وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليمن في قلب العاصفة

اليمن في قلب العاصفة
صورة تم التقاطها يوم ٢٩ مارس ٢٠٢٢ ليمنيين مهجّرين أثناء حصولهما على المساعدات الغذائية لتلبية احتياجاتهما الأساسية، وذلك في مخيم بمديرية حيس الموجودة بمحافظة الحديدة التي مزقتها الحرب. وكانت أسعار الغذاء قد تضاعفت منذ العام الماضي، فيما تنامت المخاوف من تفاقم المجاعة في هذا البلد على خلفية حصول اليمن على ثلث وارداته من القمح من أوكرانيا. وأثار الاضطراب الحاصل في تدفق صادرات القمح نتيجة الغزو الروسي والعقوبات الدولية المخاوف من وقوع أزمة مجاعة دولية، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث بدأت التأثيرات غير المباشرة تطفو على السطح هناك. وظهرت الخسائر بشكلٍ أوضح في مناطق النزاع كاليمن، الذي يعد أفقر الدول العربية. ويعيش اليمن على وقع حربٍ مدمرة منذ عام ٢٠١٤، وهو ما أدى إلى معاناة هذا البلد من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. المصدر: Khaled Ziad / AFP.

فارس الحميري

بشكل مباشر وغير مباشر، ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على الدول الفقيرة التي تشهد نزاعات مسلحة كاليمن. هذا البلد وجد نفسه في قلب العاصفة، سيّما وأن أمنه الغذائي بات على المحك، وسط تصاعد حدة أزمته الإنسانية ومواجهته لسيناريوهات متعددة معقدة قد تحوّل قضيته طي النسيان.

بالنسبة لليمن، تعد أوكرانيا وروسيا مصدرا رئيسا لواردات القمح، إضافة إلى مواد أساسية أخرى، الأمر الذي يجعل هذا البلد الفقير والمضطرب على المحك.

تحذيرات أممية

يعتمد اليمن، بحسب الأمم المتحدة، على الواردات التجارية لتوفير لحوالي 90٪ من الغذاء. وبما أن اليمن يعتمد تقريباً بالكامل على ما يصله من واردات النفط والسلع الأساسية، فإن النزاع الحالي الدائر في أوكرانيا قد يؤدي إلى تقييد وصول هذه الإمدادات بالتزامن مع زيادة الأسعار الغذائية.

ووفقاً الأمم المتحدة، “فإن اقتصاد اليمن المعتمد على الاستيراد أصبح أكثر هشاشة الآن مما كان عليه قبل أسابيع قليلة، وأزمة التمويل باتت تهدد بحدوث كارثة”. وتشير المنظمة الأممية إلى أن الحرب في أوكرانيا لن تؤدي “إلا إلى تفاقم كل (ما سبق)، مع الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية والوقود وغيرها من الضروريات في اليمن”.

مخزون الغذاء مهدد بالنفاذ

أفرزت الحرب الروسية الاوكرانية تحديات ماثلة في اليمن، حيث أكدت الحكومة اليمنية، أنها تعمل على تخفيف تداعيات الصراع على الأمن الغذائي المهدد بالنفاذ في اليمن.

وأجرت الحكومة اليمنية تقييماً للمخزون والاحتياطي الحالي من القمح والمواد الأساسية، وأكدت أن المخزون المتوفر يكفي فقط لتغطية احتياجات السوق المحلية للأربع الأشهر القادمة.

وبحسب الحكومة اليمنية، فإن الأمن الغذائي يحتل أولوية قصوى باعتباره أحد التحديات الرئيسية التي تواجه اليمن، وأن ضمان الأمن الغذائي هو العامل الرئيس للتخفيف من الكارثة الإنسانية في البلاد.

وضمن توجهات الحكومة على إيجاد البدائل، أكدت العمل عن كثب مع القطاع الخاص لتنويع بدائل الاستيراد لتحقيق الاستقرار التمويني للسلع الأساسية. كما بدأت وزارة الزراعة اليمنية، وعبر مكاتبها في عدد من محافظات البلاد، العمل على وضع مشاريع لزراعة القمح محليا، خاصة في المناطق الخصبة بمحافظات أبين والمهرة وحضرموت.

تداعيات اقتصادية متعددة

يرى الخبير الاقتصادي اليمني عبد الحميد المساجدي أن الصراع الروسي الأوكراني القائم سينعكس سلبا على الاقتصاد اليمني.

وقال المساجدي لــ(فَنَك): “ستكون للصراع الروسي الأوكراني تداعيات على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وهو ما لاحظناه في اهتزاز أسواق المال، وارتفاع خام النفط إلى ما فوق مئة دولار للبرميل الواحد. ومن المتوقع أن يتجاوز سعر البرميل هذا الرقم إذا ما استمرت الحرب. كما أن الأزمة ستؤثر على حركة الملاحة والحركة التجارية وستؤدي إلى إيقاف سلاسل التوريد، اضافة إلى تقييد الصادرات والواردات من وإلى بلدي الصراع”.

وأضاف المساجدي: “هذه الأزمة ستنعكس على الداخل اليمني في أكثر من مجال. ففي مجال الطاقة، وبما أن اليمن يستورد أغلب احتياجاته من الوقود من الخارج، فإن أسعار المشتقات النفطية في الداخل سترتفع بشكل مضاعف، سواء كان ذلك متأثرة بارتفاع خام النفط في الأسواق العالمية، أو مع ارتفاع أسعار الشحن والنقل”.

وبحسب الخبير اليمني، فإن ارتفاع فاتورة الوقود وتزايد الطلب على العملة الأجنبية اللازمة لدفع فواتير الاستيراد سيؤدي إلى “تدهور الريال اليمني بشكلٍ أكبر”.

ووفقا للمساجدي، فإن “اليمن يستورد أكثر من ثلاثة ملايين طن من القمح سنويا، علماً بأن بلدي الصراع روسيا وأوكرانيا على أكثر من خمسين بالمئة من واردات اليمن من القمح”.

وأشار الخبير الاقتصادي المساجدي إلى أن “تدفق واردات اليمن من القمح ستواجه بعض التحديات إضافة إلى ارتفاع أسعار الحبوب مع انخفاض متوقع في المعروض مع استمرار حالات الطلب الداخلي على القمح كما هي عليه”.

تعميق الكارثة الإنسانية

يعاني اليمن من “أسوأ أزمة إنسانية في العالم“، وإفرازات الصراع الأوكراني الروسي ستعمق من الكارثة الإنسانية في اليمن، بحسب كل المؤشرات.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى حاجة 23 مليونا من أصل 30 مليون يمني لنوع من أنواع المساعدات. ومن هؤلاء 7.1 مليون شخص باتوا على بُعد خطوة واحدة من المجاعة.

كما تشير التقديرات إلى معاناة 2.3 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد، في الوقت الذي تعاني فيه حوالي 1.3 مليون امرأة حامل أو مرضع من سوء التغذية الحاد.

وفي منتصف شهر مارس 2022، طالبت الأمم المتحدة بمبلغ 4.27 مليار دولار أمريكي للاستجابة الانسانية في اليمن للعام الحالي، لكن المانحين تعهدوا فقط بتقديم 1.3 مليار دولار وهو ما يعني أن هناك فجوة كبيرة.

وعلى خلفية العجز في التمويل، أغلقت منظمات دولية وإغاثية عاملة في اليمن العديد من مشاريعها الرئيسية التي كانت تعمل بشكل مباشر مع المحتاجين.

وذكر برنامج الأغذية العالمي أنه “اضطر إلى خفض الحصص الغذائية المقدمة لثمانية ملايين شخص في بداية العام بسبب نقص التمويل. وفي الوقت الحالي، لا يزال خمسة ملايين شخص من الفئات المعرضة لخطر الانزلاق في ظروف المجاعة يتلقون حصص غذائية كاملة. ولكن بدون تمويل جديد، فلن يكون هناك مفر من إجراء المزيد من التخفيضات”.

وبحسب البرنامج الأممي، فإنه تلقى “11 في المائة فقط من التمويل الذي يحتاجه لتوفير المساعدات الغذائية لنحو 13 مليون شخص خلال الأشهر الست المقبلة، وأنه بحاجة إلى أكثر من 887.9 مليون دولار أمريكي”.

وحذر برنامج الأغذية العالمي “من أن تصبح مستويات الجوع كارثية في اليمن، حيث تدفع الأزمة الأوكرانية أسعار المواد الغذائية للأعلى، بينما فجوة التمويل البالغة 900 مليون دولار أمريكي تجعل إجراء المزيد من التخفيضات في المساعدات الغذائية ضرورة أكثر من أي وقت مضى”.

ارتدادات سياسية على اليمن

اليمن الذي شهد انسداد الحل السياسي خلال سنوات الحرب السبع الماضية، يتخوف من أن يكون للصراع الروسي الأوكراني ارتدادات، وبطريقة قد تعقّد كافة الجهود الدولية والاقليمية الرامية لوضع حد للصراع اليمني بشكل سلمي.

يرى المحلل السياسي عبد السلام محمد أن الحرب الروسية الاوكرانية سيكون لها ارتدادات في اليمن، وستنعكس سلبا على الوضع اليمني، حيث سيسعى حلفاء موسكو لتثبيت وضعهم أكثر في هذا البلد.

وفي مقابلة أجراها مع موقع “فنك”، أوضح محمد، وهو رئيس مركز “أبعاد” للدراسات والبحوث، أن حلفاء روسيا – إيران تحديدا – سيسعون لتثبيت الوجود في اليمن عبر جماعة الحوثي التي تدعمها طهران، مستغلين الصراع القائم وانشغال العالم بالصراع الروسي الأوكراني.

وبحسب محمد، فإن الأمن الدولي سيتأثر بتغيير روسيا معادلة التوازنات الدولية لصالح إضعاف الهيمنة الأمريكية ومحاولات إنهاء سياسة القطب الواحد، وهو ما يعني زيادة القوة والسيطرة لروسيا وحلفائها.

سيناريوهان لمآلات الحرب اليمنية

يؤكد مركز يمني للدراسات الاستراتيجية، أن الصراع الروسي الأوكراني يضع مآلات الحرب اليمنية أمام سيناريوهين اثنين، أحدهما الدَّفع بعجلة السلام لوقف الحرب، والآخر يتمثل في تصاعد حدة الحرب في اليمن.

ووفقا لمركز “المخا” للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية يمنية مستقلة تهتم بالمؤثرات الإقليمية والدولية على الشأن اليمني، فإن سيناريو الدَّفع بعجلة السلام لوقف الحرب في اليمن صعب التحقيق، إذ ليس هناك ما يشير بقوَّة إلى أن عجلة السلام ستندفع قُدمًا، وتتوقَّف معها الحرب، نتيجةً لما قد تخلِّفه الأزمة الروسية- الأوكرانية مِن تداعيات.

ويرى المركز إمكانية وقوع تحوّل طفيف في هذا المسار مِن خلال الدَّور الذي قد تفرضه روسيا في هذا الجانب لتعزيز حضورها الدُّولي أمام الاصطفاف الغربي المناوئ لها في أزمتها الراهنة مع أوكرانيا. ومع ذلك، فإن الدور الروسي محدود لأن روسيا لا تملك وجودًا عسكريًّا في اليمن كما هو عليه الحال في سوريا.

واعتبر المركز أن سيناريو استمرار الحرب وتصاعد حدَّتها في اليمن الأقرب للواقع، سيّما وأن تداعيات الأزمة الأوكرانية قد تدفع الأطراف الإقليمية الضالعة في النزاع اليمني إلى تعزيز حضورها في هذا البلد.

وفي الوقت الذي قد تسعى فيه إيران إلى دفع الحوثيين إلى التصعيد في حال تم رفض المبادرة الحوثية الجديدة لوقف القتال مع السعودية، فإن هذه الأخيرة والإمارات ستواصلان رفض الخطرين القابعين على حدودهما: خطر الملف النووي الإيراني، وجماعة الحوثي ذات الحضور العسكري القوي.

وتقود السعودية تحالفا عربيا ينفذ عملية عسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن منذ مارس 2015، دعما للرئيس اليمني وحكومته المعترف بها دوليا.

وتسيطر جماعة الحوثي الشيعية على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات الشمال اليمني ذات الكثافة السكانية، وتمكنت مؤخرا من تطوير قدراتها العسكرية بدعم من طهران بحسب اتهامات متكررة من الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية.