وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الفوائد الاقتصادية من قناة السويس الجديدة

inauguration of the new suez canal
مراسم افتتاح قناة السويس الجديدة، الإسماعيلية، مصر, 6 أغسطس 2015. Photo Zuma Press

بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في شهر تموز 2013 والفوز الساحق الذي حققه عبد الفتاح السيسي في شهر أيار 2014، تعهد الرئيس المنتخب بأن يولوي اهتمامه الأكبر إلى تحسين اقتصاد البلاد المتعثر منذ ثورة 2011.

حيث تم الإعلان عن محور خطة الرئيس الاقتصادية في خضم ضجة إعلامية كبيرة بعد بضعة أشهر فقط من توليه الرئاسة. فكان أن أطلق المشروع الضخم الهادف إلى توسعة قناة السويس مما يتيح لحركة المرور في اتجاهين على طول الممر المائي الأكثر استراتيجية في المنطقة والذي يعتبر أقصر طريق للشحن البحري يصل بين قارتي أوروبا وآسيا. فكان المنطق أن تساعد توسعة القناة في تقليص فترات الانتظار وزيادة عدد السفن القادرة على عبور القناة وبالتالي مضاعفة دخل قناة السويس المادي.

قدرت تكلفة المشروع بنحو 8.2 مليار دولار أمريكي، شكلت في معظمها قيمة سندات صادرة حصرا للمواطنين المصريين. كما شملت التكلفة أيضا على أعمال البناء حفر ممر مائي مواز بطول 35 كيلومتر وتوسيع وتعميق 37 كيلومترا للسماح من المجاري الجانبية للسماح بمرور سفن أكبر حجما.

كان من المفترض في البداية أن يستغرق المشروع ثلاث سنوات ليكتمل إنجازه، لكن السيسى أصدر تعليماته بأن تكون توسعة القناة جاهزة خلال سنة واحدة فقط. ووفقا لبعض التقارير، فقد تم توظيف 75٪ من كراكات (جرافات) العالم للمساعدة في انجاز المشروع في الوقت المنشود.

“كان ذلك قرارا سياسيا بامتياز، وقد زاد من تكلفة الحفر والتجريف من المبلغ المخصص وقدره 2.9 مليار دولار أمريكي لتصل التكلفة الاجمالية إلى 3.83 مليار دولار أمريكي. وذلك يعني أيضا أن مليارات الدولارات قد دفعت إلى دول أجنبية عندما كنا بحاجة ماسة إلى تلك الأموال،” حسبما يقول هشام خليل المحلل الاقتصادي والعضو البارز في الحزب الديمقراطي الاجتماعي في مصر.

وتم افتتاح الممر المائي الجديد خلال حفل كبير بتاريخ 6 آب 2015، حيث تزامن ذلك مع أحداث جسيمة في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك أحداث ميدان التحرير الشهير في القاهرة.

هذا وقد أفاد رئيس هيئة قناة السويس مهاب مميش خلال مؤتمر صحفي بتاريخ 29 تموز أن الممر المائي الجديد من شأنه أن يرفع الأرباح السنوية لقناة السويس من 5.3 مليار دولار أمريكي في عام 2014 إلى 13.23 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2023.

إلا أن الخبراء يتشككون في حقيقة هذه التوقعات. حيث يقول هشام خليل: “قبل القيام بمشروع التوسعة، كان الاستيعاب الفعلي لقناة السويس 78 سفينة يوميا. وحتى تتحقق الزيادة في الدخل المالي من الممر المائي الجديد، يجب أن يفوق عدد السفن المارة عبره العدد الحالي. في المقابل فإن الزيادة المتوقعة في التجارة العالمية على مدى السنوات العشر القادمة تبلغ 3.8 في المائة سنويا، مما يعني أن الأمر سيستغرق 11 سنة ليصل العدد إلى 78 سفينة يوميا.”

ومع الأخذ بعين الاعتبار أنه قد تم إنفاق 3.83 مليار دولار أمريكي على الحفر والتجريف وما يقارب 2.81 مليار دولار أمريكي – أي ما مجموعه 6.64 مليار دولار أمريكي. وإذا ما قارنا ذلك بالزيادة المتوقعة والتي تبلغ حوالي 400 مليون دولار أمريكي خلال 11 عاما، فإننا نرى بأن العوائد المادية يالكاد تتجاوز تكلفة المشروع، حسبما يضيف المحلل خليل.
في المقابل، رحبت شركة ميرسك لاين، أكبر شركة شحن للحاويات في العالم، بمشروع التوسعة وأفادت بانه سيقلص أوقات العبور المائي مما سيعود بالفائدة على التجارة العالمية ككل. ومع ذلك، تذكر الشركة لرويترز أنها لن ترسل المزيد من السفن للعبور من قناة السويس في العام المقبل.

من ناحية أخرى أصدرت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” هي الأخرى تصريحا عقب افتتاح الممر الجديد قائلة أنه من المرجح أن تزيد عوائد قناة السويس بسبب زيادة رسوم العبور المائي والضرائب على المدى الطويل، ولكن بوتيرة أبطأ بكثير مما تتوقعها الحكومة. في المقابل يتوقع للقناة الجديدة أن يكون لها “آثار إيجابية محدودة على التصنيف الائتماني” لمصر في السنة المالية الحالية، حسبما يصف تقرير الوكالة.

أفضل النتائج الاقتصادية للمشروع وفقا لخليل هو أنه حفز المصريين العاديين على الاستثمار، فضخوا مليارات الدولارات من أموالهم الخاصة إلى السوق المحلية المصرية. كما بثت عمليات الحفر والبناء النشاط في السوق المصري لأن معظم المتعاقدين كانوا من القطاع الخاص في مصر، مع أن الأثر الاقتصادي كان مؤقتا إلى حد كبير.

ويضيف خليل قائلا: “لو أن المشروع ركز بدلا من ذلك على تطوير منطقة قناة السويس لتكون مركزا صناعيا عن طريق إنشاء الصناعات وتقديم الخدمات اللوجستية ومرافق التخزين الضرورية، لأمكن للمشروع أن يجني فوائد ومعدلات نمو مستدامة على المدى الطويل من خلال زيادة الاستثمارات الأجنبية والدخل الناتج عن العملة الأجنبية ونقل التكنولوجيا الضرورية.” في هذا السياق، ذكرت الحكومة بأن هذه ستكون المرحلة التالية من المشروع بعد أن اكتمل إنجاز الممر المائي الجديد.

كما تضمن المشروع حفر ستة أنفاق تحت القناة لضمان الاتصال الجغرافي بين شبه جزيرة سيناء وبقية الأراضي المصرية. وبرأي خليل فإنه “إذا ما تحقق بناء هذه الأنفاق، فأنها ستكون طوق نجاة في سبيل تطور ونمو أراضي سيناء. وسيكون ذلك أهم جزء في المشروع، كما أنه سيعمل حقا على تحسين الأمن القومي.”

ومنذ وصول الرئيس السيسي إلى السلطة، اتخذت حكومته خطوات جريئة لحل المشاكل الاقتصادية في البلاد. وكان الاجراء الأكثر جدلا هو خفض الدعم على الوقود بنحو الثلث، وهو ما تردد في عمله سلفه محمد مرسي خوفا من ردود الفعل الشعبية المتوقعة. ومن خلال فرض ضرائب جديدة، خصوصا على السجائر والكحول، تمكنت حكومة السيسى أيضا من خفض عجز الميزانية من 12 في المائة إلى ما دون 10 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وفي المحصلة، أدى خفض الدعم الحكومي إلى ارتفاع شديد في أسعار الوقود والغذاء ووسائط النقل العام وغيرها من الخدمات. إلا إن السيسي دافع عن سياسة خفض الدعم الحكومي في خطاب متلفز له في شهر تموز من عام 2014، واصفا تلك الخطوة بأنها “الدواء المر” اللازم لبدء عملية إصلاح النظام المترهل في مصر. كما أنه حث المصريين على تحمل إجراءات التقشف الضرورية في نظره لانعاش اقتصاد البلاد. في هذه الأثناء أشاد العديد من الخبراء الاقتصاديين بتلك التدابير كخطوة أولى إيجابية في سبيل وضع حد للعجز المتزايد في الميزانية وتحسين ثقة المستثمرين في بيئة مصر للاستثمار.

Advertisement
Fanack Water Palestine