أصول جماعة الإخوان المسلمين
كان للإخوان المسلمين، أحد أكبر الحركات الإسلامية في العالم، نصيبها من حلو الحياة ومرها منذ بداياتها المتواضعة في عشرينيات القرن الماضي. فبعد صعود نجمها إلى أعلى مستويات السياسة المصرية، وتولي كرسي الرئاسة أخيراً في عام 2012، ترك الانقلاب المدعوم من الشعب في عام 2013 الحركة في حالٍ يرثى لها، ومعظم قادتها باتوا خلف القضبان أو متوارين عن الأنظار.
تأسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا؛ المدرس في المدرسة الابتدائية وإمامٌ في مدينة الاسماعيلية. في ذلك الوقت، كانت مصر تحت الحكم الاستعماري البريطاني، إذ خاب أمل البنا بتآكل القيم الإسلامية في بلاده نتيجة تزايد النفوذ الغربي، وتزايد فصل حزب الوفد القومي الليبرالي الدين عن الدولة. كان هذا مناقضاً لاعتقادات البنا بأن الدين الإسلامي أسلوب حياةٍ متكامل، وينبغي أن يكون جزءاً من السياسة والحكم. جذب تفكيره هذا من يوافقونه الرأي من الأفراد والعمّال الذين كانوا يعانون من ظروف سيئة في شركة قناة السويس.
“كان متحدثاً مقنعاً للغاية،” هكذا وصفه عضوٌ سابق في جماعة الإخوان المسلمين فضل عدم الكشف عن هويته، مضيفاً “كلما تحدث، كان يحذب الناس للاستماع إليه.” نمت الحركة بسرعة، وفي أواخر الثلاثنيات، كانت قد انتشرت إلى كل محافظة من محافظات مصر، وازداد عدد الأعضاء إلى ما يقرب من النصف مليون، وفقاً لمعظم التقارير. كما بدأ جدول أعمال الحركة بالتغير من انخراطها بدايةً بمهام الرعاية الاجتماعية، مثل بناء المدارس والمستشفيات، لتنخرط في عام 1939 بالسياسة على نحوٍ متزايد.
وفي سياق معارضتها للحكم الاستعماري البريطاني، غالباً ما وضع هذا جماعة الإخوان المسلمين على خلافٍ مع النظام الملكي الحاكم، الذي أيد المصالح البريطانية في مصر. وفي ديسمبر 1948، حلّ رئيس الوزراء آنذاك، محمد النقراشي، الحركة وسط مخاوف من تخطيطها انقلاباً ضد الملك. وعند اغتيال رئيس الوزراء بعد ذلك بفترةٍ قصيرة، اتهمتها الحكومة، في محاولةٍ للحدّ من نفوذ الإخوان المسلمين المتزايد، باغتياله، على الرغم من أنّ البنا استنكر الحادثة. وفي فبراير 1949، قُتل البنا برصاصٍ مجهول، إلا أنّ الاعتقاد السائد هو ارتباط اغتياله بالأجهزة الأمنية.
الإخوان المسلمون في عهد عبد الناصر
وعندما نظمت مجموعة من الضباط الشباب ممن أطلقوا على أنفسهم اسم الضباط الأحرار، انقلاباً ضد الملك فاروق عام 1952، سرعان ما تحالفت جماعة الإخوان المسلمين معهم. نجح الانقلاب، وطالبت جماعة الإخوان المسلمين بتمثيلٍ قويّ لها في الحكومة الجديدة. ومع ذلك، رفض جمال عبد الناصر، زعيم الانقلاب ورئيس مصر فيما بعد (1956-1970)، الطلب، وعرض على الجماعة منصبين وزاريين ثانويين كمستقلين بدلاً من ذلك.
وخلال الفترة التي قضاها في السُلطة، واصلت علاقة جمال عبد الناصر بالإخوان المسلمين تدهورها. فقد عارض جدول أعمالها الإسلامي، الذي شعر بعدم توافقه مع أجندته القومية. توترت العلاقة أكثر فأكثر عندما وجهت أصابع الاتهام إلى جماعة الاخوان المسلمين في المحاولة الفاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر عام 1954. وسرعان ما اغتنم الفرصة للشروع بواحدة من أكبر حملات القمع ضد الحركة في تاريخها، حيث تم سجن الآلاف من الأعضاء وتعرضهم للتعذيب، أو فرارهم إلى جارة مصر، المملكة العربية السعودية، أو أوروبا.
سيد قطب ونهاية حكم عبد الناصر
وفي نفس الوقت تقريباً، ظهر زعيم فكرٍ جديد في صفوف جماعة الإخوان المسلمين. سيد قطب، الذي يُعرف بكونه أحد أكثر القادة تأثيراً وإثارةً للجدل في الجماعة. فبعد أن أنهى دراسته في القاهرة، قضى قطب عامين من حياته في الولايات المتحدة الأمريكية. وعند عودته، دوّن رؤيته للبلاد، منتقداً نزعتها المادية، وحرياتها الجنسية، والعنف فيها.
فبعد محاولة الاغتيال الفاشلة عام 1954، سجن عبد الناصر وعذب سيد قطب، على الرغم من أن الرجلين كانت تربطهما علاقة جيدة قبل، ومباشرةً بعد، ثورة 1952. وفي نهاية المطاف، حوكم سيد قُطب وأعدم شنقاً عام 1966 بتهمة الضلوع في التخطيط لاغتيال عبد الناصر.
يصف أتباع السيد قطب بأنه مفكرٌ عظيم، ومع ذلك، يتهمه خصومه بنشر ثقافة العنف، ومعارضة رفض البنا للإرهاب. فقد عززت إقامته في الولايات المتحدة معارضته لتبني الثقافة الغربية، إلا أنه في الفترة التي قضاها في السجن، ولربما نتيجةً لسوء المعاملة هناك، بدأ بالنظر إلى الجهاد باعتباره الوسيلة الوحيدة لحل مشاكل مصر. أيّد القوة الجسدية والعنف، والتي غالباً ما يُنظر إليها باعتبارها البذرة التي أدت إلى نمو الجماعات العنيفة مثل القاعدة.
وفي أعقاب وفاة عبد الناصر عام 1970، أفرج خلفه، أنور السادات، عن أعضاء الإخوان المسلمين من السجون، وأصبحوا أكثر تقبلاً في الحياة العامة والسياسية. وصل هذا إلى نهايةٍ مفاجئة عندما وقع السادات على معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، وألقيّ باللائمة في اغتياله في الثامن من أكتوبر 1981 على الجناح العنيف التابع للحركة. جاء هذا بالرغم من إدانة الجماعة لجميع أعمال العنف في السبعينيات، وتعهدها بتبني أجندة سياسية إصلاحية عوضاً عن ذلك.
حسني مبارك والإخوان المسلمين
وفي عهد حسني مبارك (1981-2011)، الرئيس التالي لمصر، شكلت جماعة الإخوان المسلمين تحالفاتٍ مع الأحزاب الرئيسية في محاولةٍ لتأمين مقاعد في البرلمان. أصبحت الجماعة منخرطة على جميع أصعدة المجتمع المصري من خلال البرامج الخيرية والتعليمية واسعة النطاق، لتملأ فجوةً لم تستطيع الحكومة ولا المعارضة العلمانية رأبها. وفي ضوء ذلك، أصبح شعار الجماعة “الإسلام هو الحل،” معروفاً على نطاقٍ واسع، وبخاصة في الجامعات، حيث غالباً ما فازت في تمثيل الهيئات الطلابية في معظم المحافظات في جميع أنحاء البلاد.
وفي عام 2000، انتزع الإخوان المسلمون 12 مقعداً برلمانياً من الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وفي الانتخابات التالية عام 2005، حصدت الجماعة 88 مقعداً، أي ما مجموعه 20% من المقاعد. صدمت هذه النتيجة مبارك وأعوانه، وعززت موقف جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها أكبر جماعة معارضة في مصر. وفي عام 2010، تم تزوير الانتخابات لضمان عدم حصد جماعة الإخوان المسلمين المزيد من الانتصارات، مما أثارغضباً شعبياً عارماً ضد البرلمان الذي تشكل نتيجةً لذلك.
تغيّر الموازين
أتت الرياح بما تشتهي سفن جماعة الإخوان المسلمين عام 2011، في أعقاب الثورة الشعبية التي أطاحت بمبارك. وفي بداية ما يُسمى بثورة 25 يناير، بقيت الجماعة على الهامش، ولكن مع اكتساب الثورة زخمها، تولى الإخوان، تدريجياً، دوراً أكثر بروزاً.
وأخيراً مع تنحي مبارك بعد 18 يوماً من الاحتجاجات، احتفل الإخوان المسلمون مع الجماعات الأخرى، ولكن سرعان ما انسحبوا للبدء بالتخطيط لاستراتيجيتهم الخاصة. أسسوا حزباً جديداً، حزب الحرية والعدالة، الذي حصل على أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأولى، حيث حصد ما يقرب من نصف المقاعد. وبعد وعدهم الأحزاب الأخرى بعدم طرح مرشحٍ للرئاسة، أخلفوا بوعدهم ورشحوا اثنين من الأعضاء، خوفاً من تجريد أحدهم من أهلية الترشح. وفي عام 2012، فاز مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، بشق الأنفس بالانتخابات بما نسبته 51,73% من الأصوات، ليصبح بذلك أول رئيسٍ منتخب ديمقراطياً في مصر.
إلا أن البهجة التي أحاطت بفوزه لم تدم طويلاً، فسرعان ما واجه الإخوان المسلمون معارضةً شديدةً من الجماعات السياسية الأخرى، فضلاً عن تنامي المعارضة في جميع أنحاء البلاد، وخاصة من السُلطة القضائية، التي قاومت أي محاولاتٍ للإصلاح. تفاقم الأمر عندما ضغطت الجماعة من خلال لجنةٍ شُكلت لصياغة دستورٍ مصري جديد بعد مقاطعته من قِبل العديد من العلمانيين والمسيحيين. وعندما أصدر مرسي مرسوماً رئاسياً في 22 نوفمبر 2012، يُمنح بموجبه صلاحياتٍ واسعة لحماية صياغة الدستور، اندلعت مظاهراتٌ ضخمة في المدن الكبرى، التي تحولت إلى اشتباكاتٍ دامية مع أنصار جماعة الإخوان المسلمين.
ومع تصاعد المعارضة، بدأت حركة للإطالحة بمرسي بالنمو، والتي بلغت أوجها بالإطاحة العسكرية بمرسي في الثالث من يوليو 2013، منهيةً بذلك فترة حكم الإخوان المسلمين، القصيرة، على أعلى المستويات السياسية. بدأت حملة قمعٍ جديدة ضد الحركة.
وفي 21 ديسمبر 2013، أعلنت الجماعة منظمةً إرهابية وحظرت تماماً من قِبل النظام المصري. ألقي القبض على زعيم الحركة، محمد بديع، إلى جانب الآلاف من الشخصيات المؤثرة الأخرى، وحُكم على كثيرٍ منهم بالإعدام في محاكمات جماعية.
وعلى الرغم من قمع وتفريق اعتصامين قام بهما أعضاء وأنصار الإخوان المسلمين، والتي راح ضحيتها ما يُقدر بألف شخص، واصلت الجماعة نبذ العنف، حتى عندما اتهمتهم الحكومة بتنامي الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد.
ولربما تعتبر هذه أسوء الانتكاسات التي تعرضت لها الحركة منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي، وانهيارها الأقسى. إلا أن الحركة لم تستعد عافيتها بعد، إذ أن هناك تقارير منتظمة عن خلافاتٍ وتشكيلاتٍ لجماعاتٍ منشقة. ومع ذلك، تمتلك جماعة الإخوان المسلمين تاريخاً طويلاً من معاودة الانبعاث من الرماد بعد فتراتٍ من السبات، كما لا تزال تتمتع بقاعدةٍ شعبية من المؤيدين في العديد من الدول في جميع أنحاء العالم.