار مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة، تقوم الحكومة السعودية بمراجعة الإطار القانوني والتنظيمي لاستثمارات القطاع الخاص من أجل تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتشجيع التصنيع المحلي للألواح الشمسية.”
سيسمح هذا لشركات الطاقة العالمية بالاستثمار في السوق المحلية، مع زيادة الاستثمار من قِبل كلٍ من الحكومة والشركات الخاصة. وسيرفع مشروع سوفت بنك وحده قدرة الطاقة الشمسية المركبة عالمياً إلى 400 جيجاواط، وهو ما يعادل قدرة العالم النووية البالغة 390 جيجاواط.
وأضاف ظافر: “على الرغم من أن الطاقة الشمسية المركبة في المملكة حالياً أقل من 100 ميجاواط، فإن شركات الطاقة الشمسية الرائدة في العالم نشطة بالفعل في السوق المحلية، ويرجع ذلك أساساً إلى إمكانات قطاع الطاقة الشمسية السعودي المبشر بالخير.” وتابع القول “من المتوقع أن ترتفع الطاقة الإنتاجية في السنوات الخمس أو العشر القادمة في ظل التشغيل التدريجي للمشاريع المخطط لها وزيادة الدعم الحكومي واستثمار الشركات.”
وقد يجذب هذا الوضع تمويلاً جديداً لبلدٍ يكافح مالياً بسبب انخفاض أسعار النفط. ففي الربع الأول من عام 2017، انخفض إجمالي الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية بنسبة 0,5% مقارنةً بالربع نفسه من عام 2016، وهو أول انخفاض له منذ عام 2009. وقد طبقت المملكة العربية السعودية تدابير تقشف لاحتواء الأزمة، والتي خففت في يناير 2018 خوفاً من اندلاع أعمال شغب. وبعد أسبوعٍ من فرض ضريبة مبيعاتٍ بنسبة 5% على معظم السلع ورفع أسعار الغاز أكثر من الضعف، أعلنت الحكومة عن مكافأةٍ سنوية لجميع موظفي الدولة، وبدل شهريٍ قدره 1000 ريال (266 دولار) لموظفي الحكومة لمدة عام بالإضافة إلى زيادة الراتب بنسبة 10% للطلاب، ومكافأة للجنود وخصم ضريبي لمشتري المنازل لأول مرة.
وعلى الرغم من مشاكلها المالية، تظل المملكة العربية السعودية لاعباً مؤثراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سياسياً واقتصادياً على حد سواء، على الرغم من الخلاف الدبلوماسي المستمر مع قطر. وقال ظافر”نظراً لهيمنتها الإقليمية، يمكن أن تلعب المملكة العربية السعودية دوراً حيوياً في انتشار الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط بأكمله.” وأضاف “يشير هدف رؤية عام 2030 إلى أن البلاد ستنمي قدرتها على الطاقة المتجددة بشكلٍ متدرج، مستفيدةً من انخفاض التكاليف في المستقبل وتحسينات الكفاءة، مع ترك الباب مفتوحاً أمام التقنيات الناشئة.”
وبفضل المئات من ساعات سطوع الشمس شهرياً، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تحقق مكاسب اقتصادية وبيئية وتقنية من الطاقة الشمسية. ومع ذلك، في ظل حالة عدم اليقين التي تشوب الأوضاع الاقتصادية والسياسية في السنوات المقبلة، يبقى أن نرى ما إذا كان البلد يتمتع بالقدرة على تحقيق طموحاته.